خرج حزب العدالة والتنمية مشككًا في مصداقية الاستحقاقات الانتخابية التي أضحى موعدها وشيكًا، وهي ليست المرة الأولى التي يتهم فيها وزارة الداخلية، المشرفة على الاقتراع، بدعم مرشحين منافسين في مناطق مختلفة من المغرب.
بخُفي حنين رجع هذا الحزب الإسلامي من معركة إسقاط القاسم الانتخابي، بعدما أيدت المحكمة الدستورية مشروعية هذا القانون التنظيمي، الذي لن يسلب من الإسلاميين مقاعد في البرلمان فقط، لكن حتى لو تصدروا الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي سيكون من الصعب عليهم تشكيل ائتلاف حكومي، لأن أحزابًا عديدةً ستحصل على فرصة ولوج البرلمان لأول مرة.
واجه العدالة والتنمية انتقادات شديدة من أحزاب منافسة، بعدما وجد نفسه وحيدًا رافضًا هذا القاسم الانتخابي الجديد، وينص على قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد عوضًا عن عدد الأصوات الصحيحة.
اعتبر إخوان العدالة والتنمية أن هذا القانون يستهدفهم، وطعنوا في دستوريته واعتبروه انتكاسةً ديمقراطيةً، لكن المحكمة الدستورية التي تنظر في مطابقة القوانين لمقتضيات الدستور، أقرت أن هذا القانون المثير للجدل لا يخالف الدستور.
“العجيب الغريب”
يزعم العدالة والتنمية أن بعض أعضائه جرى استهدافهم من خلال متابعات قضائية بناء على “شكايات كيدية” كما وصفها، وأنه في بعض الحالات تعرض مناضلو الحزب إلى الضغط والتخويف من الترشح.
الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية محمد أمكراز، اعتبر أن الهجوم الإعلامي والإشاعات التي يتعرض لها حزب “المصباح” غير مسبوقة في تاريخ الأحزاب المشاركة في الحكومة، مبينًا أنه “لم يتعرض أي حزب مشارك في الحكومة للقصف الذي تعرض له حزب العدالة والتنمية”.
سيكون الإسلاميون على موعد مع الاختبار الأصعب قريبًا، فالانتخابات وحدها هي مقياس مستوى الشعبية
قول آخر ذهب إلى وصفه بالحزب “العجيب والغريب”، كالذي ورد في كلام عضو الأمانة العامة عزيز رباح، مبرزًا أن حزبه “يزداد قوةً ونشاطًا بعدما اجتمع على محاربته الجميع بالمال والإعلام، واجتمع عليه القاسم الانتخابي وإلغاء العتبة”.
ويبدو الأمين العام سعد الدين العثماني واثقًا من تصدر حزبه للخريطة الانتخابية، لأنه وحسبه “ما زال يحتفظ بشعبية تؤهله للفوز بالاستحقاقات، على الرغم من التشويش والأخبار الزائفة التي يتم نشرها عنه”.
بغض النظر عن أن فقدان الشعبية حقيقة قائمة أو مجرد إشاعة حسب ما أبداه العثماني وهو في حالة انتشاء من التفاؤل، سيكون الإسلاميون على موعد مع الاختبار الأصعب قريبًا، فالانتخابات وحدها هي مقياس مستوى الشعبية.
بيت متهالك
من جهة أخرى، لا يمكن التغافل عن الخلافات القوية الداخلية التي طفت على السطح منذ توقيع المغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” بتاريخ 22 من ديسمبر/كانون الأول 2020.
ما زاد من تعميق هذه الأزمة إعلان رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران تجميد عضويته في حزبه في 11 من مارس/آذار 2021، وذلك احتجاجًا على مصادقة الحكومة على تشريع زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وتجميلية وليس للاستعمالات الترفيهية.
وقبل ذلك بوقت وجيز، أي في نهاية فبراير/شباط، قدم رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وعمدة مدينة فاس إدريس الأزمي الإدريسي استقالته، بسبب الاحباط واليأس من المسار الذي انتهجته هيئته السياسية، منتقدًا أداء الحكومة وقيادات الحزب، لكن طلب الاستقالة هذا قوبل بالرفض.
