في 1 فبراير/ شباط 2021، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وقف الدعم الأميركي للتحالف العربي، الذي تقوده السعودية من أجل استعادة الشرعية اليمنية، بهدف ما أسماه جهود إدارته الدبلوماسية لوقف الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا اليمن.
وأعقب ذلك بقرار ألغى فيه تصنيف جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية، بهدف تكثيف الحلول السياسية لوقف الحرب بعد 6 سنوات من الصراع.
وفي 4 فبراير/ شباط 2021، عيّن الرئيس الأميركي تيموثي ليندركينغ، وهو دبلوماسي أميركي، مبعوثًا خاصًّا للولايات المتحدة إلى اليمن، بهدف إضفاء حراك دبلوماسي دولي، للضغط على الأطراف اليمنية لإنهاء المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب، منذ أن اقتحم الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وفقًا لتصورات الإدارة الأميركية وحماسها الزائد لصناعة سلام بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
تحركت الولايات المتحدة الأميركية، بكل ثقلها السياسي، وما تمتلكه من إمكانية للضغط على المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية، من أجل إنهاء الحرب، ودعوة الحوثيين لحوار سياسي يفضي إلى عملية سياسية انتقالية، بمشاركة كافة المكونات السياسية اليمنية.
وتمخض ذلك بإعلان المملكة العربية السعودية في 22 مارس/ آذار 2021، مبادرة جديدة لوقف إطلاق نار شامل في اليمن، مقدمة تنازلات كبيرة لم يكن الحوثيين يطالبون أو يحلمون بها في ظل رفضهم شعبيًّا وعالميًّا.
التقط الحوثيون التحركات الأميركية الأخيرة والمبادرة السعودية، واستغلوا ذلك من خلال التصعيد العسكري ورفع من سقف شروطهم المتمثلة في إلغاء القرار الأممي 2216، والاعتراف بهم كسلطة شرعية، وطيّ صفحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وأن يكون الحوار مع المملكة العربية السعودية، واستبدال المبعوث الأممي مارتن غريفيث، لبدء أي حوار سياسي.
وافقت المملكة العربية السعودية على طيّ صفحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، واستحداث قرار جديد في مجلس الأمن الدولي بديلًا للقرار الأممي 2216.
وذهب فيصل بن فرحان إلى سلطنة عمان، معلنًا قبول المملكة بأن يكون الحوار مباشرة مع الحوثيين، وفي وقت لاحق تحدثت وسائل إعلام دولية عن اعتزام مجلس الأمن الدولي إعفاء مارتن غريفيث من مهمته كمبعوث أممي إلى اليمن، بناء على طلب الحوثيين.
تصعيد عسكري حوثي
وعلى الرغم من الحراك الدولي، والشروط التي وضعها الحوثي على طاولة المجتمع الدولي، وقوبلت أغلبها حتى الآن بالموافقة على تنفيذها، إلا أن الحوثيين اعتبروا أن كل تلك المطالب مشروعة، كونهم الشعب، والشعب هو الحوثي، وأنهم يقاتلون المحتل (الإسرائيلي والأميركي) في مأرب بهدف تحرير مكة المكرمة والقدس الشريف، معلنين شرطًا إضافيًّا هو تسليمهم محافظة مأرب (شمال شرق) الغنية بالنفط، مقابل موافقتهم على أي حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة.
في حال قرر خصومنا تسليم المدينة سلاماً بسلام فإن هذا القرار سيكون قرارا شجاعا وحكيما وسيكون لاشك محل تقديرنا واحترامنا الكبيرين
إن من المهم أن يحدث ذلك حتى ندشن معاً مرحلة إيجابية تجنب الجميع المزيد من الدمار وسفك الدم ونعمل فيها معاً من أجل السلام وإنهاء الحرب والإحتلال— حسين العزي (@hussinalezzi5) April 24, 2021
وشن الحوثيون حربًا كبيرة على محافظة مأرب وتمكنوا من السيطرة على 11 مديرية ونصف المديرية، من أصل 14 مديرية من مديريات المحافظة، وسط مناشدة دولية للحوثيين بوقف التحركات العسكرية والعودة إلى طاولة الحوار السياسي.
