بعد إعلان زعيم حزب “يمينا” نفتالي بينت، وزعيم حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد، عن نجاح مساعيهما في تشكيل ائتلاف حكومي بموافقة عدد من الأحزاب الإسرائيلية، بدأت الأنظار تتجه نحو تأثير رحيل نتنياهو وحزبه “الليكود” عن الحكومة الإسرائيلية بعد 12 عامًا من رئاسته للوزراء، وعن ماهية التغيير المتوقع في حكومة انتهجت سياسة ثابتة نسبيًّا خلال العقد الأخير، خاصة مع “حكومة التغيير” التي أعلنها بينت ولبيد.
هذا الرحيل المرتقب لنتنياهو، يعني رحيل رجل شن 3 حروب على قطاع غزة المحاصر، وعقدت “إسرائيل” خلال عهده صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس مقابل الجندي “جلعاد شاليط”، وشهد اليمين المتطرف تصاعدًا في الداخل المحتل، وازدادت الهجرة اليهودية أضعافًا خاصة خلال السنتين الأخيرتين، وزادت وتيرة الاستيطان بشكل كبير في الضفة الغربية المحتلة.
فشل حكومة التغيير المرتقبة
لا يقتصر الاتفاق بين زعيمي حزبي “يوجد مستقبل” و”يمينا” على تشكيل ائتلاف حكومي على حزبيهما فحسب، بل ضم اتفاق تشكيل الحكومة كلًّا من قادة أحزاب “أمل جديد” و”إسرائيل بيتنا” و”أزرق أبيض” و”ميرتس” وحزب “العمل” و”القائمة العربية الموحدة”.
وبحسب محللين، ما زالت العقبات حتى الآن تعترض هذه الحكومة المرتقبة، وإن نسب ضمان بقائها ضئيلة بسبب التناقضات الفكرية والعقائدية والاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية بين جميع المركبات، وقد يشكل هذا الاختلاف والتباينات الواسعة بين أحزاب الائتلاف، صعوبةً في اتخاذ القرارات في ظل الحكومة الجديدة، ما قد يزيد من احتمالية فشلها وحلّها بعد فترة وجيزة من تشكيلها.
وفي حديثها مع “نون بوست”، تقول الإعلامية من الداخل المحتل ميسون زعبي إن كل التفاهمات على تشكيل “حكومة تغيير” تفاهمات هشة، وتشكيلها فعليًّا يمكن أن يكون فعلًا أمرًا مستحيلًا.
إن فشِلَ هذا الائتلاف في الحفاظ على وجوده، فهذا يعني خيار التوجه إلى انتخابات هي الخامسة خلال عامين.
تعتقد الزعبي من ناحية أخرى، أن نتنياهو لن يسلم السلطة بسهولة للحكومة الجديدة، موضحةً: “إلى جانب موضوع قضايا الفساد التي هي ضده اليوم، أصبح لديه موضوع نتائج الانتخابات الأخيرة، وعندما يشعر بوجود شيء يهدد وضعه سوف يقوم بعمل شيء جديد، فالحرب الأخيرة في غزة والأحداث في الشيخ جراح، كانت مناورة لمواجهة محاولة إخراجه من الحكومة”.
كما ترجع الزعبي إلى ما قبل الحرب على قطاع غزة المحاصر في الأيام الأخيرة من رمضان، حيث أشارت الاستطلاعات حينها إلى انتهاء حكومة نتنياهو.
وفي الوقت ذاته، إن فشِلَ هذا الائتلاف في الحفاظ على وجوده، فهذا يعني خيار التوجه إلى انتخابات هي الخامسة خلال عامين، ولا يتوقع محللون، في حال التوجه لهذا الخيار، حظًّا لنتنياهو في حال ترشحه، حيث إنه يعاني من سخط شعبي وحكومي حاليًّا عقب نتائج معركة “سيف القدس” في قطاع غزة المحاصر.
مزيد من اليمين المتطرف
خلال السنتين الأخيرتين، رصد مراقبون ازديادًا في وتيرة الهجرة اليهودية، خاصة للمستوطنين المتطرفين، ومن انعكاسات ذلك تزايد وتيرة الاعتداءات العنصرية في الضفة الغربية المحتلة، واقتحامات المسجد الأقصى، بالتزامن مع ملاحقة حكومة نتنياهو لليسار الإسرائيلي وانخفاض حدة وجوده في الساحة الإسرائيلية. فمع حكومة “تغيير” مرتقبة، تضم أحزابًا يمينية ويسارية ووسط، هل ستتغير معادلة اليمين واليسار في “إسرائيل”؟
“لا يوجد تيار يساري في “إسرائيل”، يوجد يمين وأقل يمينًا، حتى الأحزاب التي كانت تسمى يسارًا أصبحت تتجه نحو اليمين، لن تكون هناك مفاجآت في اليسار واليمين”، تقول الزعبي.
