ترجمة: حفصة جودة
في الأسابيع الأخيرة، هيمنت على وسائل الإعلام صور انتشال الأطفال من تحت الأنقاض وإجبار العائلات على النزوح من منازلهم واقتحام المسجد الأقصى في أثناء الصلاة خلال شهر رمضان.
امتلأت الشوارع بالمتظاهرين الهاتفين “الحرية لفلسطين” مع التلويح بالعلم الفلسطيني كرمز للتضامن من لندن إلى نيويورك وإلى كراتشي.
انضم الشباب البريطاني إلى عائلاتهم وأصدقائهم في واحد من أكبر الاحتجاجات حضورًا من أجل القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، لكن عند عودتهم إلى مدارسهم يوم الإثنين تم إسكات تعبيرات التضامن مع الفلسطينيين، مع الإشارة إلى برنامج المنع الحكومي، أو دفعهم بعناية للعثور على حل وسط للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
تعمل كل هذه الإجراءات على الحفاظ على سردية الوضع الراهن لـ”إسرائيل” التي تمنع تسييس الغضب المشروع تجاه المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، وتصوير المقاومة الفلسطينية (من خلال شبح حماس والإسلام السياسي) بأنها مساهم متساوِ في هذا العنف.
أما اتهام “إسرائيل” بالإبادة الجماعية والفصل العنصري فيتم تأطيره كإعاقة لمحاولات السلام في أحسن الأحوال أو دعوة صريحة للعنف في أسوأ الأحوال، مثال فاضح على ذلك قضية عرفان تشيشتي، الإمام البريطاني الذي دفعت له السلطات لتدريب الهيئات العامة لمكافحة التطرف.
تحث المدارس الطلاب على البقاء على الحياد وأن يضعوا في اعتبارهم طرفي النزاع
أجرت وزارة الداخلية تحقيقًا مع تشيشتي واتهمته باحتمالية الإضرار بالعلاقات المجتمعية وتقويض العمل المهم لبرنامج المنع الحكومي بعد أن وصف “إسرائيل” بالدولة الإرهابية.
كانت ردود فعل الحكومة البريطانية تجاه النشطاء المؤيدين لفلسطين مقلقة نوعًا ما في المدارس، ففي أحد مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تشبه مديرة مدرسة العلم الفلسطيني بأنه “دعوة لحمل السلاح”.
تحث المدارس الطلاب على البقاء على الحياد وأن يضعوا في اعتبارهم طرفي النزاع، هذه الموضوعات المثيرة للجدل والمشحونة سياسيًا عادة ما تكون خارج المناهج الدراسية ويوضع لها دروسًا مخططة بعناية.
منهجية كلا الطرفين
خلال نهاية الأسبوع أكد وزير التعليم غافين ويليامسون – الذي فكر مليًا في الأمر – أنه على المدارس ألا تعمل مع أو تستخدم مواد من منظمات ترفض حق “إسرائيل” في الوجود بشكل علني، وأكد ضرورة حفاظ المدارس على الحياد السياسي.
كما نصحوا المعلمين والطلاب بالمشاركة في منظمة تُدعى “Solutions Not Sides” التي تدافع عن منهجية ثنائية الحزب ومتساوية الطرفين للاحتلال الإسرائيلي، إذ يقول شعارها: “لسنا فقط مؤيدين لـ”إسرائيل” أو مؤيدين لفلسطين، ففوق كل ذلك مؤيدين للحل”، سردية المساواة تلك يقول عنها الصحفي بن وايت: “في أسوأ الأحوال تهدف إلى تقويض النشاط التضامني مع فلسطين باستغلال مخاوف التطرف”.
وفقًا لفريق “فلسطين في المدارس” فهناك أعداد متزايدة لحالات يتم التحدث فيها إلى الطلاب أو مراقبتهم من خلال عدسة برنامج المنع
إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدارس البريطانية يمكن رفضها بسهولة كنتيجة لسوء تدريب المعلمين الذين لم يكونوا مستعدين للتعامل مع مثل هذه المحادثات عن “إسرائيل” وفلسطين في صفوف الدراسة، ربما يكون ذلك صحيحًا، لكن الأمر يصبح معقدًا فيما يتعلق بكيفية عمل برنامج المنع داخل المدارس.
وفقًا لبرنامج المنع؛ يجب أن يلتزم المعلم بالإشارة إلى الطلاب الذين يعتقد أنهم معرضون لخطر التطرف، هذه الاتجاهات العنصرية لبرنامج المنع أدت إلى إحالة المسلمين بشكل واسع للبرنامج نتيجة الربط المستمر بين المسلمين والإرهاب.
يقول مؤيديو برنامج المنع إن هدفه تشجيع النقاش، لكن ذلك مستحيل عندما تكون الظروف التي تحكم مثل هذه النقاشات في الفصول الدراسية يتم تغذيتها في إطار مؤمّن، وفقًا لفريق “فلسطين في المدارس” فهناك أعداد متزايدة لحالات يتم التحدث فيها إلى الطلاب أو مراقبتهم من خلال عدسة برنامج المنع.
يتم النظر إلى احتلال فلسطين بشكل جزئي كقضية دينية للمسلمين خاصة مع وجود المسجد الأقصى الذي يعد ثالث الأماكن المقدسة في الإسلام بجانب مكة والمدينة، يمكن للتعبير عن التضامن الفلسطيني أن يتجاوز الانقسام المختلق بين الخطاب الديني والسياسي.
كل هذه الأمور تجعل فلسطين قضيةً مثيرةً للجدل في أعين برامج مكافحة التطرف: إذا كانت المظالم السياسية للمسلمين “عوامل خطر”، فإن فلسطين بشكل أساسي قضية خطيرة، خاصة عند الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية.
إن ظلال برنامج المنع في المدارس له تداعيات خطيرة على مستقبل النشاط والاحتجاج
خطاب مكافحة الإرهاب
كانت المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي أمرًا محوريًا في تشكيل الخطاب المعاصر لمكافحة التطرف، ومن خلاله سُجلت الهجمات الفلسطينية كإرهاب بينما لم تُسجل الاعتداءات الإسرائيلية كذلك.
إن وجود برنامج المنع في المدارس يعني أن المحادثات عن “إسرائيل” وفلسطين لا يمكن أن تحدث دون الخوف من الإحالة، عبر السنين كان النشطاء المؤيدون لفلسطين مصدر قلق لمسؤولي مكافحة التطرف، مثل قضية المراهق رحمن محمدي في 2016 الذي استجوبته شرطة مكافحة الإرهاب لارتدائه شارة “فلسطين حرة” في المدرسة.
وبالمثل فقد أمرت الجامعات بإدارة النشاط الفلسطيني، وحتى لو لم تحدث إحالة لبرنامج المنع، فإن احتمالية حدوث ذلك يثير قلق الآباء وأولياء الأمور، إن برنامج المنع في المدارس له تداعيات خطيرة على مستقبل النشاط والاحتجاج خاصة في ضوء قانون “الشرطة والجريمة والأحكام والمحاكم” (Police, Crime, Sentencing and Courts Bill) الذي قد يمنح الشرطة سلطات جديدة لفرض قيود على الاحتجاج.
مع انتشار الاحتجاجات في المدارس والشوراع، حان الوقت للعمل على إلغاء برنامج المنع خلال فترة زمنية قصيرة وإزالة الوصم عن الاتهامات المشروعة المناهضة لـ”إسرائيل” على المدى الطويل، ما يحدث في فلسطين أيقظ جيلًا جديدًا لا يمكن إسكات أصواته بعد الآن.
المصدر: ميدل إيست آي