لكن الحوثيين تجاهلوا كل تلك النداءات، وحسموا موقفهم: إن الحل العسكري في هذا التوقيت هو الأنسب، لترجيح كفتهم وبسط نفوذهم على الشمال اليمني بشكل كامل قبل التوجه إلى الجنوب للسيطرة على الجمهورية اليمنية بشكل كامل، والاستعداد بعد ذلك للتوجه إلى المملكة العربية السعودية، أو كما يقولون في أبجدياتهم ودوراتهم الطائفية “تحرير مكة المكرمة”، وهو ما يكشف حقيقة رفضهم للنداءات الدولية لوقف الحرب، رغم آلاف القتلى في صفوفهم منذ بدء حملتهم على مأرب في فبراير/ شباط الماضي.
تحركات دولية
في الأربعاء 5 مايو/ أيار 2021، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، فشل المجتمع الدولي في إقناع الميليشيا الحوثية الموالية لإيران، وقف الحرب والدخول في عملية تفاوضية من أجل إحلال السلام في البلاد.
وأوضح في بيان نشر على موقع الأمم المتحدة، أن المجتمع الدولي بذل جهودًا مكثفة من أجل إيقاف الأعمال العدائية، وكذلك الهجوم على مأرب والمملكة العربية السعودية، والعمل على رفع القيود المفروضة على موانئ الحديدة وفتح مطار صنعاء، للتخفيف من حدة الوضع الإنساني المتردي، إلا أن ذلك فشل.
وأعرب عن أسفه بأن المجتمع الدولي ليس حيث يود الجميع أن يكونوا فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق، نتيجة لاستمرار الحوثيين بتعنتهم ورفضهم أي مقترحات من شأنها أن تنهي الحرب في اليمن، لكنه لم يشير إلى المتسبب الرئيسي في فشل تلك المفاوضات، وهو أول حديث سلبي له منذ تعيينه في فبراير/ شباط 2018، بعد أن كان يتفاءل دائمًا بالحل السلمي وقرب تحقيقه في اليمن.
وفي الخميس 20 مايو/ أيار 2021، أعلن المبعوث الأميركي إلى اليمن، فشل المفاوضات التي كانت تجري مع الحوثيين، مشيرًا إلى أن الجماعة تعرّض أكثر من مليون يمني للخطر في مأرب، بعد أن تراجعوا عن التزاماتهم ورفضهم السلام، كتأكيد لتصريحات المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث.
وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي، وكذلك الإدارة الأميركية المتحمسة لصناعة سلام في اليمن، كشفا حقيقة الحوثيين، ومشروعهم القتالي الذي لا يؤمن بالسلام، إلا أن التحركات لا تزال جارية على قدم وساق، وسط ضغط هش من قبل الإدارة الأميركية على الحوثيين.
ويتمثل ذلك الضغط بفرض عقوبات لا تعني شيئًا ولا تمثل قيمة لدى الميليشيا، التي تعمل على التخلص من كل شخص يتم فرض عقوبات عليه من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
فقد أدرجت الولايات المتحدة الأميركية سلطان زابن و4 قادة حوثيين، يتزعمون أجهزة المخابرات في صنعاء، على لائحة العقوبات أواخر عام 2020، مستندة إلى أدلة موثقة حول دورهم الإرهابي في الجرائم وزعزعة استقرار اليمن، لكن الحوثيين اغتالوا سلطان زابن في أبريل/ نيسان 2021، واستبدلوا المنصب بشخص مجهول حتى الآن.
وفي الخميس 20 مايو/ أيار 2021، فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على اثنين من المسؤولين العسكريين الحوثيين، اللذين يقودان هجوم الحركة المتحالفة مع إيران للسيطرة على مدينة مأرب، وهما محمد عبد الكريم الغماري ويوسف المداني، المكلفان بالهجوم على محافظة مأرب، كنوع من الضغط على الحوثيين لوقف تقدمهم، إلا أن الجماعة أزاحتهما من منصبيهما وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام يمنية.
على الرغم من التحركات الدولية التي تسعى لإحلال السلام في اليمن، إلا أن الحوثيين لم يستجيبوا لذلك حتى الآن، بل مستمرون في مراوغتهم وقتالهم في الجبهات بغية استكمال السيطرة.
الإجراءات الحوثية في حق كل شخص يتم فرض عقوبات دولية عليه، أو من قبل الولايات المتحدة الأميركية، يؤكد أن الجماعة لا تخشى من العقوبات الفردية، وماضية في تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة الذي يهدف لاستعادة الأمجاد الفارسية، وطمس الهوية الإسلامية، مهما كان الثمن، ما يكشف أيضًا عدم فهم المجتمع الدولي لهذه الجماعة ومشروعها حتى الآن.
