يقترب موعد إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة المقرر عقدها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول القادم، ومع بدء التنافس الانتخابي في البلاد، سجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات آلاف المرشحين مع عشرات الكتل السياسية.
تفتح الأسطر التالية لـ”نون بوست” ملف الانتخابات، لتناقش أبرز مفردات قانون الانتخابات العراقي المقر حديثًا، مع تعريف القارئ العربي بأهم الاختلافات عن القانون السابق، واستعراض أسماء أهم الكتل السياسية وشروط نجاح التجربة الانتخابية بالبلاد.
قانون الانتخابات الجديد
في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، صوّت مجلس النواب على آخر مواد قانون الانتخابات التشريعية في العراق، حيث جاء القانون مغايرًا لسابقه في الآليات والإجراءات، وعلى خلاف القانون السابق الذي قسم العراق لدوائر انتخابية بعدد محافظات البلاد الـ 18، جاء القانون الجديد ليقسم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية، بما يشمل مجموعة من الدوائر الانتخابية لكل محافظة وفق تعدادها السكاني.
ومن مزايا قانون الانتخابات الجديد، بحسب الباحث السياسي العراقي نهاد الحديثي، أن القانون الجديد ألغى معادلة “سانت ليغو” في توزيع الأصوات، إذ سيكون الفائز هو مَن يحصل على أعلى الأصوات دون أن يذهب فائض الأصوات لمرشحين آخرين في ذات الحزب أو التحالف الانتخابي.
ويتابع الحديثي أن من أهم عيوب القانون الجديد هو السماح لكل من يحمل شهادة الإعدادية في الترشح للانتخابات، بعد أن كان الشرط أن يكون المرشح حاصلًا على شهادة البكالوريوس، وهو تراجع كبير قد يقلل من حملة الشهادات العليا في البرلمان المقبل.
كما يشير إلى أن القانون الجديد سيساعد زعماء العشائر ومرشحي الفصائل المسلحة في الوصول إلى البرلمان، بسبب سيطرتهم على بعض الأقضية والنواحي الصغيرة.
ولم يوضح القانون مصير النازحين الذين لا يزالون ممنوعين من العودة إلى مناطقهم، إذ إن القانون عرّف النازح والمهجَّر على أنه ذلك المسجل في وزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية، وهو أمر غير واقعي بحسب وصف الحديثي الذي يؤكد ان هناك عشرات آلاف النازحين والمهجرين غير مسجلين لدى وزارة الهجرة أساسًا.
ويرى العديد من المراقبين والسياسيين العراقيين أن القانون الجديد لا يمثل تغييرًا جذريًّا في المعادلة الانتخابية العراقية، إذ تقول النائب عن محافظة نينوى في البرلمان بسمة بسيم، إن القانون الجديد ومن خلال الدوائر المتعددة في المحافظة الواحدة عمّق من التخندقات الطائفية للكتل السياسية، وبالتالي بات التنافس بيّنًا أكثر بين المكونات المذهبية والقومية وفي داخل المكونات ذاتها.
أما الناشط السياسي في التظاهرات الشعبية بالبلاد هاشم الجبوري، فيرى من جانبه أن الانتخابات المقبلة لن تشهد تغييرًا في السياسات العامة في البلاد، معتقدًا أن البرلمان سيشهد كثيرًا من الوجوه الجديدة دون أن تتغير السياسة والتخندق الطائفي، عازيًا ذلك إلى أن الولايات المتحدة ومنذ غزوها البلاد عام 2003 عززت التخندق الطائفي من خلال السياسات التي انتهجتها.
أبرز المخاوف الانتخابية
تبرز العديد من المخاوف المرافقة للانتخابات المقبلة بالعراق، ويأتي الأمن الانتخابي على رأس تلك المخاوف وفق ما أشار إليه الباحث السياسي رياض الزبيدي، الذي أكد على أن لا انتخابات مبكرة أو غيرها في العراق ما لم تضبط الحكومة الوضع الأمني الهش في البلاد.
مشكلة الانتخابات القادمة تكمن في التحالفات الانتخابية المسيطرة على المشهد الانتخابي، إذ إن قوائم الترشيحات تضم كثيرًا من الوجوه الجديدة.
ويضيف الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست” أن الأمن الانتخابي يعني حرية انتخاب المرشحين دون خوف، مع ضمان نزاهة الانتخابات وعدم تزويرها، وعدم استخدام الجهات المسلحة الجهد العسكري في توجيه الانتخابات أو الاعتراض على نتائجها، بحسب تعبيره.
ويتخوف العديد من الخبراء القانونيين من أن الانتخابات المقبلة ستكون مشابهة لسابقاتها، بسبب اعتماد مفوضية الانتخابات البطاقة الإلكترونية إضافة الى البيومترية (تعتمد على بصمات الأصابع)، ما قد يؤدي إلى استغلال بعض الأحزاب للبطاقات الإلكترونية، خاصة أن المفوضية كانت قد أعلنت قبل أشهر عن فقدان 1.5 مليون بطاقة إلكترونية خلال السنوات السابقة.
