في علم الاجتماع السياسي، هناك مبدأ تأسيسي يقول إن الاتحاد بين السلطة والجماهير قد يمثل “رافعةً” مثالية للمشاريع السياسية والأيديولوچية للسلطة، إذا نجحت في تعبئة الجماهير داخليًا، وبالأخص إذا كانت السلطة تتعرض لضغوط من قوى دولية أكبر تريد كبح نموها واستقلالها.
في العالم العربي عامة ومصر خاصة قبل ثورات الربيع العربي، لم تكن السلطات تسمح بتعبئة الشارع داخليًا، خوفًا من عواقب تنظيم الشارع على وجود هذه السلطويات من جهة، ولأن هذه السلطويات لم تكن تمتلك مشاريع استقلالية أساسًا من جهة أخرى، ومع ذلك، فإنها كانت تخشى كبح الشارع كليةً وتسمح له بالتنفيس حتى لا يتفاقم الاحتقان في وجهها.
بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 بقيادة الچنرال عبد الفتاح السيسي في مصر، باتت علاقة السلطة بالجماهير والمجتمع هي العداء التام، وفي أفضل الأحوال، تصبح هذه العلاقة قائمة على أن تنوب السلطة كليًا في تمثيل الجماهير، أو بالأحرى تحتكر تمثيلهم، على المستوى المادي في تحديد أولويات الإنفاق العام دون مشاركة اجتماعية حقيقية في صياغة هذه الأولويات أو الرقابة على طرق الإنفاق، أو في تمثيلهم في الأزمات القومية الكبرى، نتيجة عدم الثقة في نتيجة اختياراتهم أو الخوف من عواقب تنظيمهم، وهو مسعى بات ملحوظًا على نحو واضح مؤخرًا.
كورونا: الخوف من الأطباء والمجتمع
رغم أن مسؤولية إدارة كارثة بيولوچية في سياق اجتماعي محدث تقع على عاتق السلطة بالأساس نظرًا لما تملكه من خبرات وتنظيم وموارد وقدرة على إدارة الأزمات، فإن هذا لا ينفي أبدًا الدور الشعبي في مساعدة السلطة، التي يفترض أنها تمثلهم في إدارة الأزمة.
في الوقت الذي كانت فيه معظم دول العالم تدعم الكوادر الطبية رمزيًا وماديًا، نظر النظام المصري إلى الفرق الطبية باعتبارها تهديدًا لسرديته
على المستوى التقني، كانت إدارة النظام المصري لأزمة كورونا من أسوأ ما يكون عالميًا. غياب للشفافية ونقص واضح في الموارد وعشوائية في اتخاذ القرار وتأخر في القرارات المهمة، أدت في النهاية إلى سيادة مشهد يمكن وصفه لغويًا دون حمولة إساءة بـ”التخلف” في إدارة الأزمة.
ومع ذلك، كان اهتمام النظام المصري منصبًا على كبح أي سيولة اجتماعية قد تحدث في ظل سوء إدارة النظام لهذه الأزمة، فتم تشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعظيم دور جهاز الأمن الوطني في إدارة الملف في إشارة مكثفة لطبيعة نظرة النظام للخطر الذي يداهمه، باعتباره أمنيًا أكثر من كونه صحيًا، وفي واقعة غريبة، هدمت السلطات مشفى ميدانيًا أنشأه الأهالي في محافظة البحيرة بالجهود الذاتية لتعويض تقاعس النظام عن توفير الحماية لهم.
من ناحية أخرى، وفي الوقت الذي كانت فيه معظم دول العالم تدعم الكوادر الطبية رمزيًا وماديًا، نظر النظام المصري إلى الفرق الطبية باعتبارها تهديدًا لسرديته، سواء من ناحية ترويج القدرة على احتواء الأزمة، حيث كان الأطباء يتحدثون ويناشدون المجتمع لتوفير أبسط الاحتياجات الوقائية لحمايتهم في أثناء العمل في وقت كان النظام يقول إن لديه فوائض في هذه المواد تكفي حتى للتصدير، أم من زاوية الخوف من إطلاق شرارة احتجاج فئوي تساهم في تحسين أحوال الأطباء، بشكل يعتبره النظام ابتزازًا غير مقبول في هذه الظروف.
