ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الأربعاء، أُقصي بنيامين نتنياهو من المشهد السياسي بعد تولّيه منصب رئيس وزراء “إسرائيل” لمدة 12 سنة متتالية. وقد خدم في فترة سابقة مدتها ثلاث سنوات، مما جعله صاحب أطول حقبة سياسية في تاريخ دولة الاحتلال. قد تكون هناك الكثير من التقلبات والمنعطفات التي لم تأت بعد، حيث لم يؤدّ الكنيست اليمين الدستوري في الحكومة الجديدة، بالتالي، قد يتمكّن نتنياهو من عزل الأعضاء اليمينيين في ائتلاف يائير لبيد.
خلال السنوات الأخيرة، ظننت في بعض الأحيان أن كل الاحتمالات واردة باستثناء نهاية الرجل الذي يحكم “إسرائيل”. وفي حال وقعت الإطاحة به، نحن ندرك أن عهده لن ينتهي. وفي هذه المرحلة، لا بدّ من التفكير في فترة حكمه، التي لم يقدّم فيها سوى القليل من الإنجازات.
كان نتنياهو يحكم “إسرائيل” باتباع استراتيجية تفكيك هياكل السلطة القائمة. ولم يقتصر الأمر على تشويه سمعة المتهمين المعتادين، مثل اليساريين ومختلف النشطاء، بل ثار ضد جماعات حقوق الإنسان للإدلاء بشهادتهم أمام محاكم الأمم المتحدة بشأن جرائم الحرب المحتملة، كما سنّ تشريعات تجبرهم على الكشف علنا عن الجهات المانحة الأجنبية.
لقد شوّه نتنياهو سمعة خصومه السياسيين وتمادى إلى أبعد من ذلك. لم يعد الأمر مجرد مسألة خلاف، حيث صرّح رئيس الوزراء نتنياهو أن خصومه خانوا الأمة، وقال إنهم سيبيعون الدولة من خلال السماح بإقامة دولة فلسطينية وسيكونون متساهلين مع حماس ويسمحون للصواريخ بالتحليق مرة أخرى في سماء “إسرائيل”.
حتى داخل حزب الليكود الخاص به، عزل نتنياهو الأنصار السابقين، بينما اشتهر رؤساء أركانه باعتبارهم أعتى خصومه السياسيين. في الواقع، كان رئيس الوزراء المكلف، نفتالي بينيت، ذات مرة منافسا شرسا لنتنياهو، مثل أفيغدور ليبرمان، الذي كبح طموحه السياسية في عهد نتنياهو. علاوة على ذلك، كان نتنياهو ينظر إلى مرشديه، على غرار الرئيس السابق رؤوفين ريفلين، الذين ساهموا في وصوله إلى السلطة، باعتبارهم تهديدا له. وعندما ترشح ريفلين للرئاسة، شنّ رئيس الوزراء حملة فاشلة في نهاية المطاف لتخريب ترشيحه.
لا وجود لرؤية متماسكة
لا يكاد نتنياهو يتبنى برنامجا سياسيا متماسكا يمكن لمؤيديه الاحتشاد حوله. لقد اعتمد بشكل أساسي على أيديولوجية المستوطنين القومية المتطرفة التي تغلغلت في المجتمع الإسرائيلي وتهيمن في الوقت الراهن على مقاليد سلطة الدولة. وعمد نتنياهو إلى بناء عشرات الآلاف من المنازل الجديدة في المستوطنات. وفي ظل حكمه، استمر التطهير العرقي للفلسطينيين من أراضيهم في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية.
أصبح هدف نتنياهو، إلى جانب حماية رعاته من المستوطنين، تدمير أيّة إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، حيث نجح بالفعل في تحقيق هذه الغاية. في الوقت الراهن، لم يجعل أي حزب سياسي، حتى الأحزاب التي تزعم أنها يسارية، الحقوق الوطنية الفلسطينية على قائمة الأولويات. بالإضافة ذلك، كان السياسيون الوسطيون واليساريون يقللون من شأن مثل هذه الآراء. ونادرا ما تسمع عن دعمهم لرؤية حل الدولتين. وفي الحقيقة، تتمثّل الشخصيات الوحيدة التي تدعم هذه الحجة في الديموقراطيين الأمريكيين والصهاينة الليبراليّين واليهود الأمريكيون.
في سنة 2018، نادى نتنياهو بإقرار قانون الدولة القومية في الكنيست الذي يستبعد المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل” من اعتلاء أي مركز وطني رسمي. ولم تعد اللغة العربية لغة رسمية للدولة. منذ ذلك الحين، كان من المفترض أن تكون “إسرائيل” دولة لليهود فقط. بناء على ذلك، شعر الفلسطينيون، الذين أصبحوا مواطنين في الدولة سنة 1948، بالازدراء الشديد، نظرا لانتهاك حقوقهم.
يمكن للمرء أن يتتبّع أعمال الشغب، التي انتشرت كالنار في الهشيم في جميع أنحاء البلدات اليهودية الفلسطينية المختلطة في “إسرائيل” خلال الشهر الماضي. وفي إطار جهوده الطويلة الرامية لإحكام قبضته على السلطة، نجح نتنياهو في السيطرة على الكثير من وسائل الإعلام في البلاد. وشملت بعض هذه الجهود تنظيم صفقات قُدّمت فيها مكافأة مالية لمديري الشركات التنفيذيين على تفانيهم في تأمين تغطية سياسية مناسبة. في الوقت الراهن، يخضع نتنياهو للمحاكمة على ثلاث تهم جنائية منفصلة، ولو لا تشكيل الائتلاف الحاكم الجديد، لأجبره حكم الإدانة على الاستقالة.
