ترجمة وتحرير: نون بوست
اقترب نفتالي بنت، القومي المتطرف، ويائير لبيد الوسطي، من تشكيل حكومة ائتلافية هشة من شأنها أن تطيح ببنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء منذ سنوات طويلة .
واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأطول خدمة في تاريخ “إسرائيل”، بنيامين نتنياهو، التهديد الأخطر حتى الآن لسيطرته على السلطة بعد أن قال القومي المتطرف، نفتالي بنت، إن حزبه سيعمل مع قادة المعارضة لبناء حكومة بديلة للإطاحة بنتنياهو من منصبه.
إذا أدت المناورة إلى اتفاق على ائتلاف رسمي، فسيكون تحالفا غير مستقر بين ثمانية أحزاب صغيرة نسبيا ذات مجموعة متفرقة من الأيديولوجيات. سيقع التناوب على منصب رئيس الوزراء بين شريكين غير متوقعين وهما نفتالي بنت، زعيم المستوطنين السابق الذي يرفض مفهوم الدولة الفلسطينية ذات السيادة ويدافع عن اليمين الديني، ويائير لبيد، مذيع تلفزيوني سابق يعتبر صوت الوسط العلماني .
قال بنت في خطاب ألقاه ليلة الأحد: “سأبذل جهدي من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية مع صديقي يائير لبيد”. وأضاف: “إذا نجحنا، سنقدم إضافة كبيرة لدولة إسرائيل”. وجاء إعلان بنت بعد فترة وجيزة من النزاع المسلح مع الفلسطينيين في غزة والذي اعتقد الكثيرون أنه حسّن فرص نتنياهو في التمسك بمنصبه.
بسبب الاختلافات الأيديولوجية العميقة داخل الائتلاف الناشئ، والذي سيشمل كلا من أعضاء اليسار واليمين المتطرف، أشار قادته إلى أن حكومتهم ستتجنب في البداية اتباع مبادرات قد تؤدي إلى تفاقم عدم توافقهم السياسي، مثل تلك المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتركيز بدلا من ذلك على البنية التحتية والسياسة الاقتصادية.
إذا أُجبر نتنياهو على ترك منصبه، فمن غير المرجح أن يغادر عالم السياسة. في كلتا الحالتين، فقد ترك إرثا دائما. لقد حوّل مركز السياسة الإسرائيلية بحزم إلى اليمين – وكان بروز بنت مثالا رئيسيا على ذلك – وأشرف على تفكيك عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، كل ذلك في الوقت الذي توصل فيه إلى اتفاقيات دبلوماسية رائدة مع أربع دول عربية، مما أدى إلى هدم الرأي التقليدي حول العلاقات العربية الإسرائيلية.
من خلال مهاجمة القضاء بشكل متكرر والبقاء في منصبه أثناء محاكمته بتهمة الفساد، فإن نتنياهو متهم أيضا بتقويض المبادئ المركزية للديمقراطية الليبرالية. لكنه لن يغادر دون قتال. فمباشرة بعد إعلان بنت، رد نتنياهو بخطاب خاص به، داعيا المشرعين اليمينيين داخل تحالف المعارضة إلى التخلي عن بنت من أجل كتلته اليمينية. وقال نتنياهو: “هذه ليست وحدة أو تعاف أو ديمقراطية بل حكومة انتهازية. حكومة الاستسلام، حكومة الاحتيال، حكومة القصور الذاتي. يجب عدم تشكيل حكومة كهذه”.
كانت الخلافات الأيديولوجية بين أحزاب المعارضة هي السبب الرئيسي وراء انتظار بنت لفترة طويلة منذ إجراء الانتخابات العامة في آذار/ مارس للتحالف مع لبيد. وكان يتعرض لضغوط من حزبه لعدم الانفصال عن تحالف نتنياهو اليميني والديني، وهو عامل أشار إليه بشكل غير مباشر في خطابه يوم الأحد. وقال بنت: “هذا هو القرار الأكثر تعقيدا الذي اتخذته في حياتي، لكني راض عنه”.
يجب تقديم أي اتفاق يقع التوصل إليه في الأيام المقبلة بشكل رسمي إلى رئيس “إسرائيل”، رؤوفين ريفلين، بحلول ليلة الأربعاء، ويجب المصادقة عليه بعد ذلك من خلال التصويت في الكنيست، الاسم العبري للبرلمان الإسرائيلي.