تعبيرًا عن هذه السياسة، اعتقل النظام عددًا من الأطباء الذين تحدثوا عن نقص الموارد الأساسية البسيطة التي لا يخلو منها أي مجال حيوي في سياق كارثي مثل كورونا، وقطع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الطريق أمام أي مطالب فئوية من هذا القطاع قائلًا: “أنا سامع إن فيه جدال حوالين التكليف للأطباء، من فضلكم ده وقت إن أنتم تتكاتفوا فيه مع بلدكم مصر”.
وحمّل رئيس الوزراء الأطباء مسؤولية زيادة أعداد الوفيات نظرًا لما أسماه تقاعسهم عن أداء دورهم، وهددت الدولة بتحويل الصيادلة إلى أطباء لمواجهة أي حالات إضراب جماعي، ونشأت بينها وبين نقابة الأطباء، الممثل الشرعي لحقوق هذا القطاع، عدد كبير من الأزمات، كان من بينها رفض نعي النقابة للقيادي الإخواني الذي مات في محبسه عصام العريان والضغط عليها من أجل سحبه وتقديم اعتذار عنه. هكذا كان يفكر النظام في الأزمة، اجتماعيًا وأمنيًا.
سد النهضة: لا أريكم إلا ما أرى
رغم أن الوقائع التاريخية المحايدة تقول إن النظام المصري وبنية الدولة العميقة مسؤولان بشكل كبير عن تفاقم الأزمة إلى هذا الحد، فقد تغاضى نظام مبارك عن مد النفوذ المصري في إفريقيا عامةً ومنابع النيل خاصةً، منذ محاولة اغتياله في أديس أبابا 1996، وأهمل ردع إثيوبيا عن بناء السد المطروحة فكرته منذ عقود طويلة حتى أشهر قبل رحيله.
لم ير النظام المصري خلاصةً وعبرةً يستخلصها من هذه الأزمة التي طالت العقد من الزمان، إلا التحذير من أي اضطرابات شعبية جديدة ضد السلطة الحاليّة بأي شكل
ثم جاء نظام الـ3 من يوليو/تموز 2013، فساهم في رفع الحظر الدولي المفروض على تمويل السد، الذي فرض بطلب تقني من الخارجية المصرية عام 2012، وسمح بتحالفات مع دول تدعم الطموحات المائية لدولة إثيوبيا لأن نفس هذه الدول كانت تدعمه أيضًا، ووقع اتفاقية إعلان المبادئ مارس/آذار 2015 في الخرطوم، متجاهلًا التوصية البيروقراطية بعدم التوقيع عليها لأنها تنقل الخلاف من مشروعية بناء سد دون إعلام دول المصب إلى الخلاف بشأن ما بعد التشييد، مثل الملء والتشغيل.
رغم كل ذلك، لم ير النظام المصري خلاصة وعبرةً يستخلصها من هذه الأزمة التي طالت العقد من الزمان، إلا التحذير من أي اضطرابات شعبية جديدة ضد السلطة الحاليّة بأي شكل، لأنها قد تسمح للآخرين باستغلال الأحداث لبناء مزيد من السدود على نهر النيل، كما حدث في ثورة 25 من يناير/كانون الثاني، التي لولاها لما نجح الإثيوبيون في الشروع ببناء سد النهضة، وفق تقييم السيسي.
قال السيسي بعد تحذير الإعلام أكثر من مرة من الخروج عن النص الذي يوزع عليهم في إدارة هذه الأزمة: “أنا قلقت على المياة من 2011، أول ما بقتش أرتاح ولا أطمنْ من 2011، وتحديدًا 25 يناير، عرفت إن هيبقى فيه مشكلة كبيرة قوي، وهقولكم لأنكم شريك أصيل في مواجهة التحدي، اللي حصل في 2011 هو المدخل للتحدي اللي إحنا قدامه”، وفي مناسبة أخرى قال: “هقولكم على غلطة واحدة أو ثمن واحد دفعْناه وسندفعه: 2011، لم تكن أبدًا لتبنى سدود على نهر النيل إلا بها”.
