قبل ساعة واحدة من انتهاء المهلة الرئاسية الممنوحة له منتصف ليل الثالث من يونيو/ حزيران الجاري، نجح زعيم حزب “يوجد مستقبل” يائير لبيد، المفوض بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، في التوصل لأغلبية ائتلافية لتشكيل الحكومة بعد توقيع 7 أحزاب على اتفاقات ائتلافية توفر له الأغلبية البرلمانية اللازمة.
وقد أبلغ لبيد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، بتمكنه من تشكيل الحكومة الجديدة قبل دقائق من انتصاف ليلة أمس، فيما نقلت وكالة رويترز عن مكتب الرئيس أن زعيم حزب “يمينا” اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، ويائير لبيد، سيتناوبان على تولي منصب رئيس الوزراء.
وبذلك بات رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، خارج السباق، ليسدل الستار على واحدة من أخطر المحطات السياسية في تاريخ السياسي الدموي الذي أمضى أطول فترة على رأس الحكم في الدولة العبرية، حيث مكث قرابة 15 عامًا، منها 12 متتالية (بين عامي 1996 و1999 وبين عامي 2009 و2021) كرئيس للحكومة.
لم تكن فترة حكم نتنياهو هي الأكثر دموية في مسيرة زعماء وساسة دولة الاحتلال فحسب، كونه خاض خلالها 3 حروب على غزة، لكنها كانت في الوقت ذاته الأكثر جدلًا وتأثيرًا في تشكيل الخارطة السياسية لـ”إسرائيل”، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، لا سيما في ظل قيادته لقاطرة التطبيع مع الدول العربية، إذ نجح في أقل من عام واحد فقط في تحقيق ما فشل فيه أسلافه على مدار عشرات السنين.
وتتضمن مسيرة حياة نتنياهو الذي يواجه مستقبلًا غامضًا في ظل اتهامات الفساد والخيانة التي تلاحقه الأعوام الماضية، الكثير من المحطات الفارقة التي تستوجب إلقاء الضوء عليها، فهو أكثر القادة الإسرائيليين تشبثًا بالكرسي، استمات سنوات طويلة دفاعًا عن منصبه، خاض خلالها معارك ضارية ضد الأحزاب اليسارية واليمينية على حد سواء، بعضها كان ضد قادة حزبه الذي ينتمي إليه.. فما هي أبرز تلك المحطات؟
اليهودي المتطرف
يعود تطرف نتنياهو، المولود في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1949، إلى نشأته الأسرية التي كانت تدين عقيدة متشددة، فوالده بن تسيون كان المساعد الشخصي لزعيم أحد أكبر التيارات المتطرفة، زئيف جابوتنسكي، الذي كان يسعى لتأسيس ما أسماه “إسرائيل الكبرى”.
التحق نتنياهو بالجيش في سن مبكرة، حيث انضم إلى وحدات تسمى “سييرت متكال”، وتعد أشهر الوحدات الخاصة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهي الوحدات ذاتها التي التحق بها شقيقه الأكبر يوناتان الذي قتل أثناء مشاركته في عملية تحرير طائرة إسرائيلية كانت قد اختطفت في كينيا عام 1976، وهي الحادثة التي كان لها تأثيرها القوي على مستقبل الشقيق الأصغر.
وعقب انتهاء فترة تجنيده في الجيش سافر نتنياهو إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته، حيث وجد هناك حاضنته السياسية لدى اللوبي الصهيوني الذي بدا في الصعود تدريجيًّا، وما أن أنهى دراسته حتى التحق بوظيفة مدنية هناك بقطاع الأعمال، نجح خلالها في تكوين شبكة صداقات قوية بين يهود أمريكا.
وفي عام 1984 تولى منصب ممثل “إسرائيل” في الأمم المتحدة، واستمر في هذا المنصب قرابة 4 سنوات، ليعود إلى تل أبيب بعد ذلك، عام 1988، ليختار حزب “الليكود” اليميني المتطرف، الذي كان وقتها على رأس السلطة، بيته السياسي، مستهلًّا من خلاله مسيرته السياسية.