بموجب الصفقة التي تجري مناقشتها، سيقود بنت الحكومة أولا، ربما حتى خريف سنة 2023، بينما من المرجح أن يشغل لبيد منصب وزير للخارجية، وفقا لشخصين مشاركين في المفاوضات، ثم يتبادلان الأدوار حتى انتخابات عامة جديدة سنة 2025. فاز حزب بنت بمقاعد أقل من لبيد في انتخابات آذار/مارس، لكنه يتمتع بنفوذ كبير خلال المفاوضات نظرا لأنه من غير الممكن تشكيل حكومة دونه.
ستعتمد حكومتهم على دعم حزب إسلامي عربي صغير، القائمة العربية الموحدة، لمنحه 61 مقعدا لازما للسيطرة على البرلمان المكون من 120 مقعدا. من غير المحتمل أن تلعب القائمة العربية الموحدة دورا رسميا في الائتلاف، لكن من المتوقع أن تدعم الحكومة الجديدة في تصويت الكنيست على الثقة. في المقابل، سيبقى نتنياهو كرئيس وزراء بالوكالة حتى التصويت البرلماني.
كادت مفاوضات هذا الائتلاف أن تخرج عن مسارها بسبب الصراع الأخير مع حماس، الجماعة الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة. وقد جعل ذلك بنت متخوفا من تشكيل حكومة تعتمد على القائمة العربية الموحدة، التي لها نفس جذور التيار الديني تماما مثل مقاتلي غزة. إذا وقعت الموافقة على الصفقة، فستكون بمثابة نهاية عهد نتنياهو – على الأقل في الوقت الحالي. يأمل أنصار الائتلاف المقترح أن يتمكن من كسر الجمود الذي أعاق عمل الحكومة لأكثر من سنتين.
تولّى نتنياهو، زعيم حزب الليكود اليميني، منصب رئاسة الوزراء من سنة 2009، بعد اعتلائه هذا المنصب خلال فترة ولاية سابقة قضاها بين سنتي 1996 و1999. وبناء على ذلك، تجاوزت المدة التي قضاها نتنياهو في منصب رئاسة الوزراء فترتي الولاية التي قضاها أول رئيس وزراء لـ “إسرائيل”، ديفيد بن غوريون، بفارق عام.
مع اقتراب نهاية فترة ولايته، حقق نتنياهو نجاحا دبلوماسيا كبيرا من خلال إبرام مجموعة من اتفاقيات التطبيع اللافتة للنظر بين “إسرائيل” وأربع دول عربية. وقد ساعدت هذه الاتفاقيات في دحض النظريات التي تقول إن “إسرائيل” لن تتمكن من تعزيز علاقتها مع العالم العربي فقط بمجرد أن تتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين.
في عهد نتنياهو، حققت “إسرائيل” انتصارات دبلوماسية مع الولايات المتحدة، حيث نقلت إدارة ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس وأغلقت قنصليتها للشؤون الفلسطينية ناهيك عن مكتب البعثة الفلسطينية في الولايات المتحدة، واتخذت موقفًا أكثر عداوة ضد إيران، خصم “إسرائيل”.
في المقابل، انهارت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية تحت إشراف نتنياهو، في ظل تعليق المفاوضات الرسمية منذ سبع سنوات. كما تصاعدت التوترات مع الأقلية العربية في “إسرائيل”، مما أدى إلى انتشار العنف الجماعي بين العرب واليهود خلال الاشتباكات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، سنّت حكومته قانونًا سنة 2018 قلّص مكانة اللغة العربية في “إسرائيل” وأكّد على أن اليهود هم الوحيدون الذين يحق لهم تحديد طبيعة إسرائيل.
من خلال إبرام اتفاقية انتخابية مع السياسيين اليمينيين المتطرفين، والتي سمحت لهم في نهاية المطاف بدخول البرلمان، ساهم نتنياهو في زيادة تأثير اليمين المتطرف ونفوذه على الخطاب العام. في هذا الصدد، يقول النقاد إنه من خلال التمسك بالسلطة أثناء محاكمته بتهم الفساد، قد قوض سيادة القانون ومبادئ الديمقراطية- حيث كان غير قادر على إيلاء اهتمامه الكامل لمسؤوليات لحكم، جراء القضية الخطيرة المرفوعة ضده في المحكمة، التي تسببت في تشتيت انتباهه.