أعداء خارجيون
على الصعيد الإقليمي، خلق الخوف الذي ولّده نتنياهو في صفوف الإسرائيليين من الأعداء الخارجيين إحساسا مصطنعا بالتماسك، مما سمح له بتوحيد البلاد في مواجهة مثل هذه القوى المعادية. لقد احتاج نتنياهو إلى أعداء مثل إيران وحماس وحزب الله من أجل الحفاظ على سيطرته على الناخبين الإسرائيليين من خلال إطلاق حملة إرهابية استمرت عقدا من الزمان ضدهم، وزعمه محاولة فرض الهيمنة الإقليمية.
إلى جانب ذلك، أصدر نتنياهو تعليمات للموساد تقضي بتخريب برنامج إيران النووي من خلال اغتيال العلماء وقصف القواعد الصاروخية والمنشآت النووية. كما أمر بشنّ غارات جوية على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا فضلا عن تنفيذ غارات ضد حزب الله، أحد الحلفاء الإقليميين الرئيسيين لطهران الذي قاتل بدوره إلى جانب قوات النظام السوري.
لوحة إعلانية من القائمة المشتركة تصور نتنياهو مع تعليق باللغة العربية، “أبو قانون القومية، وبيقولّك ” نهج جديد”، على مين؟” في قرية أم الفحم في 12 آذار/ مارس سنة 2021.
في سنة 2014، أطلق نتنياهو “عملية الجرف الصامد” لغزو قطاع غزة لقمع الهجمات الصاروخية ضد “إسرائيل”. وأدّت هذه العملية إلى مقتل أكثر من 2300 فلسطيني، أغلبهم من المدنيين. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم أدى إلى وقف إطلاق النار، إلا أنه لم يحلّ أيّا من القضايا الرئيسية المعلقة التي تفصل حماس عن “إسرائيل”.
خلال الشهر الماضي، وفي مواجهة هجوم جديد من صواريخ حماس التي أطلقتها الجماعة ردا على وحشية الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى وتضامنا مع العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح، شنّ نتنياهو مرة أخرى هجوما على غزة. هذه المرة، لم يستمرّ الهجوم العسكري سوى 11 يوما. في المقابل، لقي مئات الفلسطينيين حتفهم.
على عكس الهجمات السابقة، لم يقتنع الإسرائيليون والعالم بادعاءات نتنياهو التي أكد فيها دفاع “إسرائيل” عن نفسها ضد صواريخ حماس. بدلا من ذلك، اعتبروا أن الغارات الجوية الإسرائيلية الوحشية كانت بمثابة أعمال عدوانية ضد السكان المدنيين. ولم يكن للحرب هدف استراتيجي سوى المساعدة في إبقاء نتنياهو في السلطة، حيث لم يجرؤ خصومه السياسيون على التآمر ضده ما دامت البلاد في حالة حرب. وعندما انقلب العالم ضد “إسرائيل”، شعر الإسرائيليون أنفسهم باستياء تام من عدوانية نتنياهو ونزعته الحربية. وعلى وجه الخصوص، سئم الإسرائيليون من تهم الفساد المتعددة التي وجهها إليه المدعي العام.
إرث من الكراهية
لطالما كان نتنياهو يحظى بدعم أقلية قوية من الإسرائيليين الذين يؤمنون به بغض النظر عما يفعله، مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. في المقابل، لم يحظ بتأييد الأغلبية. بدلا من ذلك، تماما كما هو الحال بالنسبة لترامب، لا يثق ولا يحبّ أغلب الإسرائيليين نتنياهو. في المقابل، لم يكن ذلك كافيا لخلق معارضة موحدة قادرة على عزله من منصبه.
بقي نتنياهو متمسّكا بزمام السلطة قدر المستطاع ليس لأنه كان محبوبا، بل لأن المعارضة كانت مجزأة، ولم يكن هناك أي شخص قادر على الانتفاضة والحصول على الدعم الكافي للإطاحة به. ويعود ذلك جزئيا إلى نجاح نتنياهو في تشويه سمعة خصومه وتحويلهم إلى بضائع فاسدة.
ترك نتنياهو وراءه إرثا من الكراهية والخوف والخيانة. وهناك حطام هائل متناثر عبر المشهد السياسي، حيث أصبحت “إسرائيل” منقسمة أكثر من أي وقت مضى بين الأغنياء والفقراء والعلمانيين والمتدينين والفلسطينيين واليهود واليمين واليسار. وحتى مع وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة، لا تعد بإصلاح الضرر الذي أحدث نتنياهو، وذلك نظرا لأن التحالف نفسه يشكل مزيجا من الأحزاب السياسية ذات الأيديولوجيات والأجندات المتضاربة. كنتيجة لذلك، يتمثّل السؤال الذي يواجه “إسرائيل” وقادتها الجدد فيما إذا كان بإمكانهم إصلاح الضرر الذي تسبب فيه أو ما إذا كان نفوذه سيستمر، وستستمر البلاد في الانحدار نحو الحكم الاستبدادي الذي بدأه.
المصدر: ميدل إيست آي