دعا نشطاء أردنيون عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى المشاركة في حملة احتجاج واسعة النطاق، ضد اتفاقية الغاز الموقعة بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي عام 2016، كون أن دخول تلك الاتفاقية حيز التنفيذ يمس السيادة الوطنية للمملكة ويطعن القضية الفلسطينية من الخلف.
أبرمت عمّان اتفاقًا مع تل أبيب قبل 5 أعوام، يتضمن تزويد الأردنيين بالغاز الإسرائيلي (45 مليار متر مكعب) لمدة 15 عامًا بقيمة 10 مليارات دولار، ورغم تنصل الحكومات المتعاقبة من مسؤولية توقيع تلك الاتفاقية، على اعتبار أن شركة الكهرباء الوطنية (مملوكة للحكومة الأردنية) هي من قامت بذلك، إلا أنها في الوقت ذاته لم تتراجع عنها رغم الرفض الشعبي المستمر طيلة السنوات الماضية، لإسقاط هذا الاتفاق الذي وصفه الأردنيين بـ”العار”.
السيادة الوطنية
تفاعل مع الحملة التي دعت لها حركة مقاطعة “إسرائيل” الدولية المعروفة بـ BDS Movement في الأردن، والمعروفة إعلاميًّا باسم “الأردن تقاطع”، مئات النشطاء الأردنيين والعرب، وقُرر لها السبت 5 يونيو/ حزيران الجاري في تمام الساعة 5 عصرًا، أن تطفأ الكهرباء في عموم أنحاء البلاد لمدة ساعة واحدة.
وبعد ساعات قليلة من انطلاق الدعوات للحملة، تصدر وسما “نزل القاطع“، و”غاز العدو احتلال” تريند تويتر في المملكة، ليُعاد الحراك مجددًا للشارع الأردني بعد أيام قليلة من الهدوء في أعقاب التظاهرات التي شهدتها العاصمة الأردنية وبعض المناطق الحدودية، تضامنًا مع الفلسطينيين وتنديدًا بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر والقدس المحتلة.
في بيانها الخاص بالدعوة للمشاركة في تلك الحملة، أوضحت حركة “الأردن تقاطع” أن حملة “إنزال القاطع” هي “شكل من أشكال الاحتجاجات يقوم من خلالها كل شرائح المجتمع والشعب الأردني الذي أجبر على التطبيع في عقر داره، في إيصال رفضه لهذا الغاز وهذا التطبيع”، داعية التيارات المجتمعية والسياسية للمشاركة في هذه الخطوة الاحتجاجية السلمية.
أوضح نشطاء أن اعتماد الأردن على الغاز الإسرائيلي يعد خرقًا كبيرًا للسيادة الوطنية، وانتهاكًا لا شك فيه لاستقلالية القرار، هذا بجانب المكاسب والأرباح التي تحصل عليها دولة الاحتلال من جيوب الأردنيين عبر تلك الاتفاقية، لتمويل انتهاكاتها الوحشية ضد الفلسطينيين، ما يجعل الأردن شريكًا أساسيًّا في الاعتداءات الصهيوينة بحق الشعب الفلسطيني.
كما دشنت الحركة عددًا من الفعاليات الأخرى لدعم الحملة، منها دعوة الشباب الأردني لحضور عدد من الندوات والفعاليات الثقافية التي جاءت تحت عنوان “دور الشباب والكتل الطلابية في المقاطعة ومناهضة التطبيع”، في محاولة لحث أكبر قدر من الأردنيين على التفاعل معها.
حركة المقاطعة في الأردن @BDSJordan تدعو إلى حضور ومتابعة حوارية بعنوان “دور الشباب والكتل الطلابية في المقاطعة ومناهضة التطبيع”، وذلك اليوم الساعة 8 مساءً وبمشاركة العديد من الكتل الطلابية.