ارتكن نتنياهو إلى الخطاب الشعبوي كخطاب معتمد لتعزيز نفوذه السياسي، فبات يتحدث عن دولة اليهود والمخاطر التي تحدق بهم، وضرورة التصدي لكافة المخاطر التي تواجههم، حتى أنه في أحد خطاباته أمام “منتدى المحرقة العالمي”، عام 2020، قال إن على الشعب اليهودي “أن يأخذ تهديدات أولئك الساعين لتدميرنا على محمل الجد دائمًا”، مضيفًا أن على اليهود “أن يوجهوا التهديدات حتى الصغيرة منها، وقبل كل شيء، أن نمتلك القدرة على حماية أنفسنا بأنفسنا”.
الرئيس الأسبق، باراك أوباما، وثّق هذه الحالة البنيامينية في مذكراته الرئاسية “الأرض الموعودة” حين قال إن “رؤية (نتنياهو) لنفسه على أنه المدافع الأبرز عن الشعب اليهودي في وجه المحن، سمحت له بتبرير أي أمر من شأنه إبقائه في السلطة”.
المتشبث بالسلطة
يعد نتنياهو أطول رئيس وزراء مدةً في التاريخ القصير للدولة العبرية، البداية كانت عام 1996، حين فاجأ الجميع بفوز غير متوقع على منافسه زعيم حزب “العمل” شيمون بيريز، ويعود الفضل في تلك المفاجأة للأحداث التي شهدتها “إسرائيل” بعد توقيع اتفاق أوسلو، وما نجم عنها من اغتيال إسحاق رابين، وهو ما صب في صالح اليمين المتطرف وعلى رأسه “الليكود” الذي تزعمه نتنياهو خلفًا لإسحاق شامير بعد هزيمة الحزب النكراء أمام حزب “العمل” عام 1992.
لم تجرِ الرياح بما تشتهي سفن نتنياهو، ففي مطلع حكمه اندلعت موجة تظاهرات عارمة عرفت وقتها بـ”هبّة النفق”، وهي التظاهرات التي انطلقت في 25 سبتمبر/ أيلول 1996 احتجاجًا على قرار حكومة نتنياهو حفر نفق أسفل المسجد الأقصى، وقتل فيها 36 جنديًّا إسرائيليًّا مقابل استشهاد 63 فلسطينيًّا.
كان فوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيلها للحكومة عام 2007، برميل البارود الذي فجر وحشية نتنياهو وحكومته، حيث رأى في ذلك هزيمة رمزية لعشرات السنين من التوغل الإسرائيلي داخل مفاصل المجتمع الفلسطيني في القطاع
أثرت تلك الهبّة على صورة نتنياهو وحزب “الليكود”، وهو ما ظهر جليًّا في انتخابات 1999 التي خسرها الحزب اليميني المتطرف أمام حزب “العمل” اليساري بقيادة إيهود باراك، ليضطر رئيس الحكومة الخاسر لمغادرة الحياة السياسية فترة طويلة نسبيًّا، لا سيما بعدما فقد زعامة الحزب لصالح أرئيل شارون الذي خلفه في هذا المنصب.
وفي عام 2005 صعد نجم نتنياهو مرة أخرى، بعدما خدمته الظروف السياسية وقتها بانشقاق شارون عن “الليكود” وتشكيله حزب “كاديما” إثر اعتراضه على خطة فك الارتباط وتفكيك المستوطنات وسحب جيش الاحتلال من قطاع غزة المحاصر، ليصبح الطريق ممهدًا مرة أخرى أمام نتنياهو لقيادة الحزب مجددًا.
الانتقادات التي تعرض لها حزب اليسار على المستوى الداخلي، والاتهامات التي واجهت باراك، وما نجم عن ذلك من تراجع شعبية الحزب سياسيًّا، ساهمت بشكل أو بآخر في تلميع صورة اليمين المتطرف، وباتت المنافسة بين زعيمي هذا التيار، “الليكود” بقيادة نتنياهو و”كاديما” بزعامة تسيبي ليفني.