أما النائب الكردي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني، فأكد من جانبه أن المخاوف العراقية من التخندقات الطائفية لا تزال قائمة، إذ يرى أن 18 عامًا في البلاد (عقب غزو عام 2003) لم تؤدِّ إلى تفتيت التحالفات الطائفية، بل تمخضت عنها تحالفات عديدة داخل المكونات الرئيسية للبلاد، فالتحالفات والكتل السياسية الشيعية بات لها العديد من القوائم في سجلات مفوضية الانتخابات، وهو ما تشهده الساحة السنية والكردية كذلك.
في غضون ذلك، يشير الباحث السياسي محمد عزيز إلى أن مشكلة الانتخابات القادمة تكمن في التحالفات الانتخابية المسيطرة على المشهد الانتخابي، إذ يؤكد أن قوائم الترشيحات تضم كثيرًا من الوجوه الجديدة، إلا أن المعضلة تكمن في أن هذه الوجوه انضمت سرًّا أو علنًا لتحالفات انتخابية تقليدية كائتلاف دولة القانون وتقدم وعزم وغيرها.
أما عن احتمالية بقاء الوجوه ذاتها في مجلس النواب، فيرى عزيز في حديثه لـ”نون بوست” أن البرلمان قد يشهد تغيير 60% من نوابه أو أكثر، إلا أن النواب البارزين والمعروفين لدى العراقيين قد يحصلوا على مقاعد في البرلمان مجددًا. لافتًا إلى أن كثيرًا من النواب يعتمدون على الدعم العشائري، وهو ما تعزز كثيرًا في القانون الجديد ذي الدوائر المتعددة.
وأشار إلى أن مراكز المدن والمحافظات ستشهد تغييرًا في التركيبة البرلمانية، على خلاف نواب المناطق الريفية التي تتسم بالطابع العشائري، والتي ستكون على المنوال القديم ذاته رفقة نواب الأقليات الذين سيحظى كثير منهم بالفوز مجددًا لغياب المنافسين.
أهم التحالفات الانتخابية
مع إغلاق المفوضية العليا للانتخابات بالعراق باب تقديم الترشيحات وتسجيل الكيانات والتحالفات السياسية، للتنافس والمشاركة في الانتخابات العامة العراقية المبكرة المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول القادم، تعمل المفوضية على وضع اللمسات الأخيرة لقوائم المرشحين والكتل السياسية التي ستشارك في المضمار الانتخابي قبيل المصادقة النهائية عليها.
تقول الناطقة الإعلامية باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي، إن المفضوية صادقت على 44 تحالفًا و267 حزبًا مرخصًا، أما مجموع المرشحين فبلغ بحسب الغلاي نحو 3523 مرشحًا، منهم 1002 مرشحًا قدمتهم التحالفات، بينما قدمت الأحزاب 1634 مرشحًا، فيما وصل عدد المرشحين المستقلين 887 مرشحًا، إضافة إلى حصة النساء (الكوتا) الانتخابية البالغة 25% من مجوع المرشحين الكلي بواقع 963 مرشحة.
ضمت الترشيحات التي تسلمتها مفوضية الانتخابات 44 تحالفًا انتخابيًّا من بينها 18 تحالفًا معروف التوجه والزعامة لدى العراقيين، فمن أبرز التحالفات الانتخابية “ائتلاف دولة القانون” برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والذي ينضوي تحت مظلته حزب الدعوة وحركة البشائر وحزب الله العراق.
كما تضم التحالفات “ائتلاف النصر” برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، و”ائتلاف الوطنية” بزعامة أول رئيس وزراء للعراق بعد عام 2003 إياد علاوي، فضلًا عن “تحالف عزم” برئاسة السياسي خميس الخنجر، وتحالف “تقدم الوطني” برئاسة رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي.
وتضم كذلك التحالفات الانتخابية أيضًا “ائتلاف حمورابي” الذي يتزعمه آنو جوهر عبدوكا، و”تحالف جماهيرنا هويتنا” الذي يترأسه أحمد الجبوري أبو مازن، وتحالف “نصحح” برئاسة همام حمودي، فضلًا عن “تحالف سائرون” التابع للتيار الصدري وتحالفات كثيرة أخرى.
وعلى الرغم من أن موعد الانتخابات المقبلة يسير وفق ما رسمته الحكومة ورئاسة الجمهورية في مرسومهما الجمهوري، غير أن أحداث الأيام الأخيرة التي أعقبت تظاهرات 25 مايو/ أيار ومقتل بعض المتظاهرين، إضافة الى الفوضى الأمنية التي شهدتها المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد بعيد اعتقال آمر لواء الطفوف بالحشد الشعبي قاسم مصلح، يؤشر إلى الصعوبات الأمنية التي تواجهها الحكومة العراقية في سبيل تأمين جو انتخابي مستقر.
ينظر العراقيون بعين الريبة إلى ما قد تشهده العاصمة بغداد في الأشهر القليلة المتبقية حتى موعد الانتخابات، في ظل سجال سياسي وأمني لم يشهد العراق له مثيلًا منذ أول انتخابات تشريعية شهدتها البلاد عام 2005.