ترجمة وتحرير: نون بوست
أفاد تقرير جديد أن التغطية الإعلامية البريطانية للتصعيد الأخير لأعمال العنف في “إسرائيل” وفلسطين كانت “منحازة” ضد الفلسطينيين و”تشوه” التصورات العامة. يوم الخميس، نشر مركز مراقبة الإعلام التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا تقريرا يتكوّن من 44 صفحة، ويحمل عنوان “التغطية الإعلامية لفلسطين 2021” حيث صدر بعد مرور أسبوعين على اندلاع أعمال العنف. حينها، شنّت الشرطة الإسرائيلية حملة قمع على الاحتجاجات ضد قرار الإخلاء الوشيك للفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، ثم هاجمت المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، مما أسفر عن إصابة المئات من الأشخاص.
بعد ذلك، كان هناك تصعيد كبير للعنف حيث أُطلقت صواريخ من غزة، وأسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية على الجيب المحاصر عن مقتل ما لا يقل عن 248 فلسطينيا، من بينهم 66 طفلا. في المقابل، لقي 29 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية حتفهم، وقتلت صواريخ أطلقت من غزة 12 شخصا في “إسرائيل”.
من جانبه، ذكر مركز مراقبة الإعلام التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا أنه بين تاريخ السابع من شهر أيار/مايو و20 أيار/مايو (عندما وقع الإعلان عن وقف إطلاق النار)، كان هناك 62400 مقالة مطبوعة على الإنترنت و7997 برنامجا تلفزيونيا تتحدث كلها عن التصعيد الأخير. في المقابل، ركّز التقرير بشكل خاص على وسائل الإعلام البريطانية.
عموما، وجد مؤلفو التقرير أنه على الرغم من وجود بعض الأمثلة على التغطية المتوازنة، إلا أن السرد كان غير متوازن بسبب “اللغة المشوهة والعناوين المضلّلة والتأطير الإشكالي”. من جانبها، قالت رضوانة حميد، مديرة مراقبة الإعلام التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا، والمؤلفة المشاركة للتقرير، لموقع “ميدل إيست آي”، إن “الكم الهائل من الشكاوى” التي تلقتها منظمة الرصد بشأن “التغطية المنحازة لوسائل الإعلام البريطانية للأحداث في فلسطين” تتماشى مع قاعدة التحليل والأدلة الخاص بها.
حي الشيخ جراح والأقصى
استشهد التقرير بعدة أمثلة لوسائل الإعلام التي أشارت إلى الوضع في حي الشيخ جراح باعتباره “إخلاء” أو “نزاع عقاري”، والتي قالت إنه ينطوي على أساس قانوني لعمليات التهجير القسري التي تتعارض مع القانون الدولي. علاوة على ذلك، وجد مركز مراقبة الإعلام التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا أن 50 بالمئة من المقاطع الإعلامية المذاعة بين سبعة و10 أيار/مايو، وظّفت عبارة “عمليات إخلاء” أو مصطلحات مشابهة، لوصف خطط الاستيطان غير القانونية في حي الشيخ جراح.
يُعتبر وصف أحداث العنف بالصراع والاشتباكات محاولة للمساواة في الواقع لما هو معركة بين ديفيد وجليات
وفيما يتعلق بالعنف الذي مارسته الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى، والذي أسفر عن إصابة مئات الفلسطينيين، وثّق التقرير حالات واسعة النطاق لكيفية استخدام وسائل الإعلام لمصطلحات مثل “الاشتباكات” و”الصراع” و”المشاجرات” و”المناوشات”، مما يدل على تورط الطرفين على حد سواء.
في هذا الصدد، قالت حميد إنه “فيما يتعلق باللغة المستخدمة، تطمس مصطلحات مثل” الإخلاء” عمليات الترحيل القسري غير القانوني للفلسطينيين وطردهم من منازلهم. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر وصف أحداث العنف “بالصراع” و”الاشتباكات” محاولة للمساواة في الواقع لما هو معركة بين ديفيد وجليات”.
