ترجمة: حفصة جودة
بينما كان التركيز منصبًا بشكل كبير على اللقاحات، ربما تكون قد سمعت عن تجارب فايزر لإنتاج قرص دواء لمعالجة كوفيد-19، يبدو الأمر جيدًا جدًا، في الحقيقة، ما زالت النتائج أولية لكنها منهجية واعدة.
فبينما كانت معظم المواد المضادة للفيروسات التي جربناها لعلاج كوفيد-19 تستهدف الالتهابات والاستجابة المناعية الناتجة عن العدوى، يستهدف قرص دواء فايزر “SARS-CoV-2” الفيروس نفسه بشكل مباشر.
تعزيز دفاعاتنا ضد الفيروس
يرجع معظم المرض المرتبط بكوفيد-19 إلى الالتهابات الشديدة والاستجابة المناعية التي تحدث عند العدوى، وأكثر العلاجات نجاحًا حتى الآن استهدفت هذه الاستجابة المناعية المفرطة.
أظهر الحصول على دواء كورتيكوسترويد بيوديزونايد المستنشق في بداية المرض تراجعًا في تطور الأعراض الشديدة، أما الأشخاص الذين احتجزوا في المستشفيات بسبب حاجتهم للأكسجين فقد أدى حصولهم على كورتيكوسترويد ديكساميثازون الفموي إلى الحد من احتمالية الوفاة.
وجود دواء يستطيع استهداف إنزيم “بروتياز الشبيه” بفاعلية ويمنع تكاثر الفيروس قد يكون مفيدًا ضد جميع فيروسات كورونا التاجية
في الحالات الشديدة للغاية – المرضى المحتجزون في وحدات العناية المركزة – كان الحصول وريديًا على توسيليزوماب المضاد للالتهاب يمنح الشخص فرصةً أفضل للنجاة، لكن كل هذه العلاجات لم تستهدف الفيروس نفسه بل توابع العدوى فقط، لقد ثبت أن استهداف الفيروس أكثر صعوبة.
استهداف “SARS-CoV-2“
إن فيروس مثل “SARS-CoV-2” يحتاج إلى دخول خلية مضيفة للتكاثر، وهو يقوم بذلك من خلال استخدام بروتين سبايك (الموجود على سطح الفيروس) للالتصاق بالخلية، ثم استخدام بروتين الخلية نفسها للنجاح في الدخول.
بمجرد دخوله الخلية، يمحو “SARS-CoV-2” غلاف الخلية الخارجي ويطلق الحمض النووي الريبوزي للفيروس، تعمل هذه الخلية كنموذج يسمح للفيروس بالتكاثر وإصابة الخلايا الأخرى، في أي نقطة من دورة الحياة تلك قد يصبح الفيروس عرضة للتدخل.
يحمل فيروس “SARS-CoV-2” إنزيم يُسمى بروتياز الشبيه “3CLpro” الذي يلعب دورًا مهمًا في عملية التكاثر، هذا الإنزيم يشبه بشكل كبير البروتياز الذي يستخدمه فيروس “SARS-CoV-1” (سارس) ويشبه كذلك البروتياز الذي يستخدمه فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”.
وهكذا فوجود دواء يستطيع استهداف إنزيم “بروتياز الشبيه” بفاعلية ويمنع تكاثر الفيروس قد يكون مفيدًا ضد جميع فيروسات كورونا التاجية، وربما أي فيروس تاجي آخر قد يظهر في المستقبل.
تم استخدام مثبطات البروتياز بنجاح في أمراض فيروسية أخرى مثل مرض نقص المناعة “الإيدز” والالتهاب الكبدي الوبائي “فيروس سي”، كانت تلك الأدوية مقترحة مبكرًا في بداية الجائحة كعلاج محتمل لكوفيد-19، لكن عقار “lopinavir-ritonavir” المستخدم لعلاج الإيدز لم يكن فعالًا عند تجربته، فبدا أنه ضعيف للغاية لمواجهة فيروس كورونا، أما الجرعات المكثفة منه فقد تحقق نجاحًا لكنها ستسبب آثارًا جانبيةً أكثر.
