تفتح الجزائر، اليوم الثلاثاء، حدودها الجوية بشكل جزئي بعد إغلاق دام نحو 13 شهرًا، وستكون تونس إحدى الوجهات التي ستؤمن شركة الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها إليها، الأمر الذي من شأنه إنعاش السياحة قليلًا في هذا البلد العربي الذي تضررت سياحته كثيرًا نتيجة تواصل انتشار وباء كورونا وتواصل حالات الغلق في أغلب دول العالم.
قرار طال انتظاره
قرار الجزائر فتح الحدود وإن كان جزئيًا ولا يشمل الحدود البرية، انتظره التونسيون كثيرًا خاصة العاملين في القطاع السياحي، لإنعاش القطاع ومحاولة إنقاذه بعد التراجع الكبير الذي سجّله في السنة الأخيرة.
مهنيو السياحة في تونس كانوا في انتظار تحسّن الوضع الصحي في الجزائر، حتى يتم فتح الحدود البرية بين البلدين، لكن اقتصار القرار على النقل الجوي، خيب آمالهم قليلًا، ومع ذلك هم في انتظار زيادة أعداد الوافدين واستعادة الحركة بين البلدين.
انخفضت إيرادات السياحة سنة 2020 بأكثر من 65%، لتبلغ نحو ملياري دينار مقابل 5.68 مليار دينار عام 2019
قرار مصادقة الرئيس عبد المجيد تبون على فتح الحدود نزل كالثلج على وكالات السفر والسياحة في تونس، التي تعاني كثيرًا، خاصة أن الجزائريين كانوا يفضلون الوجهة السياحية التونسية لقضاء عطلهم خاصة في الصيف.
السلطات التونسية التي كانت تفرض الحجر الصحي الإجباري في النزل للوافدين على البلاد، اختارت رفع القرار والاقتصار فقط على اختبار فحص فيروس كورونا، وهذا من شأنه أن يشجع الجزائريين على زيارة تونس والاستفادة من التخفيضات التي تعرضها المنتجعات التونسية.
وتعد الجزائر من بين الدول القلائل في العالم التي أغلقت بشكل كامل حدودها الجوية والبرية والبحرية منذ مارس/آذار 2020 ضمن إجراءات الوقاية من وباء كوفيد-19، إلا أن تحسّن الوضع الوبائي في البلاد جعلها تقرر فتح الحدود الجوية فقط والاقتصار على بعض الوجهات.
التعويل على السياح الجزائريين
تعوّل تونس كثيرًا على الوافدين من الجزائر لإنقاذ سياحتها من الركود والخسائر بسبب انحسار الأسواق الأوروبية التقليدية، ويتوقع المسؤولون في قطاع السياحة ارتفاع أعداد الجزائريين في تونس، فعادة ما تتصدر المناطق السياحية التونسية قائمة الوجهات المطلوبة للسياح الجزائريين.
في السنوات الأخيرة، أصبح وجود الجزائريين في المناطق السياحية والشوارع التونسية وكذلك المساحات التجارية لافتًا للانتباه، ففي سنة 2019 – أي قبل أن تعلن السلطات التونسية توقف عجلة الحركة السياحية بعد تفشي فيروس كورونا في سائر دول العالم – توافد قرابة 3 ملايين جزائري على تونس.
تعدّ الجزائر خاصة المنطقة الشرقية القريبة من تونس أكبر سوق للسياحة التونسية نظرًا للقرب الجغرافي، وتعد مدن طبرقة والحمامات وسوسة ونابل والمنستير وبدرجة أقل جزيرة جربة المناطق السياحية المفضلة للسائح الجزائري.
ويعتبر صعوبة الحصول على تأشيرات سفر إلى أوروبا وغلاء أسعار تذاكر الطيران إلى بعض الوجهات السياحية الآسيوية وجودة الخدمات السياحية في تونس والقرب الجغرافي، من أبرز العوامل التي أسهمت في استقطاب تونس للمزيد من السياح الجزائريين.