خلصت النتائج إلى أن ثلثي المقاطع التي وقع بثها بين السابع والعاشر من شهر أيار/مايو، أشارت إلى أحداث الأقصى على أنها “اشتباكات”، أو وقع استخدام مفردات مماثلة. وذكرت العديد من التقارير الإخبارية التي تحدثت عن “انتفاضة”، والتي قالت إنها ساهمت في “بث الخوف” و”تصوير الفلسطينيين باعتبارهم معتدين عنيفين”.
من بين المجالات الأخرى التي تثير القلق فيما يتعلق بالتقارير التي تتحدث عن القدس، كان التركيز المفرط على الدين. ووجد التقرير أن حوالي ثلثي 90 مقطعا بين السابع والعاشر من شهر أيار/مايو تشير إلى ديانة الفلسطينيين، وفي بعض الحالات تشير صراحة إليهم على أنهم مسلمون. وأشار تقرير صادر عن قناة “آي تي في” بتاريخ 10 أيار/مايو إلى وجود صفارات الإنذار التي دفعت “المصلين اليهود عند الحائط الغربي إلى الفرار والهروب بحثا عن مخبأ”، واستخدام الفلسطينيين “لثالث أقدس موقع في الإسلام” كقاعدة لإلقاء الحجارة على الشرطة الإسرائيلية.
أوصى المؤلفون بأنه في حين كان من المهم ملاحظة الأهمية الدينية للقدس، يتعيّن على الصحفيين تجنب التلميح إلى الدوافع الدينية و”تصوير تاريخ إسرائيل مقابل فلسطين على أنه شيء آخر غير الاستعمار الاستيطاني”. فضلا عن ذلك، ذكر التقرير أن “هذه الرواية تتجاهل وجود واضطهاد إسرائيل للمسيحيين الفلسطينيين وغيرهم من الأشخاص”.
تحديد إطار غزة
وجد التقرير أمثلة متعددة للغة إشكالية وتأطير فيما يتعلق بالعنف في غزة، على غرار مقال نشرته صحيفة “ذا صن” في 12 أيار/مايو بعنوان: “15 طفلا قُتلوا في الصراع القائم بين “إسرائيل” وحماس بينما حذر نتنياهو قائلا “سنوجه ضربات لا يمكنكم أن تحلموا بها”. ولم يذكر العنوان أن 14 طفلا من مجموع الأطفال المقتولين من الفلسطينيين.
في الحقيقة، أبلغ تقرير نشرته قناة “آي نيوز” في 17 أيار/ مايو عن “وفاة 42 شخص خلال عطلة نهاية الأسبوع” في عنوانها الرئيسي. في المقابل، لم يشر التقرير إلى أن جميع هؤلاء القتلى من الضحايا الفلسطينيين في غزة. كما أشارت إحدى مذيعات الأخبار في قناة “بي بي سي” إلى الضحايا الفلسطينيين مستخدمة عبارة “ماتوا” بينما قالت إن الإسرائيليين “قُتلوا” في المواجهات الأخيرة. ودعا مركز مراقبة الإعلام التابع للمجلس الإسلامي وسائل الإعلام إلى تجنب استخدام الفعل المبني للمجهول، وتحديد القاتل والضحايا بشكل واضح في العناوين الرئيسية.
دعا الصحفيين إلى تجنب وصف الأشخاص الذين ينتقدون تصرفات دولة “إسرائيل” بأن آرائهم ناتجة عن كرههم للشعب اليهودي
علاوة على ذلك، استشهد المركز بأمثلة لوسائل الإعلام التي تكرر استخدام مصطلح “الجيش الإسرائيلي”، في حين أشارت إلى الجماعات الفلسطينية على أنهم “مقاتلين” و”إسلاميين”، مما يعني ضمنا وجود اختلافات في الشرعية، ناهيك عن العناوين التي وصفت الضربات الجوية الإسرائيلية بأنها جاءت “بعد هجمات حماس الصاروخية”. وأشارت مجموعة المراقبة إلى أن هذه العناوين تعمّدت إخفاء حقيقة الاعتداءات التي مارسها المستوطنين الإسرائيليين والشرطة الإسرائيلية على الفلسطينيين في القدس التي أدت إلى الهجمات الصاروخية. من جانبها، قالت حميد لموقع “ميدل إيست آي” إن “السرد الإعلامي يمحو تاريخ القضية الفلسطينية وسياقها وشرعيتها من خلال تقديم الفلسطينيين على أنهم المعتدون ومن حق “إسرائيل” الدفاع عن نفسها”.