وفي انتخابات 2009 نجح نتنياهو في إقصاء ليفني ليشكل الحكومة للمرة الثانية في حياته، ليبقى في منصبه رئيسًا للوزراء حتى اليوم، بفضل شبكة التحالفات المستمرة طيلة السنوات الماضية مع الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة التي لعبت دورًا كبيرًا في حمايته من الإطاحة به من كرسيه أكثر من مرة.
الدموي المتعجرف
الدعم المتواصل الذي حصل عليه نتنياهو من التيارات اليمينية المتشددة كان بمثابة الضوء الأخضر له لتعزيز هجماته الوحشية الانتقامية ضد الفلسطينيين، وفي المقدمة منهم فصائل المقاومة، حيث كان يرى في تلك التحركات الباب الأكثر اتساعًا لاستمرار التأييد المطلق من قبل الشعبويين والمتطرفين في بلاده.
كان فوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيلها للحكومة عام 2007، برميل البارود الذي فجر وحشية نتنياهو وحكومته، حيث رأى في ذلك هزيمة رمزية لعشرات السنين من التوغل الإسرائيلي داخل مفاصل المجتمع الفلسطيني في القطاع، الأمر الذي دفعه لتضييق الخناق على القطاع، حصارًا وتجويعًا.
ومنذ عام 2012 وحتى اليوم شنت حكومة الليكود البنيامينية 3 حروب على غزة، هذا بجانب مئات الضربات والهجمات المتفاوتة بين الحين والآخر.
كانت الحرب الأولى عام 2012 وسقط فيها قرابة 175 شهيدًا، أما الثانية فكانت عام 2014، وهي الأكثر دموية على الإطلاق، إذ راح ضحيتها 2139 شهيدًا وأكثر من 11 ألف جريح.
هذا بخلاف الحرب الثالثة التي شنها الشهر الماضي وأسفرت عن 253 شهيدًا فلسطينيًّا ومئات الجرحى، والتي تعد حربًا استثنائية رغم قلة ضحاياها مقارنة بما سبقها، غير أنها كانت سببًا رئيسيًّا في إنهاء حياة نتنياهو السياسية لما حملته من دلالات رمزية، سياسية وعسكرية ومجتمعية، كما سيرد ذكره لاحقًا.
كانت دماء الفلسطينيين وعشرات الأفدنة ومئات المنازل المستولى عليها، هي سلاح نتنياهو الأكثر حضورًا لتعزيز شعبيته والاستمرار في منصبه، ورغم المعارضة التي قوبلت بها تلك السياسة لما لها من خسائر كبيرة في الأرواح والمملتلكات من الجانب الإسرائيلي، فضلًا عن تهديد السلام والاستقرار المجتمعي للمستوطنيين، إلا أنها ظلت النافذة الأوسع لحصول الدموي الليكودي على التأييد المطلق من التيارات الدينية المتشددة، التي تتميز بشبكة علاقات قوية داخل دوائر صنع القرار، سواء في تل أبيب أو واشنطن.
وطيلة فترة حكمه لم ينخرط نتنياهو في أي مفاوضات سلام حقيقية مع الجانب الفلسطيني (رغم الادعاءات الإعلامية بين الحين والآخر)، حيث خيّل له غروره السياسي أن الإبقاء على جذوة التوتر مشتعلة مع الفلسطينيين هو الضامن الأكبر لحالة اللحمة الداخلية حول “الليكود”، والضمانة الأكثر فاعلية لاستمراره في السلطة أطول مدة ممكنة.
المرتشي المحتال خائن الأمانة
اللافت للنظر أن من يجلس في السلطة الحاكمة في “إسرائيل” طيلة هذه المدة فاسد من الدرجة الأولى، بحسب الاتهامات التي وجهها المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت لرئيس الحكومة العبرية، وذلك في القضايا المعروفة إعلاميًّا باسم 1000 و2000 و4000.