فيما يقول الواقع، إن الثورة كانت متنبهةً لهذا الخطر منذ اللحظات الأولى لنجاحها، إذ أرسل إلى إثيوبيا وفود عرفت باسم “الدبلوماسية الشعبية” لمد جسور التعاون وتقريب وجهات النظر مع الجانب الآخر، ووقعت إثيوبيا في اضطرابات اجتماعية وسياسية أعنف كثيرًا ربما من تلك التي وقع فيها النظام المصري في يناير، بعد شن الحرب على إقليم تيغراي، وخسارة الحليف السوداني، إلا أن النظام في مصر لم ينجح إلى الآن في استغلال هذه الظروف لتحسين وضعه التفاوضي بشكل ملموس، خلافًا لما يقوله عن نجاح إثيوبيا في استغلال الاضطرابات في مصر منذ نحو عقد.
أزمة فرنسا: احتكار الرد الضعيف
في أكتوبر/تشرين الماضي، نشأت أزمة حضارية بين إحدى دول أوروبا التي لها تاريخ استعماري طويل في الشرق، فرنسا، والعالم الإسلامي، على خلفية تجاوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد المسلمين واصفًا الإسلام بأنه “دين في أزمة”، وشنه حملةً أمنية ضد الوجود الإسلامي المنظم في فرنسا فيما عرف باسم الحملة على الإسلاموية.
بالنسبة للدول التي كانت ترى أن فرنسا تجاوزت في حق المسلمين، وأن هناك ثمنًا لا بد أن تدفعه، دون التأثير على العلاقات والمصالح بينها وبين باريس، فقد كان السماح بالغضب الاجتماعي، ممثلًا في المقاطعة والمظاهرات عند السفارات وغيرها من أشكال الاحتجاج السلمي، سلاح هذه الدول للضغط على فرنسا، بما أثمر عن اعتذار فرنسي ضمني من الرئيس الفرنسي للعالم الإسلامي خلال لقائه مع الجزيرة.
ومع ذلك، لم يشدد النظام المصري الخناق على أي تحركات سلمية جماعية على أرض الواقع ضد فرنسا فحسب، بل هاجم سلاح المقاطعة والمقاطعين أيضًا، هجوم برز في رأي شيخ الشؤون المعنوية، خالد الجندي، الذي قال فيه: “لازم يبقى عندكم وعي إن فيه ناس بتحركم عشان تبقوا ألعوبة (…) إحنا 1.5 مليار مسلم ودعوات المقاطعة بتيجي عندنا إحنا بس، اللي عاوز يقاطع لازم يبقى فيه وعي وأنت بتتكلم، أنت عاوز تقاطع إيه؟ اللاڤاش كيري؟”.
كان موقف النظام المصري رافضًا لهذه الحملة على عدة أسس، كونها نضالًا اجتماعيًا إسلاميًا، ضد فرنسا، أحد أهم حلفائه، بدعم من أهم خصومه الإقليميين، وقد عبر أيضًا عن هذا الرفض من خلال زيارة السيسي إلى فرنسا خلال الأزمة، التي منح السيسي فيها وسام تكريمي رفيع، وحصل خلالها على صك لاستيراد السلاح دون أي اعتبارات لحقوق الإنسان حتى لا تضعف قدرة القاهرة على محاربة الإرهاب، كما قال ماكرون.
ومع ذلك، قال السيسي في المؤتمر الصحفي للزيارة كلامًا غائمًا عن وجوب احترام المقدسات الدينية، لم يزعج باريس فيما يبدو من نتائج الزيارة، ولكنه فسر لاحقًا وروج له من أنصار النظام على أنه دفاع مثالي وراق عن حقوق المسلمين، بشكل يقطع الطريق على أي استغلال للأزمة من الأطراف غير المرغوبة (المعارضة) لإشاعة جو من عدم الاستقرار في الشارع.
