أسدل الصومال الستار على فترة التوتر التي خيمت على البلاد منذ نهاية إبريل/ نيسان الماضي، في أعقاب استيلاء قوات تابعة للمعارضة الرافضة لتمديد فترة ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو، على نقاط رئيسية في العاصمة مقديشو، وذلك بتوقيع اتفاق أولي بين رئيس الوزراء محمد حسين روبلي ورؤساء الولايات المحلية، بشأن إجراء العملية الانتخابية.
الاتفاق جاء إثر انعقاد حزمة من المؤتمرات لـ”مجلس التشاور الوطني” في العاصمة، اختتمت في الـ 27 من مايو/ أيار الجاري، في محاولة للخروج من المأزق السياسي الناجم عن التصعيد بين السلطة والمعارضة، وتصاعد مخاوف استغلال الحركات المسلحة لهذه السيولة السياسية لنشر الفوضى وعدم الاستقرار.
وقد تضمن الاتفاق عددًا من النقاط عالجت معظم المسائل الخلافية بين طرفي النزاع، بشأن الانتخابات الرئاسية التي تأجج الصراع بشأنها، جراء موافقة مجلس النواب (البرلمان) الشهر الماضي، على تمديد فترة رئاسة الرئيس البالغة 4 سنوات، عامين آخرين. وهي الخطوة التي قوبلت برفض واضح من مجلس الشيوخ، ما أشعل فتيل الأزمة السياسية الراهنة.
وقد أفضى عدم استجابة الرئيس فرماجو للضغوط الداخلية والدولية بشأن التراجع عن قرار تمديد فترة رئاسته للبلاد لعام 2023، إلى مزيد من الضغوط الداخلية والخارجية حياله، في مقابل تصاعد حدة الاستقطاب السياسي، تزامنَ ذلك مع تدخلات خارجية انتقامية لتأجيج الموقف، كما أشارت بعض الجهات.
حلحلة الخلافات
شارك في الاجتماع الذي حرص قدر الإمكان على تمثيل كافة التيارات السياسية والمجتمعية، بجانب رئيس الوزراء المكلف من رئيس الدولة بإدارة هذا الملف، ممثلون للولايات الفيدرالية التابعة للحكومة الفيدرالية، وعدد من المحافظين على رأسهم محافظ محافظة بنادر، هذا بمراقبة بعض رموز المجتمع المدني.
الاتفاق الذي أعلن تفاصيله المجلس التشاوري في بيانه المشترك الختامي الذي تلاه وزير الإعلام عبد الرحمن يوسف، ركز على 8 نقاط أساسية كانت محور الخلاف بين المعارضة والسلطة الرئاسية، من أبرزها فتح المجال لاستقبال الاعتراضات على اللجان الانتخابية بمستوييها.
كشف يوسف أن “المنتدى التشاوري الوطني اتفق على إجراء انتخابات بحلول 60 يومًا”، مؤكدًا أن المحادثات جرت في أجواء “احترام وصبر ووفاق”. فيما تعهّد رئيس الوزراء بالإشراف العادل على العملية الانتخابية قائلًا: “أتعهد الإشراف بشكل عادل على العملية من أجل إجراء انتخابات عادلة وشاملة وأدعو الأطراف إلى أن يسامحوا بعضهم بعضًا ويفتحوا قلوبهم للآخرين”.
وعن الخلافات المتواصلة بين ممثلي “صوماليلاند”، فقد تم الاتفاق على حل تلك الخلافات الخاصة بتعيين أعضاء اللجان المتعلقة بالانتخابات، هذا بجانب المسائل المثارة حول محافظة غيدو، فيما تم تكليف رئيس مجلس الشيوخ عبدي حاشي بتولي هذا الملف، وتعيين عدد من أعضاء اللجان الانتخابية ولجنة حل الخلافات الانتخابية لكافة الولايات.
وفي السياق ذاته، أزالت تلك الاجتماعات كافة العراقيل الخاصة بسير العملية الانتخابية، سواء من الناحية الأمنية أو الإدارية، مع إعادة حصة المرأة في العملية الانتخابية، والتي كانت محل جدل طيلة الآونة الماضية، حيث منح الاتفاق المرأة نسبة 30% من المقاعد البرلمانية.
Today is a historic day in which the Federal Government of #Somalia and it’s Member States reached an agreement on the upcoming elections. According to the Agreement the elections will be free, fair and inclusive. The whole process was #Somali led and Somali owned. Forward!