ففي القضية الأولى “1000” وُجهت لنتنياهو تهم الخيانة بسبب تلقيه وأفراد من عائلته رشاوى (سيجار فاخر وزجاجات الشمبانيا والمجوهرات) بقيمة 750 ألف شيكل (240 ألف دولار) من المنتِج الإسرائيلي الهوليودي أرنون ميلتشان، و250 ألف شيكل من الملياردير الأسترالي جيمس باكر.
أما القضية الثانية “2000” المعروفة باسم قضية “يديعوت أحرونوت”، فيتهم فيها نتنياهو بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع مالك الصحيفة، أرنون موزيس، من أجل الحصول على تغطية إيجابية له، والابتعاد عن الأخبار المسئية له، وذلك خلال فترة ولايته كرئيس للوزراء ووزير الاتصالات.
لم يمنح مسئول إسرائيلي لزوجته نفوذًا كما منحه نتنياهو لسارة، حيث فتح لها الباب على مصراعيه للتدخل في شؤون الحكم، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وباتت مع مرور الوقت رقمًا صعبًا في المعادلة، وضلعًا أساسيًّا في منظومة الحكم
التهمة ذاتها لم تنحصر على “يديعوت أحرونوت” فقط، ففي آخر جلسات نظر إلى تلك القضية أمام المحاكم الإسرائيلية، قبل عدة أشهر قال إيلان يشوع، الرئيس التنفيذي السابق لموقع “والا” الإخباري العبري، وهو الشاهد الأول في محاكمة نتنياهو في اتهامات فساد، إنه تلقى تعليمات بعدم نشر الأخبار السلبية عن الحكومة، كذلك نشر محتوى يهاجم خصوم رئيس الوزراء السياسيين.
وفيما تتعلق القضية “4000” المعروف بقضية شركة الاتصالات “بيزك” (أكبر مجموعة اتصالات في “إسرائيل”) بتلقي رئيس الوزراء رشاوى مالية كبيرة، وتوصف تلك القضية بأنها الأخطر على نتنياهو خلال المرحلة المقبلة، والتي ربما تمهد الطريق أمام حبسه.
البروفيسور يورام يوفال، في مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، علق على فساد نتنياهو بأنه “أصبح تدريجيًّا ملتهيًا وجبانًا وكاذبًا ودجّالًا، وتورط في أكاذيبه، ووصل نهاية طريقه السياسي، وأصبح حجر رحى، ليس فقط حول عنق “إسرائيل”، بل حول عنق حزب “الليكود””.
وأضاف في المقال الذي ترجمه موقع “عربي 21” أن “نتنياهو لا يقاتل اليوم من أجل حكمه، بل من أجل حريته وحياته حرفيًّا، وبالتالي فلن يستسلم أبدًا، ليس لديه خيار آخر، فالعقوبة التراكمية للجرائم المنسوبة إليه تبلغ 19 عامًا، وهذه مجرد بداية القصة، وهو يدرك أنه في اليوم الذي يتوقف فيه عن رئاسة الوزراء سيفتح الكثير من الصامتين أفواههم، وستكون تلك نهاية الأمر”،
واختتم المقال بقوله إن “نتنياهو في طريقه للانهيار، لذلك دعونا نواصل الاحتجاج ضده، والقتال بكل قوتنا، في كل مكان، وبكل وسيلة، هيا نستمر حتى ينهار نتنياهو، وبعد ذلك يمكنه الذهاب”.
نفوذ فجّ لزوجته سارة
لم يمنح مسئول إسرائيلي لزوجته نفوذًا كما منحه نتنياهو لسارة، حيث فتح لها الباب على مصراعيه للتدخل في شؤون الحكم، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وباتت مع مرور الوقت رقمًا صعبًا في المعادلة، وضلعًا أساسيًّا في منظومة الحكم رغم تنافي ذلك مع أعراف وتقاليد الحكم في الدولة العبرية.