اقترح العلماء أيضًا إعادة توظيف عقار “remdesivir” المضاد للفيروسات الذي كان مخصصًا في الأصل لعلاج فيروس “الإيبولا”، يعمل العقار على تأخير قدرة الفيروس على إعادة إنتاج الحمض النووي الريبوزي “RNA“.
كانت التقارير الأولية للحالات تبدو واعدةً حتى إن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية وافقت على استخدامه في حالات الطوارئ، لكن نتائج التجارب العشوائية المخطط لها مع المرضى في المستشفيات المصابين بأعراض شديدة لكوفيد-19 كانت محبطةً، فرغم انخفاض دورة المرض لدى المرضى الناجين، فإنه لم يقلل من فرص وفاة المريض.
بالطبع كل هذه الأدوية لم تكن مصممة خصيصًا لاستهداف فيروس “SARS-CoV-2“، لكن في 2020 تمكنت شركتي فايزر وبيوأنتك من تحديد جزيء صغير “PF-00835231” يحجب بروتياز فيروس كورونا، كان في الأصل مصممًا لمكافحة “SARS-CoV-1“، لكن الإنزيمات في كلا الفيروسين متطابقة بشكل كبير.
يبدو أن “PF-00835231” وحده أو بمشاركة “remdesivir” يستطيع أن يقلل من تكاثر عدد من الفيروسات التاجية ومن ضمنها ” SARS-CoV-2” في الخلايا المعملية، كما تمكن من الحد من التكاثر الفيروسي في عدد من نماذج الحيوانات دون أي إشارات مضادة للأمان، لكن من الضروري أن نشير إلى أن هذا البحث لم يخضع لمراجعة الأقران بعد.
ماذا الآن؟
تجري شركتا فايزر وبيوأنتك تجارب سريرية لعقارين من أجل كوفيد-19، الأول “PF-07304814” وهو عقار يُعطى عن طريق الوريد للمرضى المحتجزين في المستشفيات بأعراض كوفيد-19 الشديدة، والثاني “PF-07321332” وهو عقار يؤخذ بالفم أو في هيئة حبوب ومن المحتمل أن يُستخدم مبكرًا في بداية المرض، وكلاهما من تركيبات مثبطات “3CLpro“.
من المفترض أن يكون العقار فعالًا ضد جميع أنواع “SARS-CoV-2” المختلفة المثيرة للقلق، بالإضافة إلى فيروسات كورونا الأخرى وما قد ينشأ في المستقبل
تمثل تجارب المرحلة الأولى – التي بدأت في مارس – المرحلة المبكرة من تطوير العقار، هذه التجارب تختار متطوعين أصحاء وتستخدم جرعات مختلفة من العقار لاختبار أمانهم، كما تنظر إلى مدى إثارة العقار لاستجابة كافية في الجسم، ما يشير إلى احتمالية فاعليته ضد “SARS-CoV-2“.
الخطوة الثانية ستكون تجارب المرحلة الثانية أو الثالثة لاكتشاف تحقيقه نتائج متعلقة بكوفيد-19، عادة ما تستغرق تلك العملية سنوات لكن مع استمرار انتشار الجائحة عالميًا، تقول فايزر إنها ستنتهي من الأمر في غضون أشهر عند نجاح تجارب المرحلة الأولى.
كان تطبيق العقارات المضادة للفيروسات في حالات كوفيد-19 الشديدة صعبًا وبلا جدوى، ورغم أن النتائج في تلك المرحلة أولية، فإن عقارات فايزر وبيوأنتك تبدو واعدةً، من الممكن استخدامهم في بداية المرض خاصة مع الأشخاص ضعيفي الحماية من التطعيم أو من لم يحصلوا على التطعيم.
ربما يمكن استخدامهم للوقاية أيضًا لمواصلة احتواء تفشي المرض، من المفترض أن يكون العقار فعالًا ضد جميع أنواع “SARS-CoV-2” المختلفة المثيرة للقلق، بالإضافة إلى فيروسات كورونا الأخرى وما قد ينشأ في المستقبل.
إن اقتراح الرئيس التنفيذي لفايزر بإتاحة أقراص الدواء في نهاية العام يعد تسديدةً بعيدةً، لكن الجائحة أظهرت لنا ما هو متاح في عالم التقدم العلمي السريع، وسوف نراقب هذا المجال باهتمام.
المصدر: ذي كونفرسايشن