ترجمة وتحرير نون بوست
كانت الإدارة الأمريكية تشيد بنفسها لما وصفته بدبلوماسية هادئة وصلبة لها الفضل في تأمين وقف إطلاق النار في غزة الشهر الماضي، وفقًا للبيانات الرسمية المسجلة والبيانات العامة، فإن الجهود المبذولة خلف الستار شاركت مصر فيها بقوة، تلك الحكومة التي وصف الرئيس الأمريكي بايدن زعيمها قبل فترة بأنه ديكتاتور دونالد ترامب المفضل.
بعد لقاء وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن بعبد الفتاح السيسي في القاهرة الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا تشيد فيه بالرئيس المصري.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: “لقد نقلت الخارجية إشادة الرئيس بايدن بالرئيس السيسي لجهود الوساطة الحاسمة التي بذلها من أجل وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس وبقية الفصائل في غزة، ولمساعدة مصر في إجلاء المواطنين الأمريكيين إلى بر الأمان”.
“كما أكدت الخارجية الشراكة الإستراتيجية القوية بين الولايات المتحدة ومصر، والتزام الرئيس بايدن بتلك العلاقة”.
مع عدم قدرة الولايات المتحدة التواصل مباشرة مع حماس التي وصفتها واشنطن بأنها جماعة إرهابية، فإنها اعتمدت على الدول العربية ومن بينها مصر لنقل رسالتها للجانب الفلسطيني في غزة، رغم أن القاهرة أدرجت حماس في قائمتها السوداء أيضًا.
طالب النشطاء بايدن باستخدام تلك المساعدات كأداة ضغط لدفع حكومة السيسي نحو إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان
قال رائد جرار مدير قسم المناصرة في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “DAWN” إنه لا يجب مسامحة السيسي على انتهاكه لحقوق الإنسان، بسبب دوره كرسول بين الإدارة الأمريكية والفصائل الفلسطينية.
وأضاف أن هذا النهج يسلط الضوء على السياسات الإدارية المعيبة لمصر و”إسرائيل”، كما قال: “الرئيس السيسي ليس بطلًا وليس صانع سلام، إن الطريقة الصحيحة لوصفه هو أنه ديكتاتور قاد انقلابًا دمويًا ارتُكبت فيه جرائم ضد الإنسانية ضد شعبه”.
استمرار المساعدة
يخشى المدافعون عن حقوق الإنسان من أن المصلحة الجيوسياسية طويلة المدى لواشنطن في الحفاظ على علاقات جيدة مع القاهرة – كما ظهر في أزمة غزة الأخيرة – قد يضعف من المطالبة بمزيد من مساءلة القاهرة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
يسعى اقتراح ميزانية البيت الأبيض للكونغرس العام المقبل للمطالبة بالمساعادات العسكرية السنوية المعتادة لمصر – 1.3 مليار دولار – دون أي تخفيضات أو شروط، في العام الماضي وبخ بايدن حكومة مصر لاعتقال وتهديد عائلات النشطاء المصريين ذوي الجنسية الأمريكية.
فقد غرد بايدن – عندما كان مرشحًا للرئاسة – على تويتر في يوليو/تموز 2020 قائلًا: “اعتقال وتعذيب ونفي النشطاء مثل سارة حجازي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول، لا مزيد من الشيكات البيضاء لدبكتاتور ترامب المفضل”.
تشاور الرئيسان بشأن الحاجة العاجلة لتوصيل مساعدات إنسانية للمحتاجين في غزة ودعم جهود إعادة الإعمار بطريقة يستفيد منها الناس هناك وليس حماس
كرئيس؛ تعهد بايدن باتباع سياسة خارجية تتمحور حول حقوق الإنسان، يقول سيث بيندر مسؤول المناصرة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط “Pomed“: “من الصعب تحقيق توافق بين أن تكون حقوق الإنسان مركزًا لعلاقاتك بينما تقدم في الوقت نفسه مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، ولا تضع حتى شروط لحقوق الإنسان مقابل ذلك”.
طالب النشطاء بايدن باستخدام تلك المساعدات كأداة ضغط لدفع حكومة السيسي نحو إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، لكن مع تعزيز مصر لدورها كوسيط مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن احتمالية تقييد أو وضع شروط للمساعدات لمصر أصبحت تتضاءل.