بلغ نفوذ سارة حد أنها كانت تجري جلسات استماع لقادة الجيش وكبار موظفي الدولة، وكانت تتدخل في اختيارات القيادات الأمنية والسياسية، بل أنها بحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام العبرية، كانت تصر على حضور الاجتماعات السرية التي كان يعقدها زوجها في منزله، ما أثار امتعاض الكثيرين في السلطة الإسرائيلية.
صحيفة “هآرتس” في تقرير لها نٌشر في مارس/ آذار الماضي، نقلت عن نائب مدير عام الصناعات الجوية السابق، الجنرال ديفيد بن آرتسي، قوله إن زوجة نتنياهو كان لها حق الموافقة على تعيين قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، موضحًا أنه اطلع على اتفاق سري بين بنيامين وسارة، يسمح للأخيرة بالحصول على نفوذ وسطوة هائلَين في مجال التعيينات، خاصة الأمنية.
الصمود الأسطوري للمقاومة والانتصارات التي حققتها سياسيًّا -بعيدًا عن لغة الأرقام المضللة في كثير من حالاتها-، أفسد مخطط رئيس الوزراء للبقاء في منصبه
الجنرال السابق نقل بدوره عن صحفي إسرائيلي يدعى دان رافيف، أن الاتفاق الموقع بين الزوجين كان بحضور دافيد شيمرون، قريب ومحامي نتنياهو نفسه، وأحد أقرب المستشارين إليه، وأنه يقضي بأن “تعيين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ورئيسي جهازي الموساد والشاباك، لا بد أن يكون ممهورًا بمصادقة سارة نتنياهو نفسها”.
نفوذ سارة لم يقتصر على التدخل في شؤون الحكم فقط، لكنها كانت تتمتع بنفوذ أكبر داخل البيت، وهو ما أشار إليه الصحفي الإسرائيلي بن كاسيت الذي يقوم بكتابة السيرة الذاتية لعائلة نتنياهو، حيث أشار إلى أن “لديها الكثير من القوة التي تتحكم بها في زوجها، فهو يخاف منها بالفعل، كما أنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء دون موافقتها، لدرجة أنه لا يمكنه التعرّف إلى أشخاص جدد دون موافقتها”، بما في ذلك إبرام صفقة تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
هل أطاحت به المقاومة؟
كانت الأجواء خلال العام الأخير تشير إلى قرب خروج نتنياهو من السباق نحو الحفاظ باللقب كرئيس للوزراء، في أعقاب الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية، الأمر الذي دفع لإجراء 4 انتخابات منذ أبريل/ نيسان 2019، في سابقة لم تحدث في الدولة العبرية من قبل، تزامن ذلك مع تصاعد حدة الانتقادات على خلفية اتهامات الفساد التي تلاحقه.
وأمام تلك الوضعية -وبأسلوبه التقليدي المعتاد- وجد نتنياهو في غزة الملاذ الآمن له لعبور مأزقه الحالي، فكانت الهجمات الوحشية التي قامت بها قواته ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، والتي لم تؤتِ ثمارها المتوقعة، إذ قدّمت المقاومة مفاجأة من العيار الثقيل، حين لقنت الجيش الإسرائيلي درسًا في فنون القتال لن تنساه.
الكثير من المراقبين أشاروا إلى أن تداعيات الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية على غزة الأسابيع الماضية، ستنعكس على تشكيل الحكومة الجديدة، وربما تسرع بإجهاض حلم نتنياهو في البقاء في منصبه
الصمود الأسطوري للمقاومة والانتصارات التي حققتها سياسيًّا -بعيدًا عن لغة الأرقام المضللة في كثير من حالاتها-، أفسد مخطط رئيس الوزراء للبقاء في منصبه، إذ أسقط الفلسطينيون المرتكزات التي كان يرتكز عليها نتنياهو في مثل هذه المواقف، فتراجع التأييد الشعبي وتصاعدت حدة الأصوات المعارضة له حتى من داخل اليمين المتطرف (حاضنته السياسية الأولى).