المصدر: حركة المقاطعة في الأردن pic.twitter.com/HEDZMhT2AY
— مقاطعة (@Boycott4Pal) June 2, 2021
المقاومة الفلسطينية
رغم الرفض الشعبي لاتفاقية الغاز الموقعة مع “إسرائيل” منذ إبرامها، إلا أن الفضل الأكبر في التحرك الأخير والتفاعل اللافت للنظر معه، يعود للمقاومة الفلسطينية وما أحدثته خلال الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، حيث نجحت في إخراج الزخم الشعبي تجاه القضية الفلسطينية من ثلاجات التجميد، الذي كان قابعًا بداخلها منذ سنوات.
الانتصارات التي حققتها الفصائل الفلسطينية وتكبيدها الخسائر لصفوف قوات الاحتلال، فضلًا عن حالة الرعب التي قذفتها في نفوس المستوطنين طيلة 11 يومًا من المواجهات، كانت خلالها صواريخ المقاومة تمطر سماء تل أبيب وعسقلان وأسدود وغيرها، فرضت حالة من استعادة الوعي لدى الشعوب العربية.
وعليه ذهب كثيرون إلى أنه رغم المكاسب الرمزية التي حققتها المقاومة خلال حربها الأخيرة مع “إسرائيل”، فإن “المكسب الأبرز حضورًا يتمثل في عودة الوعي الفلسطيني مجددًا بعد غياب دام طويلًا، ذلك الوعي الذي ظل حبيس التهميش والإقصاء والتسطيح المتعمد لعدة سنوات”، كما كشف تقرير سابق لـ”نون بوست“.
هذا الوعي الذي كسر حاجز النطاق الفلسطيني الضيق، ليتجاوز حدوده الجغرافية إلى آفاق رحبة من الدعم والتأييد للقضية العربية الأم في العديد من العواصم العربية والأجنبية، والتي زخرت شوارعها بالتظاهرات الداعمة للفلسطينيين والمنددة بالانتهاكات الإسرائيلية الوحشية.
في #الأردن اطلق نشطاء حملة معارضة ضد الحكومة بإطفاء انوار المنازل لمدة ساعة، واليوم ونحن نواجه رفض حكومي للسماح بالتجمع في #ساحة_الإرادة.. هناك ألف طريقة للتعبير عن معارضة الحكومة دون مخالفة القانون، كل ما نحتاجه هو الإبداع والرقي في التعبير عن معارضتنا#بس_مصخت #نزل_القاطع pic.twitter.com/DH4ByPwBX8
— م. ناصر العيدان (@Nasser_Aleidan) June 2, 2021
وكان الشعب الأردني على رأس الشعوب العربية التي انتفضت لتأييد المقاومة واستنكار الهجمات الإسرائيلية، حيث خرج الأردنيون، أمواج تلو الأخرى، للتظاهر على الحدود لدعم القضية ومحاولة إيصال رسالة مباشرة للإسرائيليين، تتمحور حول استمرار الدعم الشعبي لحقوق الفلسطينيين، مهما كانت درجة العلاقة مع الحكومات والأنظمة، وهو حال كثير من الشعوب التي تطبّع أنظمتها مع دولة الاحتلال.
يعلم الأردنيون أن حملة المقاطعة المقرر القيام بها السبت المقبل، ربما لن تثني الحكومة عن الاستمرار في العمل باتفاقية الغاز الإسرائيلي، لكنها تجديد للتأكيد على الرفض الشعبي لها، ولأي حراك من شأنه أن يقارب بين العرب ودولة الاحتلال حتى عودة الحقوق الفلسطينية.
تثبت تلك الحملات وغيرها من أوجه الدعم الشعبي العربي للمقاومة الفلسطينية، والتي تكشفت ملامحه بصورة لا تقبل الشك خلال الاعتداءات الأخيرة، أن المليارات التي أنفقتها “إسرائيل” وحلفاؤها العرب في المنطقة لتمرير مخطط التطبيع شعبيًّا، ذهبت أدراج الرياح، لتُسقط معها الأقنعة عن تلك الأنظمة المهرولة للتقارب مع تل أبيب، وتفضح أجنداتها الإقليمية بعيدًا عن شعارات دعم الفلسطينيين، تلك الشعارات التي كانت تتخذها الحكومات المطبّعة مطية لتبرير خطوتها، التي وصفها الشارع العربي بـ”العار”.