وبعد ذلك كله؛ فإن مساعدات واشنطن لمصر التي بدأت بعد تطبيع الحكومة المصرية مع “إسرائيل” مرتبطة أكثر بالجغرافيا السياسية عن حقوق الإنسان.
يقول مقطع من اقتراح ميزانية البيت الأبيض بشأن المساعدات للشرق الأوسط: “إن بناء وتعزيز شراكات أمنية دائمة مثل تلك العلاقات مع “إسرائيل” ومصر والأردن، مهمة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وردع العدوان والحد من تهديد مصالح الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة”.
عندما تحدث بايدن نفسه مع السيسي الشهر الماضي، كان الحديث عن قضايا حقوق الإنسان متأخرًا حيث ظهرت كسطر عابر في البيان الذي أطلقه البيت الأبيض، يقول البيان: “يشكر الرئيس بايدن مصر على دبلوماسيتها الناجحة وتعاونها مع الولايات المتحدة لإنهاء القتال الأخير بين “إسرائيل” وحماس وضمان عدم تكرار العنف”.
“تشاور الرئيسان حول الحاجة العاجلة لتوصيل مساعدات إنسانية للمحتاجين في غزة ودعم جهود إعادة الإعمار بطريقة يستفيد منها الناس هناك وليس حماس”، كما ناقشا أزمة سد النهضة الإثيوبي والأزمة الليبية ودعم العراق وفقًا لبيان البيت الأبيض.
تقول الجملة الثانية قبل الأخيرة في البيان: “يشدد الرئيس بايدن على أهمية وجود حوار بنّاء بشأن حقوق الإنسان في مصر”.
لهجة مختلفة
بعد لقاء بلينكن بالسيسي بعدة أيام، لم تُذكر حقوق الإنسان حتى آخر جملة في بيان وزارة الخارجية: “تؤكد وزارة الخارجية على أهمية حقوق الإنسان ويتفق الرئيسان على المشاركة في حوار بنّاء”
يبدو أن علاقات واشنطن الحميمية مع الحكام المستبدين لمصر كانت سابقة لترامب ويبدو أنها مستمرة بعده
على النقيض تمامًا؛ عندما تحدث بلينكن مع نظيره المصري سامح شكري في شهر فبراير/شباط، قال بيان وزارة الخارجية: “يشعر وزير الخارجية بالقلق إزاء حقوق الإنسان ويؤكد أنها ستكون محورية في العلاقة الثنائية بين مصر والولايات المتحدة”.
قال بيندر إن إدارة بايدن غيرت من لهجتها تجاه مصر منذ أزمة غزة، وأضاف “كان هناك تغيير واضح في الخطاب، يبدو أنه يرسل إشارة واضحة إلى أن تلك القضايا لها السبق وأن حقوق الإنسان ليست محورية تمامًا كما يرغب دعاة حقوق الإنسان”.
منذ صعوده إلى السلطة في انقلاب 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا محمد مرسي، حكم السيسي مصر بقبضة من حديد، واعتقل عشرات آلاف المعارضين، وحظر كل أشكال المعارضة السياسية.
خلال فترة حكمه أشاد ترامب بالسيسي دائمًا مما أثار غضب الديمقراطيين الذين اتهموه حينها بالمساومة بالقيم الأمريكية، لكن يبدو أن علاقات واشنطن الحميمية مع الحكام المستبدين لمصر كانت سابقة لترامب ويبدو أنها مستمرة بعده.
يقول بيندر إن هناك مخاوف حقيقية بشأن حقوق الإنسان في مصر بين المشرعين الديمقراطيين، مما يشير إلى استمرار الضغط أثناء ولاية بايدن، وسلط الضوء على كتلة حقوق الإنسان المصرية في الكونغرس التي تشكلت بعد أيام من تولي بايدن الرئاسة في بداية هذا العام.
وأضاف بيندر بشأن دفاع الديمقراطيين عن حقوق الإنسان: “لم يكن هذا الأمر ردًا سياسيًا على إدارة ترامب”.
المصدر: ميدل إيست آي