— Mohamed Abdirizak (@MinisterMOFA) May 27, 2021
الكل فائز
المعضلة الأساسية لمنظومة الحكم في الصومال هي فقدان الثقة بين مكونات تلك المنظومة، وهو ما تكشفه عشرات الجولات واللقاءات التي جرت بين مختلف القوى السياسية والنظام الحاكم، والتي وصلت في نهاية المطاف إلى طريق مسدود، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على المناخ العام الذي بات ممهدًا لدخول أطراف أخرى من شأنها الاستفادة من تلك الوضعية لزعزعة الأمن.
ملف الانتخابات الأخيرة فجّر براكين الشقاق السياسي بين السلطة والمعارضة، فكل فريق يتمسك بمواقفه دون إرادة أو نية للتزحزح قيد أنملة، ليتحول السجال بينهما إلى ما أشبه بالمباراة الصفرية، فلا جديد يقدم ولا قديم يعاد، الوضع على ما هو عليه، مزيد من توتير الأجواء وتصعيد في منسوب المواجهات، والشعب وحده ضحية هذا السجال.
ورغم أن الاتفاق الأخير لم يقدم جديدًا فيما يتعلق بالعملية الانتخابية، إلا أنه ساهم بشكل كبير في تبريد سخونة الموقف والخروج من المأزق السياسي الحالي، فيما خرج الجميع في رداء النصر، كل على حسب تموضعه السياسي، فالرئيس لم يخسر شيئًا، وعلى العكس زادت شعبيته حين قدم رئيس وزرائه لإدارة هذا الملف.
المعارضة هي الأخرى وضعت أقدامها على طاولة المفاوضات والمشاورات بعدما كانت مستبعدة من المشهد، وهو الانتصار الذي يحسب لها، هذا بخلاف تصديرها ورؤساء الولايات الفيدرالية المعارضين لتمديد الولاية الرئاسية في صورة المنتصر للدستور، ولذلك دلالة كبيرة على المستوى الشعبي.
ومن ثم يمكن القول إنه لا أحد خاسر في هذه الجولة من المفاوضات، وإن كان الشعب هو المنتصر الأكبر، كونه الفئة الأكثر حرصًا على أمن واستقرار البلاد وتجنيبها أي هزات من شأنها أن تؤثر على المشهد العام، وعلى حياته المعيشية التي تتأثر مدًّا وجزرًا بتطورات الساحة الداخلية.
المؤتمر الوطني التشاوري يصدر بيانا صحفيا حول الانتخابات https://t.co/Kha11KZG7D
— SONNA Arabic وكالة الأنباء الصومالية (@ArabicSonna) May 27, 2021
فرماجو ينتصر على الإمارات
خروج الرئيس الصومالي من مأزقه السياسي الحالي دون خسائر مؤثرة، رغم الضغوط التي تعرض لها من الداخل والخارج، اعتبرها البعض انتصارًا كبيرًا على الإمارات التي لعبت دورًا محوريًّا في تأجيج المشهد ضد فرماجو، في محاولة للإطاحة به من المشهد السياسي للأبد.
ودخلت العلاقات بين أبوظبي وحكومة فرماجو نفقًا مظلمًا، حين أطاح الأخير بأطماع أبناء زايد في بلاده، معرقلًا مشروع تشييد قاعدة عسكرية إماراتية في بربرة، فيما أوقفت سلطات “صوماليلاند” أعمال التطوير في الميناء، الأمر الذي دفع الجانب الإماراتي لاستغلال نفوذه المالي لتعويض تلك الخسائر.
الإماراتيون في منتصف العام الماضي قدموا عرضًا مغريًا للصومال نظير مساعداتها اللوجستية في اليمن، لا سيما بعد سيطرة القوات التي تدعمها في جنوب اليمن على جزيرة سقطري في خليج عدن، وهو العرض الذي رفضته مقديشو، واعتبرته ابتزازًا سياسيًّا ورشوة غير مقبولة.
لم تنسَ أبوظبي للرئيس الصومالي موقفه المناهض لأجندتها التوسعية في القرن الإفريقي، فسخّرت جيشها الإعلامي والدبلوماسي للإطاحة به من منصبه، وشنت حملة قوية ضده في الأشهر الأخيرة، في محاولة لتشويه صورته وتصديره للشارع الصومالي على أنه الحاكم المستبد الساعي للسيطرة على السلطة على حساب دماء شعبه.
وفي الأخير فإن نجاح فرماجو وحكومته وائتلافات المعارضة ورؤساء الولايات في التوصل إلى اتفاق مُرضٍ لجميع الأطراف، يحقن دماء أبناء الشعب الواحد، ويضع النقاط الأساسية للمرحلة المقبلة؛ هو انتصار دبلوماسي يحسب لمقديشو ويعدّ ضربة جديدة لأبناء زايد، تضاف إلى مسلسل نزيف نفوذهم داخل إفريقيا والشرق الأوسط.