في خطوة لافتة قرر المغرب إعادة جميع القُصر غير المرافقين لأهلهم من دول أوروبا إلى المملكة، الأمر الذين أكد وفق بعض المتابعين وجود صفقة بين الجانب الأوروبي والمغربي في هذا الشأن، فيما ذهب آخرون للتأكيد أن القرار المغربي جاء لسحب البساط من تحت الأوروبيين لاستغلال ورقة القاصرين ضد الرباط والتأكيد أن الخلاف بين الطرفين أعمق بكثير من مسألة الهجرة.
إعادة القاصرين غير المرافقين
قرار المغرب، جاء في تصريحات وقرارات متفرقة هذا الأسبوع، إذ أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس الثلاثاء أمرًا بإعادة كل القُصّر المغاربة الذين لا يوجد معهم مرافق ودخلوا الاتحاد الأوروبي بطريقة غير شرعية.
وجاء في بيان مشترك لوزارتي الداخلية والخارجية أن “المغرب مستعد للتعاون، كما فعل دائمًا، مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية هذه المسألة”، وكرر البيان المغربي “التزام المملكة الواضح والحازم قبول عودة القاصرين غير المصحوبين الذين تم تحديد هويتهم على النحو الواجب”.
رغم التعاون الأمني والاستخباراتي والمعاملات التجارية القوية بين الطرفين، فإن العلاقات السياسية بينهما لم ترتق للمأمول
إلا أنه أرجع بطء العملية إلى عوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية، وكان نحو 10 آلاف شخص – بينهم 1500 قاصر وفقًا للسلطات الإسبانية و2000 بحسب منظمة العفو الدولية – قد عبروا الشهر الماضي من الأراضي المغربية إلى جيب سبتة في شمال إفريقيا بعد نزاع دبلوماسي بين المغرب وإسبانيا.
معظم المهاجرين الذين عبروا إلى سبتة تم إعادتهم على الفور إلى المغرب، لكن ظل المئات من القصر غير المصحوبين بذويهم هناك، ذلك أن عملية ترحيل القاصرين مسألة في غاية التعقيد بسبب ما تكفله التشريعات والمواثيق الدولية لحقوق الطفل.
تقوم إسبانيا، بإيواء المهاجرين القاصرين غير المصحوبين بذويهم في مراكز تديرها السلطات المحلية، ليتم بعدها دراسة كل حالة على حدة لتقرر السلطات ما إذا كانت ستعيد الشخص إلى المغرب أو تبقيه في إسبانيا، مع ذلك يوجد العديد دون مأوى وينامون في العراء.
سحب البساط
يُفهم من هنا أن العاهل المغربي يريد تسوية نهائية لقضية القاصرين المغاربة الموجودين في وضع غير قانوني بأوروبا، وجاءت إرادة العاهل المغربي نتيجة سعي السلطات الإسبانية والأوروبية ككل للضغط على المغرب والترويج لرواية تخدم مصالحهم، مُفادها أن المغرب يستغل القاصرين للضغط على الأوروبيين لنيل امتيازات جديدة.
وفق المحلل السياسي المغربي عمر مروك فإن ملف إعادة القاصرين ليس جديدًا ولا يهم فقط القاصرين الذين ولجوا إسبانيا خلال الأحداث الأخيرة، وإنما يهم كل القاصرين المغاربة بكل الدول الأوروبية.
وبحسب جمعيات مغربية غير حكومية، يبلغ عدد القاصرين المغاربة في أوروبا، من المهاجرين بطريقة غير قانونية، نحو 20 ألف شخص، معظمهم في فرنسا وإسبانيا.
يؤكد مروك في حديث لنون بوست أن “المغرب يولي موضوع القاصرين غير المرافقين أهمية قصوى ويعتبرهم مكونًا أساسيًا للسيادة المغربية ولم يرم بهم كورقة ضغط للهجرة كما ذهب إليه الإعلام الأوروبي، فهو يساند القضايا الإنسانية وقضايا الطفولة بمنظورها الكوني ويحترم تعهداته والتزاماته الدولية في هذا الصدد”.