وأمام تلك الوضعية الحرجة اضطر نتنياهو لقبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، لإيقاف رشقات الصواريخ الفلسطينية التي تحولت إلى كابوس يؤرق مضاجع المستوطنيين الذين باتوا في مخابئهم بأمر من المقاومة، ما أثار حفيظة التيار المتشدد في “إسرائيل”، الذي رأى في قبول الهدنة هزيمة نكراء أمام حماس ورفقائها.
زعيم حزب “أمل جديد”، المنشق مؤخرًا عن الليكود، جدعون ساعر، علّق على قبول المبادرة المصرية بأن “وقف النشاط العسكري الإسرائيلي دون فرض أي قيود على تعاظم وتسليح حماس، ودون عودة الجنود والمدنيين المحتجزين في غزة، سيكون فشلًا سياسيًّا سندفع ثمنه مضاعفًا في المستقبل”، وتابع: “مع أفضل قوة استخباراتية وجوية في العالم، تمكن نتنياهو من اقتناص وقف إطلاق نار دون شروط من حماس، هذا مخجل ومحرج”.
الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقال له بصحيفة “هآرتس” العبرية، عقد مقارنة بين قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، ونتنياهو، قائلًا إن “السنوار هو أكثر شجاعة من نتنياهو وغانتس، اللذين لديهما حماية بدرجة كبيرة، كما أنه من ناحية عدالة نضاله، توجد له أفضليات على سجانيه ومحتليه، الذين يستخدمون الوسائل الإجرامية”.
الكثير من المراقبين أشاروا إلى أن تداعيات الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية على غزة الأسابيع الماضية، ستنعكس على تشكيل الحكومة الجديدة، وربما تسرع بإجهاض حلم نتنياهو في البقاء في منصبه، بعد تصاعد حالة الاحتقان والغضب بين الكثير من الأوساط الداخلية حيال الانتصارات السياسية التي حققتها حماس والمقاومة، واستعادة شعبيتها التي تأثرت كثيرًا خلال الآونة الأخيرة.
نتنياهو يعلم جيدًا أن بقاءه في السلطة هو الضمانة الوحيدة لبقاءه طليقًا، وعدم الزج به في السجن، على خلفية الاتهامات الموجهة له، ولطالما سعى لتمرير قانون يسمح بعدم محاكمة رئيس الوزراء، فضلًا عن الضغوط التي مارسها لإثناء المدعي العام عن تلك التهم.
اللافت للنظر أن نتنياهو، ذلك المسؤول الفاسد، المتهم بالخيانة والاحتيال، الدموي المتعطش دومًا لدماء الفلسطينيين، والذي يواجه انتقادات لاذعة من الداخل الإسرائيلي، حتى بين أنصاره في “الليكود”، نجح في إقناع حكومات الإمارات والمغرب والسودان والبحرين لإبرام اتفاقيات تطبيع معه، وهذا ربما يكون الإنجاز الوحيد له على المستوى الداخلي، غير أن حتى هذا الإنجاز الذي سعى لتوظيفه سياسيًّا لم يؤتِ ثماره.
وفي الأخير، فإنه رغم نجاح زعيم حزب “يوجد مستقبل” في التوصل لأغلبية ائتلافية لتشكيل الحكومة الجديدة، مخطرًا بها الرئيس الإسرائيلي، إلا أن نتنياهو لم يرفع الراية البيضاء بعد، محاولًا إفشال حكومة التغيير قبل عرضها على الكنيست لنيل الثقة (لم يحدد موعد الانعقاد بعد)، وذلك عبر دعوة قادة المستوطنين وتحالف أحزاب العنصريين ونواب حزبه إلى اجتماع طارئ، من أجل وضع خطة لعرقلة الحكومة الجديدة.