وفي نفس الفترة أعلن المصطفى الرميد الوزير المكلف بالعلاقات بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان وأحد أبرز الوجوه القيادية التاريخية في الحركة الإسلامية، استقالته بسبب المرض – كما قال – لكن على ما يبدو أنه لم يعد راضيًا عن حزبه، لكنه عاد وسحب هذه الاستقالة مباشرة بعدما تلقى اتصالًا من العاهل المغربي محمد السادس ليعبر له عن تمسكه باستمرار وزير دولته في تحمل المسؤولية.
أيضًا أعلن المقرئ الإدريسي أبو زيد، أبرز قياديي العدالة والتنمية والمعروف بنشاطاته المناصرة للقضية الفلسطينية والمناهضة للتطبيع، تجميد عضويته، احتجاجًا على ضمور قضايا الهوية والمرجعية الإسلامية في خطاب الحزب ومواقفه وقراراته.
منذ وقت طويل وبيت العدالة والتنمية منشق إلى تيارين: الأول من الموالين لبنكيران، بينما تيار الوزراء يتزعمه العثماني، وحرب التزكيات ستندلع لا محالة بين هذا التيار وذاك
مهما تسترت القيادة على الخلافات الداخلية، بالادعاء أن الحزب تجاوزها وأضحى متماسكًا وأكثر قوةً من السابق، لا بد أن يهتز البيت الداخلي مجددًا على وقع سجال مستقبلًا، فمنذ وقت طويل وبيت العدالة والتنمية منشق إلى تيارين: الأول من الموالين لبنكيران، بينما تيار الوزراء يتزعمه العثماني، وحرب التزكيات ستندلع لا محالة بين هذا التيار وذاك، فكل منهم سيرغب بفرض مرشح يواليه.
استمالة التعاطف
أملًا في كسب تعاطف الناخبين، يشرع الإسلاميون في ترديد خطاب المظلومية كلما اقترب موعد الانتخابات، وأن أجهزة الدولة تستهدفهم ليل نهار، وسبق له أن تصدر الانتخابات مرتين تباعًا، ويبدو الآن واثقًا من اكتساحه للمرة الثالثة، ومع ذلك يزعم هذا الحزب أن وزارة الداخلية توجه سهامها نحوه.
بناءً على ذلك دعت الأمانة العامة لحزب “المصباح” وزارة الداخلية لالتزام بأقصى درجات الحياد خلال هذه المرحلة وأخذ نفس المسافة من جميع الأطراف والابتعاد عن أي شكل من أشكال التدخل في عمليات التوجيه للترشيح لصالح هذا الحزب أو ذاك، وتحمل مسؤوليتها في وقف كل أشكال التدخل القبلي في العملية الانتخابية.
ورد هذا مباشرة بعدما برأت وزارة الداخلية حزب التجمع الوطني للأحرار من التوظيف السياسي لعمليات التضامن الإحساني، بعد الجدل الذي أثارته سابقًا تنظيمات سياسية، ضمنها العدالة والتنمية، بشأن استغلال حزب الأحرار قفة رمضان.
في جواب عن سؤال بالبرلمان تقدم به نواب العدالة والتنمية، قال نور الدين بوطيب، الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية: “المعطيات المتوافرة لدى الوزارة تؤكد أنه لم يتم تسجيل قيام أي حزب أو هيئة سياسية بمبادرة للإحسان العمومي بصفة حزبية من قبيل توزيع القفف وغيره”.
التوظيف السياسي للإحسان العمومي هي تجارة اشتهر بها الإسلاميون أكثر من غيرهم، من خلال نسيج من الجمعيات المقربة من العدالة والتنمية، يستغل الناشطون فيها الشعور الديني للتخصص في العمل الاجتماعي وتكوين شبكة العلاقات المبنية على تقديم المساعدات لتحقيق أهداف سياسية.