العدوان الأخير على غزة
نفس الأمر الذي حدث في الأزمة مع فرنسا، تكرر في التعامل المصري مع العدوان الأخير على غزة. غضب شعبي عارم في الداخل، تطور في الموقف الرسمي الإسلامي إلى حد المطالبة بتشكيل تحالف عسكري موحد لردع الاحتلال عن تجاوزاته ضد الفلسطينيين.
أوكل النظام إلى جهاز الأمن الوطني مهمة رصد أي تحركات شعبية لدعم فلسطين خلال العدوان الأخير، بما في ذلك تعليق العلم الفلسطيني على شرفات المنازل
ببعض الإجراءات الشكلية، مثل فتح المعبر متأخرًا بعد أيام العيد رغم اشتداد القصف خلال العيد، والسماح بدخول شحنات إغاثية إلى القطاع معلقًا عليها صورة السيسي، والإعلان عن منحة مالية ضخمة للمساهمة في إعادة الإعمار، وتوجيه الإعلام نحو إدانة العدوان، روج السيسي أيضًا إلى فكرة أن: الدولة أو النظام، يمكنه أن ينوب عن المجتمع في التنفيس عن الغضب، دون أن يؤدي ذلك إلى أي اضطرابات داخلية أو تتأثر العلاقة مع الحلفاء.
صحيح أن الموقف المصري الإيجابي نسبيًا، قياسًا على نفس الموقف في جولات تصعيد سابقة مثلما حدث في يوليو/تموز 2014، كان له أسباب أخرى إلى جانب امتصاص أي غضب شعبي، مثل إعادة تسويق النظام لدى الإدارة الأمريكية الجديدة من حيث القدرة على احتواء الفلسطينيين، ومحاولة الاستفادة من ذلك في الحصول على دعم أمريكي في قضية سد النهضة، إلا أنه أيضًا هدف بوضوح إلى قطع الطريق على شرعية أي تحرك شعبي مناصر للقضية الفلسطينية داخليًا، وحافظ على حدود علاقته المستقرة مع دولة الاحتلال إلى حد تجنب أي إدانة رسمية لعدوانه على القطاع، ويمكن الرجوع إلى كلمة السيسي المقتضبة في هذا الشأن من باريس، وشكر رئيس الوزراء الإسرائيلي السيسي على جهوده في احتواء التصعيد.
تجلى هذا المطلب، قطع الطريق على شرعية أي تحرك شعبي في الداخل لمناصرة الفلسطينيين، وهو ما يرفضه النظام تمامًا، لكنه قد لا يستطيع كبحه إذا لم يقم بهذا الدور الشكلي في دعم الفلسطينيين، في حوادث القبض على كل من رفع علم فلسطين خلال العدوان، في القاهرة والجيزة، صحفيين ومواطنين عاديين، ووصف الصحفي الاستقصائي حسام بهجت لهذه السياسة قائلًا: “النظام في مصر مصمم على احتكار دعم المقاومة، كما يحتكر التواصل مع الفصائل الفلسطينية، وتمامًا كما يحتكر التطبيع مع إسرائيل، هذا نظام لا يعترف ولا يقبل بوجود مجتمع من المدنيين”.
وعلى غرار أزمة كورونا، فقد أوكل النظام إلى جهاز الأمن الوطني مهمة رصد أي تحركات شعبية لدعم فلسطين خلال العدوان الأخير، بما في ذلك تعليق العلم الفلسطيني على شرفات المنازل أو تداول تصنيع وبيع هذه الأعلام من الأساس، بعد أن اعتقل الأمن الوطني عددًا من أصحاب مصانع القماش والطباعة وأجبرهم على تسليم بيانات عملائهم من طالبي هذه الأعلام، كما أوضح موقع “المنصة” في تحقيق استقصائي مؤخرًا.
الاستنتاج
يتحوط النظام المصري من أي نشاط اجتماعي منظم قد يشعر الجماهير بالاتحاد والقوة والقدرة على الفعل والإنجاز، حتى لو لم يكن لهذا النشاط حمولة سياسية مباشرة، فكل قدرة على الاجتماع المنظم الفعال الخارج عن رقابة النظام، تمثل تهديدًا محتملًا عليه ومشروعًا محتملًا لمظاهرة سياسية.