الخوف من انهيار القطاع
صحيح أن فتح الجزائر حدودها يمكن أن ينعش السياحة التونسية، لكن ذلك سيكون نسبيًا، فأغلب الجزائريين الذين يتوافدون عادة إلى تونس يأتون عبر الحدود البرية وليس عبر الرحلات الجوية، ما يعني أن الانتعاشة ستتأخر قليلًا.
ويعتبر قطاع السياحة من أكبر القطاعات الاقتصادية المتضررة من وباء كورونا في تونس، إذ سجّل خسائر كبرى وارتفع تسريح العاملين فيه بنسبة 3288% خلال العام الماضي مقارنة بـ2019، وفق بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية.
كما لجأت المؤسسات بجانب التسريح إلى تقليص عدد ساعات العمل كواحدة من الآليات للضغط على مصاريفها، كذلك زادت عمليات الإحالة على المعاش المبكر بنسبة 198%، ويوفر القطاع السياحي بتونس 400 ألف فرصة عمل مباشر وغير مباشر، ونحو مليون فرصة عمل في علاقة بالقطاع السياحي، بحسب الوزير.
تراجع السياحة، أثر على كل القطاعات المرتبطة بها، على غرار الصناعات التقليدية والنقل
تعرض القطاع في تونس لضربة موجعة خلال العام الماضي وبداية السنة الحاليّة، إذ انخفضت إيراداته سنة 2020 بأكثر من 65%، لتبلغ ما يقارب ملياري دينار (746 مليون دولار) مقابل 5.68 مليار دينار عام 2019، بينما هبط عدد السائحين 78% خلال عام 2020 في أسوأ أزمة يمر بها القطاع في تاريخه.
كما أظهرت بيانات نشرها البنك المركزي، مؤخرًا، أن حجم عائدات القطاع السياحي التونسي بلغ في نهاية أبريل/نسيان الماضي 439.2 مليون دينار (162.66 مليون دولار)، مقابل 975.5 مليون دينار (361.29 مليون دولار) خلال نفس الفترة من العام الماضي.
هجر السياح خلال السنة الماضية الفنادق والمنتجعات التونسية، بعد أن استقبلت البلاد عام 2019 عددًا قياسيًا من السياح بلغ 9.5 مليون، وكانت تونس تأمل أن تستمر الانتعاشة، لكن الأزمة الصحية المستمرة في دول العالم أخرت توافد السياح.
نتيجة ذلك، بقي نحو 10% فقط من الفنادق والمنتجعات السياحية التونسية تواصل عملها بنسبة لا تتجاوز 50% من طاقتها، فيما تحتاج 90% المتبقية إلى 8 أشهر إضافية على الأقل من أجل استئناف العمل بالنسق العادي.
تأثير سلبي على الاقتصاد
وضع السياحة المتردي أثر سلبًا على اقتصاد تونس، إذ تعد السياحة في هذا البلد العربي من أبرز مصادر النقد الأجنبي الواردة إلى البلاد إلى جانب الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج، وتشكل حصة رئيسية بين 8 و14% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد التونسي.
تراجع السياحة، أثر على كل القطاعات المرتبطة بها، على غرار الصناعات التقليدية والنقل، إذ تراجعت هذه القطاعات بأكثر من 40%، كما تراجعت القيمة المضافة لقطاع الخدمات المسوقة 6%، فضلًا عن تراجع قطاعات خدمات الاتصالات والخدمات المالية، ما ساهم بدوره في انكماش الاقتصاد التونسي بنسبة تتجاوز 8% نهاية السنة الماضية و3% في الربع الأول من العام الحاليّ مقارنة بالعام السابق.
هذا الأمر يحتم على السلطات التونسية الإسراع بوضع الخطط الكفيلة بإنقاذ السياحة في البلاد، من ذلك التسريع في حملة التلقيح لفائدة العاملين والمهنيين في هذا القطاع الحيوي من أجل طمأنة الأسواق الخارجية، وأيضًا تجديد البروتوكول الصحي لدفع السياح لاختيار الوجه التونسية وخفض أسعار الإقامة في النزل وتذاكر السفر على متن الخطوط التونسية.