الحياة السياسية في إيران على موعد مع انتخابات رئاسية قد تكون الأهم والأكثر تأثيرًا منذ قيام الجمهورية، وذلك لكثرة التحديات والمصاعب التي تقف بوجه الرئيس المقبل، ورغم القائمة التي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور في الأيام الماضية، التي حدد فيها أسماء 7 مرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ مثلت هذه الأسماء من جهة أخرى قائمة تم تفصيلها حسب ما يرغب به المرشد الأعلى علي خامنئي، في ضمان فوز المرشح الذي يرغب به، دون أي منافسة تذكر من قبل المرشحين الآخرين.
وفي هذا الإطار يمثل إبراهيم رئيسي الخيار الأفضل لخامنئي، كون عملية ترشيحه للانتخابات جاءت بعد جهود حثيثة بذلها مكتب المرشد لإقناعه بالترشح.
جاءت عملية ترشح رئيسي في اليوم الأخير من التسجيل، ليجرب حظه للمرة الثانية بعد خسارته أمام الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني عام 2017.
فرغم الدعم القوي الذي قدمه له الأصوليون، وعدم تمكنه من مجاراة روحاني بالنهاية، يدخل الرئيسي ساحة الانتخابات الرئاسية المقبلة بوجه جديد هذه المرة، وأهمها أنه خيار الضرورة للمرحلة المقبلة.
ويلعب جلوسه على رأس السلطة القضائية، ودعايته الإعلامية، وانسحاب بعض مرشحي الحرس الثوري لصالحه، وزياراته المتكررة للمقاطعات والولايات الإيرانية، دورًا مهمًّا في دعمه وتحفيزه على العودة إلى الساحة الانتخابية.
كما إنه يمثل خيارًا اجتمعت عليه 3 جهات مؤثرة في النظام السياسي الإيراني، هي مكتب المرشد والحرس الثوري والتيار الأصولي، ما يجعل من نسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة شبه محسومة، خصوصًا بعد استبعاد أبرز منافس له، وهو رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني.
يظهر السجل السابق لرئيسي أنه كان مطلق الولاء للمرشد الأعلى، ما جعله رئيسًا لمحكمة الثورة في ثمانينيات القرن الماضي، ونتيجة للسجل الدامي الذي خلفه في هذه المحكمة، عمد النظام إلى تعيينه على رأس مؤسسة الإمام الرضا في مشهد عام 1994، من أجل إبعاد الصورة السلبية عنه، وإعادة تعريف شخصيته من منظور ديني واقتصادي وسياسي مؤثر.
رئيسي ليس له أي منافس جاد، ومن المرجح ألّا يستطيع أغلبهم عبور الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ورغم أن المنصب الجديد منحه تأثيرًا كبيرًا في الحياة السياسية الإيرانية، وتحديدًا من خلال العلاقات الوثيقة التي قام بإنشائها مع جنرالات الحرس الثوري، إلا إنه لم يكن كافيًا لإعادة ثقة الناس به.
فبعد أن أصبح رئيسًا للسلطة القضائية في مدينة كرج، تبنى رئيسي سياسة مكافحة الفساد، وحاكمَ على إثر ذلك عشرات المسؤولين الإيرانيين، كما إنه دعا مؤخرًا إلى حرية الوصول لشبكات الإنترنت من قبل الشباب، وهي دعوات جاءت بعد ضمان نسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ترشح للرئاسة أم للخلافة؟
منذ أن جرى تعيين رئيسي على رأس مؤسسة الإمام الرضا في مشهد، بدأت العديد من الدراسات والتحليلات تتحدث عن إمكانية أن يكون هو المرشد الأعلى المقبل في إيران.
والأكثر من ذلك، أن رئيسي كان أحد أبرز المرشحين المنافسين لخامنئي على خلافة مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني، قبل أن يستقر قرار مجلس خبراء القيادة في النهاية على تنصيب خامنئي.
وما أثّر على وجهات النظر التي دارت حول رئيسي هو خسارته للانتخابات الرئاسية الماضية أمام روحاني، وهو ما يحاول خامنئي عدم تكراره في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن عدم فوز رئيسي بها يعني إن عملية خلافة خامنئي ستواجه تحديات كبيرة، خصوصًا إن هناك الكثير من الأسماء التي بدأت تطرح نفسها بقوة في الساحة، وعلى رأسها حسن الخميني.