ادعاءات معاداة السامية
ظهرت العديد من المقالات التي تخلط بين النشاط المؤيد للفلسطينيين ومعاداة السامية في التغطية الإعلامية المنحازة، حيث جاء في تعليق في صحيفة “التلغراف” أن المتظاهرين في لندن كانوا “مؤيدين لحماس” ومعادون للسامية نظرا لأن الجماعة “ملتزمة بالقضاء على اليهود”. بالإضافة إلى ذلك، ذكر كاتب العمود، ريتشارد ليتلجون، في صحيفة “ديلي ميل” أن “معاداة السامية، مثل كوفيد، تأتي على شكل موجات… وهذه هي السلالة الفلسطينية”.
اعترف التقرير بوجود عدة أمثلة لأشخاص ذوي آراء معادية للسامية يستخدمون العدوان الإسرائيلي كذريعة لنشر وجهة نظرهم العنصرية التي تدعو للكراهية. في المقابل، دعا الصحفيين إلى تجنب وصف الأشخاص الذين ينتقدون تصرفات دولة “إسرائيل” بأن آرائهم ناتجة عن كرههم للشعب اليهودي. وفي مقابلة أجرتها مع قناة “سكاي نيوز”، فشلت تسيبي هوتوفلي، السفيرة الإسرائيلية في المملكة المتحدة، في الإجابة بشكل مقنع ومواجهة الأسئلة التي تسلط الضوء على التطهير العرقي في الشيخ جراح.
من جانبه، سبق أن وصفت هوتوفلي نفسها بأنها “يمينية متطرفة”، حيث اعتبرت أن تهجير 750 ألف فلسطيني عام 1948 مجرد “كذبة عربية قوية وشعبية”. في هذا الصدد، اتُهمت هوتوفلي بتبني آراء عنصرية ومعادية للإسلام، وأعربت عن دعمها لضم الضفة الغربية المحتلة بالكامل بشكل غير قانوني. من جهة أخرى، قال التقرير إن الفلسطينيين يُطلب منهم بانتظام تبرير أفعال حماس، وأوصى بأن يُمنح المتحدثون باسم الحركة منبرا للرد على الادعاءات.
“سيضطرّ المحررون إلى الانتباه”
تجدر الإشارة إلى أن التقرير سلط الضوء على عدة أمثلة على التغطية المتوازنة والنزيهة، حيث تضمّن مقابلات إذاعية مع محامية حقوق الإنسان الفلسطينية، نورا عريقات، والسفير البريطاني، حسام زملط. بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى مراسل “سكاي نيوز”، مارك ستون، الذي قال المؤلفون إنه “قام بعمل ممتاز في محاولة تقديم الأحداث بطريقة متوازنة ومدروسة”. في هذا الشأن، قالت حميد من موقع “ميدل إيست آي” إنه “ما دام يسمح بالتغاضي عن التحيز في وسائل الإعلام المطبوعة، ما لم تكن هناك حالة واضحة على عدم الدقة في المعلومة، فسيستمر المراقبون في مساندة الصحفيين”.
من جهته، قال مدير البحث إنه لا يزال هناك عمل يتعيّن القيام به لمساعدة الناس على فهم ما يشكل انتهاكا للوائح، وأن مركز مراقبة الإعلام التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا كان يعقد ورش عمل للمساعدة على إعلام الجمهور. في الحقيقة، يسير التغيير بنسق بطيء. في المقابل، إذا ما كانت هناك موجة من الآراء والشكاوى التي تشكك في التغطية، فسيضطرّ المحررون إلى الانتباه وتوخي الحذر”.
المصدر: ميدل إيست آي