نفى نتنياهو الاتهامات ودافع عن حقه لتلميع صورته دون مغادرة منصبه. على مدى السنوات الأربع الماضية، لعبت القضية، والتأثير الاستقطابي الذي أحدثته على الناخبين الإسرائيليين، دورًا رئيسيًا في تزعزع الاستقرار السياسي في “إسرائيل”. لكن قرار نتنياهو البقاء في المنصب أحدث انقسامات في صفوف الناخبين ليس بسبب اختلاف ولاءاتهم السياسية بل موقفهم تجاهه. على وجه الخصوص، أدى ذلك إلى انقسام اليمين الإسرائيلي، وجعل من الصعب على نتنياهو وخصومه تشكيل أغلبية مؤثرة.
أدى ذلك إلى عقد أربع انتخابات غير حاسمة في غضون سنتين، انتهت كل منها دون أن يحرز أي فصيل تقدما كافيا للفوز بالسلطة وحده. ومن تبعات هذا المأزق أن البلاد ظلّت دون ميزانية حكومية. وقد كانت الرغبة في تجنب إجراء انتخابات خامسة هي السبب الرئيسي وراء قرار بنت الأخير.
في هذا الإطار، أوضح قائلا:” إما انتخابات خامسة أو حكومة وحدة”. بعد الانتخابات الأولى والثانية في سنة 2019، ترأس نتنياهو حكومة تصريف الأعمال. عقب الانتخابات الثالث، التي نظمت خلال شهر آذار/مارس 2020، شكّل حكومة وحدة وطنية مع منافسه الرئيسي، بيني غانتس، التي كانت بمثابة صفقة هشة انهارت خلال شهر كانون الثاني/ديسمبر الماضي عندما فشل الفصيلان في الاتفاق على ميزانية الدولة.
بعد الانتخابات الأخيرة التي نظمت خلال شهر نيسان/أبريل، ظهرت أزمة جديدة بعد أن منح ريفلين نتنياهو، الذي ظفر حزبه بالمركز الأول، تفويضا أوليا لمحاولة تشكيل ائتلاف حاكم. لكنه فشل بعد أن رفضت مجموعة يمينية متطرفة الدخول في تحالف يضم حزب راعم، بهدف الحفاظ على ميزان القوى.
قد منح لبيد، الذي احتل حزبه الوسطي، الذي يعرف باسم يش عتيد، أو هناك مستقبل، المرتبة الثانية، الفرصة لتشكيل حكومة. في البداية، عرقل اندلاع القتال بين “إسرائيل” والفلسطينيين جهوده، مما دفع شريكه المحتمل في الائتلاف، بنت، إلى التراجع عن محادثات الائتلاف. لكن وقف إطلاق النار سهّل على الثنائي السالف ذكرهما استئناف المفاوضات، وهو ما أدى بدوره إلى إحراز تقدم. وتجدر الإشارة إلى أن يائير لبيد، البالغ من العمر 57 سنة، والصحفي السابق، دخل السياسة سنة 2012 وشغل منصب وزير المالية في عهد نتنياهو سنة 2013.
من جانب آخر، اشتهر بتحركاته لإعادة تشكيل نظام الرعاية الاجتماعية الذي يعطي المال للرجال اليهود المتدينين الذين يدرسون النصوص الدينية بدلاً من البحث عن عمل مدفوع الأجر. تراجعت الإدارات اللاحقة عن معظم التغييرات التي أدخلها لبيد. خلال الحملة، تعهد لبيد بالحفاظ على الضوابط والتوازنات وحماية القضاء. أما بنت، البالغ من العمر 49 سنة، فهو قائد كوماندوز سابق في الجيش الإسرائيلي ورجل أعمال في مجال البرمجيات يعيش في “إسرائيل”. كما ترأس مجلس يشع، وهي مجموعة مظلة تمثل المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.
حتى شهر كانون الثاني/يناير، كان حزبه في تحالف رسمي مع زعيم اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش، مع العلم أن بنت كان يعارض بشدة قيام الدولة الفلسطينية ويدعم ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية بشكل رسمي.
المصدر: نيويورك تايمز