ويرى عمر مروك أن الجهات الإسبانية حاولت مؤخرًا مع بعض الجهات المناوئة للوحدة الترابية للمملكة استغلال ورقة القاصرين غير المرافقين للضغط على المغرب وهز صورته الخارجية أمام الرأي العام الدولي، لذلك سارعت الرباط لسحب البساط من تحتها.
الصحراء.. الخلاف الأبرز
سعي المغرب لسحب البساط من تحت الإسبان والأوروبيين بخصوص ملف المهاجرين القصّر، يؤكد أن الخلاف المغربي الإسباني لا يرتكز على ملف الهجرة وإنما على مسائل أخرى على رأسها ملف الصحراء الغربية.
وعرفت العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا في الفترة الأخيرة، توترًا كبيرًا، نتيجة استقبال مدريد لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، للعلاج إثر تدهور وضعه الصحي جراء إصابته بفيروس كورونا، الأمر الذي اعتبرته الرباط مناورةً وعملًا خطيرًا مخالفًا لروح الشراكة التي تجمع البلدين.
هذا التوتر في العلاقات بين البلدين ليس وليد اليوم، فرغم التعاون الأمني والاستخباراتي والمعاملات التجارية القوية بين الطرفين (إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب منذ عام 2012)، فإن العلاقات السياسية بينهما لم ترتق للمأمول.
يستنكر المغرب على إسبانيا دعمها لجماعة البوليساريو ووقوف مدريد في صف المعادين لوحدة المملكة الترابية
يرى الأستاذ بالجامعة المغربية رشيد لزرق أن إسبانيا استخدمت ورقة الهجرة بغية إخراج النقاش من سياقه حتى تلتف على مطالب المغرب، فهي اختارت عدم الوضوح في علاقتها مع المغرب في الوقت الذي تُطالب فيه الرباط بالوضوح التام في علاقاتها مع كل شركائها.
يضيف لرزق في حديثه مع نون بوست، “المغرب يريد أن تكون إسبانيا واضحةً في موقفها من الصحراء الغربية، على ضوء ذلك يتم تحديد الخطوات القادمة، فالمغرب لن يقبل من دون المعاملة بالمثل”.
وفق رشيد فإن “قضية الصحراء هي جوهر فهم السياسية الخارجية للبلاد وتفاعلها مع العديد من الدول، فقد كانت وما زالت محدد السياسية الخارجية المغربية، وهي على رأس أولويات السياسة الخارجية للمملكة باعتبارها القضية الوطنية الأولى للمغاربة، حتى إن ظهر من الناحية العملية أن الدبلوماسية المغربية بدأت تتحرر شيئًا فشيئًا من ثقل هذه القضية لكونها في طريقها للحسم والتفرّغ للتنمية”.
من المهم التذكير أن المغرب لا تروق له النظرة الإسبانية للنزاع القائم في الصحراء، إذ دائمًا ما عبر الإسبان عن دعمهم لجبهة البوليساريو بطرق ملتوية، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعقب إصدار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، للإعلان الرئاسي الذي اعترفت واشنطن بمقتضاه بسيادة المغرب على الصحراء، أظهرت مدريد انحيازها للبوليساريو، واعتبرت أن القرار الأمريكي لا يخدم نزاع الصحراء، بل يزيده تعقيدًا، لأنه يقوم على ما وصفته “القطبية الأحادية”.
يستنكر المغرب على إسبانيا دعمها لجماعة البوليساريو ووقوف مدريد في صف المعادين لوحدة المملكة الترابية، وتعتبر الصحراء الغربية الواقعة على الساحل الأطلسي، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وفيما تطالب الأخيرة، باستفتاء لتقرير المصير، تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.
هذا النزاع بين الطرفين بدأ منذ العام 1975، أي مباشرة بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتحول إلى مواجهة مسلحة بين المغرب والجبهة استمرت حتى العام 1991، وتوقفت بتوقيع الطرفين اتفاق لوقف إطلاق النار تحت رعاية الأمم المتحدة.
تأثير ملف الصحراء الغربية على السياسة الخارجية للمغرب، يظهر جليًا في العديد من المناسبات، فقد عرفت علاقات المغرب مع بعض الدول تذبذبًا انطلاقًا من تفاعلات تلك الدول مع قضية الصحراء الغربية ذلك أن هذا الملف هو المحدد الأساسي لتفاعلات المغرب الخارجية.