لكل حي من أحياء مدينة القدس المحتلة جمعية استيطانية متخصصة في سرقة ممتلكات الفلسطينيين من منازل وأراضٍ وآثار، وفق أوراق مزورة تعتمدها المحكمة الإسرائيلية بناءً على قوانين فرضت لتهويد المدينة المقدسة.
في بداية الاحتلال لمدينة القدس بعد حرب 1967 كانت الحكومات الإسرائيلية مسؤولة عن الاستيطان، لكن بعد ذلك لعبت الجمعيات غير الحكومية دورًا في عمليات التهويد التي اخترقت الأحياء العربية، أبرزها جمعية “إلعاد”، وهي الأخطر حيث يصفها الكثيرون بأنها رأس حربة الاستيطان في سلوان.
ظهرت جمعية “إلعاد” الاستيطانية في سبتمبر/ أيلول 1986 بعد بروز المدارس الدينية التلمودية، حيث تعني الكلمة اختصارًا للجملة العبرية “إل عير دافيد”، وتعني بالعربية: “نحو مدينة داود”، اعتمادًا على النصوص التوراتية، والادعاء بأن القدس المحتلة هي مدينة النبي داود عليه السلام، حيث أقام فيها “عاصمة دينية وروحانية للشعب اليهودي” قبل 3 آلاف عام.
وتأسست الجمعية على يد المستوطن دافيد باري المولود عام 1953 لعائلة يهودية ذات أصول بولندية، وقد “اشتهر” إعلاميًّا عام 2010 عندما وثّقت عدسات الكاميرات دهسه بسيارة سوبارو طفلًا فلسطينيًّا، في مواجهات شهدتها بلدة سلوان في القدس المحتلة.
أوراق ثبوتية رسمية
تُعتبر جمعية “إلعاد” المسؤولة المباشرة عن الاستيطان في الأماكن العامة والأثرية في القدس المحتلة، وهي التي عرضت مواصفات مشاريع بناء للمستوطنين على مساحات خضراء في الحديقة القومية في سلوان.
يتطلب وجود الجمعيات الاستيطانية دعمًا ماديًّا لتحقيق أهدافها التهويدية، وفي هذا السياق يقول فخري أبو دياب الباحث في شؤون القدس المحتلة: “تعتمد جمعية “إلعاد” في ميزانيتها بشكل كبير على الحكومة الإسرائيلية، ثم على التبرعات وعرّابي الاستيطان في العالم”، مشيرًا إلى أن الحكومة تقدم الامتيازات لمن يتبرعون للجمعية.
هناك الكثير من الأساليب التي تنتهجها جمعية “إلعاد” في سرقة المنازل والممتلكات في سلوان كالتزوير والالتفاف على الناس.
ويؤكد أبو دياب لـ”نون بوست” أن الهدف من إنشاء جمعية “إلعاد” هو الاستيلاء على المنازل وأراضي المواطنين الذين يسكنون سلوان جنوب المسجد الأقصى، وإعادة ما يسمى “أورشاليم” بحد زعمهم ليعيدوا للمنطقة اعتبارها، من خلال تصفية وجود العرب بواسطة التطهير العرقي.
وحول عملية الاستيلاء على المنازل في حي سلوان، يوضح الباحث في شؤون القدس المحتلة أن المناطق العامة والأثرية والمشاع يتم الاستيلاء عليها من قبل بلدية القدس الغربية والحكومة الإسرائيلية، باعتبارها أملاك عامة خاصة كانت تتبع للإدارة الأردنية قبل حرب 1967.
وذكر أبو دياب، وهو أيضًا الناطق باسم لجان الدفاع عن أحياء سلوان، أن هناك الكثير من الأساليب التي تنتهجها جمعية “إلعاد” في سرقة المنازل والممتلكات في سلوان كالتزوير والالتفاف على الناس، موضحًا أنه قد يأتي مستثمر عربي يدّعي تهيئة المنطقة للحجاج حتى يصلوا للمسجد الأقصى، فيقوم بشراء المنزل أو قطعة أرض وبعد ذلك يحولها للجمعية الاستيطانية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك كثيرًا من القوانين التي فصِّلت على مقياس المستوطنين، تمكنهم السيطرة على بيوت وأراضٍ في حي سلوان، كقانون “حارس أملاك الغائبين” الذي يعطي ما يسميه الاحتلال “دائرة أراضي إسرائيل” الحق في الاستيلاء على العقار مالكه أو جزء من مالكيه خارج حدود القدس “سواء الضفة أو خارج فلسطين”، حيث تستولي عليه الدائرة وتحوله للجمعيات الاستيطانية.