الانتخابات الرئاسية الإيرانية قد تشكل الحدث الأهم في الداخل والخارج الإيراني، كون هذا الحدث قد يعيد تشكيل النظام من الداخل.
فقد يؤدي فوز حسن الخميني المحتمل في هذه الجولة من الانتخابات الرئاسية إلى تقريبه من منصب المرشد الأعلى أكثر من ذي قبل، حيث لا يزال يعتبَر أحد خيارات القيادة المستقبلية، ولكن إذا خسر الانتخابات مرة أخرى، يمكن أن تتضرر هذه الشرعية حتى لو فاز بملايين الأصوات.
وفي هذا الإطار، على الرغم من عبور أسماء أصولية أخرى إلى جانب رئيسي من فلترة مجلس صيانة الدستور، أبرزهم محسن رضائي أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام، وسعيد جليلي ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، وأمير حسين هاشمي النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، إلا أن رئيسي ليس له أي منافس جاد بينهم، ومن المرجح ألّا يستطيع أغلبهم عبور الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة.
فقد بنيت قاعدة المنافسة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، على تشكيل عملية التنافس بين التيارين الأصولي والإصلاحي، وفي ظل غياب أي مرشح بارز للتيار الإصلاحي في هذه الانتخابات، فإن كل المؤشرات توضح بأن الطريق نحو الرئاسة سيكون سهلًا أمام رئيسي هذه المرة.
رئيسي خيار المرحلة القادمة
بالعودة إلى الخطابات السابقة للمرشد الأعلى علي خامنئي، أشار في أكثر من مناسبة أن استمرار النظام وأيديولوجيته الثورية هي أبرز مهمة ينبغي على الرئيس المقبل القيام بها.
ودعا إلى أن يكون الرئيس المقبل من “حكومة حزب الله”، شاب وثوري قادر على حل مشاكل إيران الداخلية والخارجية، مع الإشارة هنا إلى أن “صفة الشاب” غير محددة بنظر خامنئي بالعمر، وإنما بمدى قدرته وفعاليته وإخلاصه للمرشد الأعلى.
ومن ثم إن هذه الرؤية الخامنئية قد تجد ضالتها بالنهاية في رئيسي، الذي يعدّ اليوم أكثر شخصية نافذة في إيران، وتحديدًا على مستوى السياسة والإعلام والاقتصاد، والأكثر من ذلك أن الحرس الثوري بدأ يمارس سياسة الترهيب بحق الرافضين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن تم حصر المنافسة بين رئيسي – رئيسي، كما عبّر عن ذلك أحد قيادات التيار الإصلاحي.
أهم ما يرتبط بالانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، هو أن خامنئي لا يفكر بمسمى الرئيس المقبل، بقدر ما يفكر بمستقبل ولاية الفقيه من بعده.
إن الانتخابات الرئاسية الإيرانية قد تشكل الحدث الأهم في الداخل والخارج الإيراني، كون هذا الحدث قد يعيد تشكيل النظام من الداخل، ويعيد صياغة الدبلوماسية الإيرانية في الخارج.
وأهم ما يرتبط بالانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، هو أن خامنئي لا يفكر بمسمى الرئيس المقبل، بقدر ما يفكر بمستقبل ولاية الفقيه من بعده.
فعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني يتمتع بسلطات محدودة، إلا أنه يمكن أن يمارس دورًا مهمًّا في عملية اختيار المرشد القادم، وفي حالة ما إذا كان الخليفة هو مجتبى خامنئي، فيما إذا اقتضت رغبة خامنئي ذلك، فإن خامنئي سيفكر برئيس قادر على ضبط التوازن الداخلي، خشية أي اضطرابات داخلية قد تنشب رفضًا له.
كما إنه يفكر برئيس قادر على تطبيق رؤيته في المفاوضات النووية في فيينا، ولذلك فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة تأتي كمحاولة لإعادة هندسة النظام من الداخل، والاكتفاء بعملية تغيير شخص الرئيس، وجعله أكثر ولاء لتحقيق وحدة في الخطاب الأيديولوجي، أكثر من كونها عملية إجراء تغيير حقيقي على مستوى النظام السياسي، ويبدو أن رئيسي حسب رؤية خامنئي هو الأنسب لقيادة هذه المهمة في المرحلة المقبلة.