وتضيف: “إن استيلاءهم على الحكم لا يعني أن تغييرًا سيحدث، صحيح أنهم ليسوا نتنياهو، لكن دعونا نستذكر تصريحاتهم قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة، تصريحات عنصرية، يمينية متطرفة، داعمة للاستيطان”.
التغيير: الضفة الغربية وقطاع غزة
تعد مسألة الضفة الغربية المحتلة إحدى المسائل الأساسية التي يتعين على أي حكومة احتلال التعامل معها، فمن ناحية تشكل الضفة ساحة لبناء المستوطنات، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية القائمة فيها بموجب اتفاقية أوسلو والموقعة على اتفاقيات اقتصادية وأمنية مع الاحتلال، وقد شهدت العلاقات توترًا خلال الأشهر الأخيرة في ظل منع المقاصة الفلسطينية ووقف التنسيق الأمني.
جهاز الأمن العام “الشاباك” والموساد وجهاز مخابرات الجيش، هم من يديرون ملف المصالحة الذي يمكن أن يشهد انفراجة في الفترة القادمة بسبب الضغط المصري على “إسرائيل” وحماس.
لا يتوقع المختص في الشأن الإسرائيلي محمد مصالحة في حديث مع “نون بوست”، أن يكون هناك أي أفق سياسي أو انفراج في المفاوضات دون تحرك واضح وقوي ورادع لـ”إسرائيل”، بخصوص وقف الاستيطان والتنكيل بشعبنا والعوده للمفاوضات، دون ضغط أميركي وأوروبي وعالمي.
أما قطاع غزة المحاصر، نقطة الاشتباك الساخنة دومًا مع الاحتلال، فمع الانسحاب الإسرائيلي منه عام 2005، وتنامي قدرات المقاومة، شن الاحتلال خلال 15 سنة الأخيرة 4 حروب عليه، 3 منها في عهد نتنياهو، وعقدَ صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، واليوم يدور الحديث عن صفقة تبادل أسرى جديدة في ظل أسر المقاومة لـ 4 جنود إسرائيليين.
وبحسب مصالحة، مهما تغيرت الحكومات فإن جهاز الأمن العام “الشاباك” والموساد وجهاز مخابرات الجيش، هم من يديرون هذا الملف الذي يمكن أن يشهد انفراجة في الفترة القادمة بسبب الضغط المصري على “إسرائيل” وحماس، وأن تقدمًا ما قد يحصل في الأيام القريبة رغم وجود كثير من العقبات.
ويستدرك: “يمكن أن تقوم “إسرائيل” بمبادرة “حسن نية” اتجاه السلطة في رام الله، وتطلق كذلك سراح أسرى يتبعون لفتح، وربما يكون ذلك إشارة للقادم من أجل إطلاق سراح مروان البرغوثي ليضمن إدراج اسمه كخليفة لعباس، ضمن مشروع سياسي قادم يعود فيه ملف التفاوض إلى الواجهة”.
التغيير والخارج
ظهرت في ولاية نتنياهو الخطوط العريضة لصفقة القرن، واعترفت الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”، وإليها نقلوا سفارتهم من تل أبيب، واستطاعت حكومته عقد اتفاقات تطبيع مع عدد من الدول العربية.
أما عن الحكومة الجديدة، فلا يتوقع المحلل للشأن الإسرائيلي أن تصطدم الحكومة القادمة، إن كُتب لها الحياة، مع الإدارة الأميركية بخصوص الملف الإيراني، ولن تتورط أكثر في حروب إقليمية منها مع غزة، وستعزز علاقاتها مع الدول العربية خاصة الأردن.
وتبقى هذه القراءات رهن تسليم نتنياهو بالأمر الواقع من جهة، ونجاح الائتلاف في التماسك، أو أن يتم التوجه إلى خيار الانتخابات من جديد، إلا إن الثابت الوحيد أنَّ تعاقب الحكومات في دولة الاحتلال لن يغير من سياساتها مع الفلسطينيين.