في بعض تقديرات المراكز البحثية المقربة من النظام والأجهزة الأمنية لمناخ ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، قدر باحثون أن مشاهد احتشاد المصريين، الشباب بالأخص، للاحتفال بنتائج المنتخب القومي لكرة القدم في البطولات القارية، رغم من محاولة توظيفها سياسيًا من جانب نظام مبارك وحاشيته، من جهة اعتبارها مؤشرات على الاستقرار والترفيه والقدرة على التنفيس ورعاية الدولة للرياضة، فإنها ساهمت في إلهام المصريين لاحقًا بالقدرة على الاحتشاد الميداني والتحرك الجماعي لفعل الثورة.
لذلك، فإن النظام رغم الاستقرار الأمني الملحوظ مؤخرًا، ما زال متحفظًا على قرارات قد تصب في ظاهرها في صالحه مثل عودة الجماهير لملاعب كرة القدم أو مشاركة الجماهير في الاحتفالات القومية الكبرى، مثل مشهد موكب نقل المومياوات الملكية الذي حدث في القاهرة منذ مدة قريبة، دون أي حضور شعبي، وصولًا إلى غلق المقاهي خلال مباريات الأهلي والزمالك، لقاء القمة في مصر.
بات النظام يضع في اعتباره ضرورة قطع الطريق على شرعية أي تحرك شعبي، قد يؤدي إلى حالة من الغضب العارم يقابلها تعاطف ضمني من الصفوف الوسطى والصغرى التي تمثل عصب النظام أمنيًا
لا يخشى النظام من أن يستشعر المصريون قدرتهم على العمل الجماعي الخارج عن رقابته وحسب، بل لدى نظام الـ3 من يوليو/تموز قناعة وعقيدة بأن الجماهير لا ينبغي أن يكون لها دور في إدارة شؤون البلاد، وأن الجماهير يمكن التلاعب بها من أجل الإضرار بالصالح العام، وأن المعادلة المثالية لكبح تداعيات السيولة التي تبقت من رياح يناير، هي تسوية المجتمع بالأرض، مع تقوية قدرات الدولة في نفس الوقت، من الناحية الأمنية، أو في القدرة على توفير الموارد وإدارة الاقتصاد. نظام قوي، ومجتمع ضعيف في أحسن الأحوال.
فضلًا عن كونها حالةً عامة في الأنظمة الاستبدادية والعسكرية، وفي نظام يوليو/تموز 1952 الذي تأسس على أنقاض الملكية، حيث احتقار الجماهير وعدم الثقة بها، فإن نظام الـ3 من يوليو/تموز 2013 رسخ هذه الحالة، في العقد الاجتماعي الضمني بينه وبين الشعب، منذ طلب التفويض في 26 من يوليو/تموز 2013 من الجماهير لإدارة شؤون البلاد. يعني التفويض رمزيًا أن الجماهير سلمت مفاتيح البلاد لأخ أكبر يملك وحده المعرفة والقدرة على تدبير الأمور، وقد استثمر النظام في تغييب المجتمع وتأكيد هذه الحالة من أعلى رأس به إلى أصغر رأس، عبر تأكيد سرديات المؤامرة الخارجية ومخططات الغرب لإشاعة عدم الاستقرار في البلاد.
بات النظام يضع في اعتباره ضرورة قطع الطريق على شرعية أي تحرك شعبي، قد يؤدي إلى حالة من الغضب العارم يقابلها تعاطف ضمني من الصفوف الوسطى والصغرى التي تمثل عصب النظام أمنيًا، في الجيش والشرطة والقضاء، ومن ثم يتخذ منذ فترة مواقف جيدة شكليًا، فارغة مضمونًا، على غرار ما حدث في أزمة الهجوم الفرنسي على الإسلام والعدوان الأخير على غزة، حتى لا تترسخ فكرة أن النظام لا يبالي بالثوابت الدينية والقومية، على نحو قد يدفع إلى انفجار مفاجئ، يمثل أسوأ كوابيس النظام.