ويوضح أبو دياب أنه قبل حوالي 25 عامًا استولت “إسرائيل” على أرشيف غرب القدس والملفات الموجودة في المحكمة الشرعية بالقدس الشرقية، بالإضافة إلى علاقتها مع الدولة التركية آنذاك، فأصبحوا يعرفون من خلال الأرشيف التركي بين أيديهم لمن تعود الأراضي والممتلكات في حي سلوان ومحيطه، فاستغلت “إلعاد” ذلك للاستيلاء على البيوت التي لا يعيش فيها أصحابها أو لا يملكون أوراقًا تثبت ملكيتهم.
وتطرّق إلى حجة أخرى تتبعها “إلعاد” في حي سلوان لتهويده، وهي أن غالبية السكان ورثوا ممتلكاتهم من آبائهم وأجدادهم دون وجود أوراق ثبوتية رسمية، ما يسهّل على الجمعية الاستيطانية إثبات ملكيتها للبيوت بأوراق مزورة أمام القضاء الإسرائيلي، الذي يعد جزءًا من منظومة الاحتلال.
وفي سؤال حول تسارع وتيرة الاستيطان من قبل الجمعيات التهويدية، لا سيما في الآونة الأخيرة، أجاب أبو دياب: “تريد “إسرائيل” حسم قضية القدس المحتلة وتعمل على إيجاد خلل في التوزان الديموغرافي لصالح المستوطنين، فتسعى لتصفية وجود الفلسطينيين للانقضاض على الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم، بدءًا من بناء مرافق الهيكل والمطاهر التي تبدأ من السور الجنوبي للمسجد حتى عين سلوان”.
تواصل جمعية “إلعاد” عملها الاستيطاني تحت مظلة القانون، حيث الاستيلاء على العقارات الفلسطينية لتحقيق غالبية سكانية يهودية.
وأكد أن هناك حملة شرسة تقودها “إلعاد”، حيث الحفريات الكبيرة ومحاولة الاستيلاء على المنازل، والسعي لتسجيل إنجاز استيطاني أكبر قبل أن تتغير موازين القوى في المنطقة.
الحدائق القومية
وتشرف “إلعاد” على نحو 70 بؤرة استيطانية في سلوان تقع أغلبها في منطقة وادي حلوة، وهي أقرب منطقة للأقصى، وتبذل من أجل زيادة هذه البؤر الاستيطانية تحايلات قانونية ومالية ضخمة، كما تسيطر على إدارة 3 مناطق أثرية على الأقل، أو ما يسمى لدى الاحتلال “الحدائق القومية”، وهي منطقة الآثار مدينة داود، ومنطقة القصور الأموية، ومنطقة موقف جفعاتي، وكلها تقع على بعد أمتار قليلة جنوب المسجد الأقصى.
وفي السنوات الأخيرة عملت على تكثيف الإعلانات التي تستهدف السياح، وتنظّم فعاليات مختلفة موسيقية وترفيهية لجذبهم لزيارة هذه المواقع الأثرية، واصطحابهم في جولات إرشادية، وهو ما يسمى “ديزني لاند المستوطنين”.
كما تعد “إلعاد” الذراع التنفيذي للاحتلال في عشرات المشاريع الاستيطانية الضخمة، بالإضافة إلى أنها ترتبط بسلطة الآثار الإسرائيلية، وسلطة الحدائق والطبيعة، وشركة تطوير الحي اليهودي التي تبدو ظاهرة للعيان، خاصة في إدارة المواقع الأثرية جنوب المسجد الأقصى المبارك، بما يشمل القصور الأموية، والآثار الموجودة شمال سلوان (موقف جفعاتي ومدينة داود)، والأنفاق المحفورة أسفل سلوان وصولًا للبلدة القديمة.
وفي الوقت الذي لا تزال المواجهات مشتعلة في سلوان بين سكانها والمستوطنين، تواصل جمعية “إلعاد” عملها الاستيطاني تحت مظلة “القانون”، حيث الاستيلاء على العقارات الفلسطينية لتحقيق غالبية سكانية يهودية، وكذلك تحاول السيطرة على المواقع التاريخية الأثرية وخلق رواية صهيونية حولها.