وعلى الرغم من التحركات الدولية التي تسعى لإحلال السلام في اليمن، إلا أن الحوثيين لم يستجيبوا لذلك حتى الآن، بل مستمرون في مراوغتهم وقتالهم في الجبهات بغية استكمال السيطرة لفرض واقع جديد على الأرض، فهم يدعون إلى الحوار السياسي وفقًا لشروط وضعوها، وفي الوقت نفسه يرفضون وقف القتال في كافة الجبهات، ونجحوا في مراوغتهم بجرّ العالم لمفاوضتهم على مأرب.
سلام هش
يتضح من التحركات التي يجريها المجتمع الدولي حاليًّا، وربط وقف الغزو الحوثي على مأرب بالعملية السياسية، متناسيًا أن الحوثي اقتحم صنعاء وانقلب على الدولة، وأن هناك قرارًا أمميًّا يلزم الحوثيين بالتراجع عن الإجراءات التي قام بها منذ اجتياحه العاصمة صنعاء، سعيه إلى صناعة سلام هش في اليمن.
يريد المجتمع الدولي أن يعلن وقف إطلاق النار بقرار من مجلس الأمن، يدعو الحكومة اليمنية والحوثيين لوقف الحرب، كما حصل في اتفاق ستوكهولم، من أجل بدء عملية سياسية شاملة، دون وجود أي ضمانات لأن تكون هناك عملية سياسية متكاملة، وعودة أبناء اليمن المشردين إلى بلادهم.
منذ اتفاق الحديدة (ستوكهولم)، تحول خطاب التحالف العربي والحكومة اليمنية، إلى مطالبة المجتمع الدولي بإقناع الحوثيين على قبول السلام، ليبدو السلام وكأنه فعل إنساني مجرد من مضمونه السياسي المرتبط ارتباطًا وثيقًا بإنهاء الانقلاب، وهو ما يعني أنه سيذهب بالدولة والسلام معًا، من خلال ربط المجتمع الدولي مؤخرًا السلام بوقف هجوم الحوثي على مأرب.
سيقبل الحوثيون بطبيعتهم وقف إطلاق نار شامل بناء على مقترح أممي، سواء في القريب العاجل أو المنظور، وفقًا لما تحدده المصلحة الإيرانية أولًا، ومن ثم المصلحة الوقتية الخاصة بهم.
وسيكون ذلك وفقًا لشروط تضعها الجماعة، وهو أن يكون الحوار عنوانه «كيف تضمن السعودية أمنها» بشكل وقتي لا نهائي، مقابل الاعتراف بسقوط اليمن كله بيد طهران، لتكون يمن الحوثي لا يمن اليمنيين.
لا بد من تصحيح الخطاب السياسي والإعلامي في مخاطبة الخارج من منطلق أن السلام يجب ألّا يشكل غطاءً للانقلاب بدوافع.
يمن يعيش فيه مجتمع قائم على الأفضلية العرقية لسلالة الهاشميين، وأشكال متعددة من الجباية التي تطحن السكان، مع أشكال متعددة من العزلة عن العالم، ومستويات مختلفة من الرقابة والخوف وانعدام الحقوق والحريات، ولهذا نقول أن سعي العالم لصناعة السلام في اليمن، هو مجرد وهم أو صناعة سلام هش.
الخلاصة
حتى لا تذهب اليمن إلى طهران، وتفكر إيران بمكة بعد صنعاء، ووصول العالم لقناعة أن الحوثيين أفشلوا كل التحركات الدولية لصناعة السلام في اليمن، لا بد على الحكومة اليمنية أولًا: استغلال ذلك وإعداد استراتيجية جديدة لاستعادة اليمن، وتحريرها، وقبل ذلك توحيد كل القوى العسكرية المتواجدة على الأرض وتأجيل الخلافات السياسية لما بعد الحرب.
ثانيًا: تصميم مسار سياسي لا يستجدي السلام وإنما يفرضه، ولا بد من تصحيح الخطاب السياسي والإعلامي في مخاطبة الخارج، من منطلق أن السلام يجب ألّا يشكل غطاء للانقلاب بدوافع، وليكن اتفاق الحديدة درسًا قاسيًا للحكومة اليمنية والمجتمع الدولي.
ثالثًا: رفض فكرة ربط مقايضة مأرب بالعملية السياسية، والإصرار على تحرير اليمن بشكل كامل، والإصرار على ذلك مهما بلغ الأمر، ورفض تجزئة القضية اليمنية إلى أجزاء، فتجزئة ذلك يفقد صاحب الحق القضية برمتها.