منذ مطلع شهر مايو/أيار الماضي بدأت أنظار العالم تتجه نحو الهند بعد التحذيرات التي أطلقها الأطباء هناك مع بداية انتشار الإصابة بالفطر الأسود بين مرضى COVID19، وبدأت الصور المرعبة التي يحدثها الفطر أو العفن الأسود في أجساد المرضى تجتاح الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي لتحدث حالة هلع بين الناس من تفشي المرض عالميًا.
اليوم نحاول الوقوف عند هذا المرض وتفاصيل الإصابة به، وهل المخاوف المثارة بشأنه حقيقية؟ وما الرابط بين مرضى كوفيد-19 والفطر الأسود؟
بداية ما هو الفطر الأسود؟
الفطر الأسود أو العفن الأسود أو فطر الأغشية المخاطية Mucormycosis هو عدوى فطرية نادرة الحدوث لكن خطيرة، تصيب الجيوب الأنفية والرئتين والدماغ والجلد والأمعاء في الأشخاص ذوي المناعة المنخفضة والضعيفة في الغالب (مرضى السكري خاصة عندما لا يكون تحت السيطرة ومرضى فيروس نقص المناعة البشرية ومرضى السرطان ومرضى زراعة الأعضاء والمرضى الذين يستخدمون علاج الستيرويد لفترات طويلة).
يُصاب الإنسان بالعدوى عن طريق استنشاق أبواغ الفطر أو تناول الأطعمة الملوثة أو عن طريق الجروح الملوثة، إذ يوجد العفن الأسود في البيئات الرطبة مثل التربة والمواد العضوية المتحللة وروث الحيوانات.
تختلف الأعراض باختلاف منطقة الإصابة، لكن غالبًا ما تبدأ من العين أو الأنف أو الجيوب الأنفية وتمتد إلى الدماغ، وتظهر بشكل آلام في الوجه أو صداع من جانب واحد وفقدان حاسة الشم أو أسوداد في مدخل الأنف أو الجزء العلوي من الفم وضبابية الرؤية، أو قد تظهر الأعراض بشكل ألم أو فقدان الأسنان.
الرابط المشترك بين كل المصابين بأعراض الفطر الأسود أنه تم تشخيصهم سابقًا بكوفيد-19، ما أعطى الأطباء لمحة عن وجود عدوى انتهازية تستهدف المرضى ذوي المناعة الضعيفة
في حال إصابة الرئة تبدأ أعراض الحمى والسعال وصعوبة التنفس وألم الصدر، أما آلام البطن والغثيان والقيء تبدأ في الظهور حال إصابة الأمعاء بالفطر الأسود.
علاقة الفطر الأسود بكورونا
مطلع الشهر الماضي، بدأ الأطباء في مستشفيات ولايتي ماهاراشترا وجوجارات غرب الهند يسجلون أعراضًا جديدةً غير أعراض الكوفيد-19 الكلاسيكية شملت آلام وإحساس بالضغط خلف العين وعظام الوجنتين، حيث تم تسجيل أكثر من 12000 حالة إصابة بالفطر الأسود خلال الشهر الماضي في الهند.
ورغم كون تشخيص الإصابة بادئ الأمر كان يشكل تحديًا، لكن كان الرابط المشترك بين كل المصابين بأعراض الفطر الأسود أنه تم تشخيصهم سابقًا بكوفيد-19، ما أعطى الأطباء لمحة عن وجود عدوى انتهازية تستهدف المرضى ذوي المناعة الضعيفة.
تكمن الإشكالية الكبرى في مرضى كوفيد-19 بوجود اعتلال في الرئة يجعلها أكثر عرضة للإصابة، بالإضافة إلى استخدام جرعات عالية من الستيرويدات وهو نوع من الأدوية التي استخدمت في علاج حالات كوفيد-19 الذي يعمل على إضعاف مناعة الجسم بشكل عام ما يزيد احتمالية الإصابة بالفطر الأسود.
يقول أرتورو كاساديفال، الطبيب وعالم الأحياء الدقيقة الجزيئية في كلية جونز هوبكنز: “أبواغ الفطريات موجودة في كل مكان، لكن لرئاتنا السليمة القدرة على تطهير المجرى التنفسي بكفاءة عالية، لكن الإصابة بكوفيد-19 تضر الرئة، وبذلك يصبح الجسم أمام ضربة مزدوجة: انخفاض القدرة على تطهير الجراثيم بشكل طبيعي وانخفاض الاستجابة المناعية نتيجة استخدام الستيرويد”.
بعد الإصابة ينتشر الفطر بسرعة كبيرة وغالبًا ما يمتد إلى العين وينتهي به المطاف إلى الدماغ، ويشكل العلاج تحديًا كبيرًا، إذ يتطلب في الغالب فريقًا طبيًا متعدد الاختصاصات (طبيب مختص في علم الأحياء الدقيقة والطب الباطني وجراحة الأعصاب والأنف والأذن والحنجرة).
جائحة كورونا التي غيرت إدراك سكان الكوكب لمفاهيم المرض والوقاية والصحة أضافت أيضًا شيئًا من القلق من احتمالية تفشي أوبئة أخرى ومخاوف متزايدة عن احتمالية تفشي الفطر الأسود كوباء، هنا لا بد من الإشارة إلى حقائق علمية مطمئنة بعض الشيء بهذا الخصوص، أولها أن الفطر الأسود مرض ليس معديًا، ما يعني أنه لا يمكن أن ينتشر عن طريق الاتصال بين البشر أو الحيوانات، وثانيها أن معدلات الإصابة بالمرض منخفضة، إذ تشير الأرقام إلى احتمالية إصابة تقل عن إصابتين لكل مليون نسمة.
لا يزال الحديث عن احتمالية تفشي الفطر الأسود كوباء توقعات مبالغ فيها، لكن يبقى الترقب وأخذ الحذر في هذه الأيام هو الأكثر واقعية
لكن لا تزال المخاوف قائمةً لأسباب عدة، أبرزها: نسبة وفيات مرتفعة تزيد على 50% وترتفع هذه النسبة إلى 80% حال التأخر في تلقي العلاج، وصعوبة التشخيص وعدم إمكانيته إلا بأخذ خزعة فلا يوجد تحليل دم باستطاعته كشف الإصابة، وصعوبة العلاج بسبب كلفته العالية، إذ يحتاج كل مريض مصاب بالعفن الأسود لما يقارب 400 دولار يوميًا وصعوبة توفيره، والحاجة إلى استخدام علاجات ذات مفعول قوي تحمل العديد من الآثار الجانبية التي قد تؤثر بشكل خطير على الكلية وقد تحدث اختلالًا عصبيًا أو ربما سكتة دماغية ولا يمكن إعطاء هذه الأدوية إلا تحت مراقبة طبية خاصة ضمن المستشفيات، والحاجة في الغالب إلى التدخل الجراحي لرفع النسيج المتعفن خطوة أساسية في العلاج ما يتطلب أكثر من تخصص طبي لمتابعة كل مريض، هذا بالإضافة إلى مدة علاج طويلة تستغرق ما لا يقل عن أسبوعين يتوجب فيها على المريض البقاء في المشفى لتلقي العلاج.
ويبقى المثل “درهم وقاية خير من قنطار علاج” النصيحة الذهبية للوقاية من الفطر الأسود، إذ تتمثل الوقاية بالخطوات العامة من حيث الحفاظ على النظافة وتجنب الأماكن التي تحوي أتربة وغبار وضرورة الالتزام باستخدام الكمامة، وللأشخاص المصابين بأمراض تُضعف جهاز المناعة لمرضى السكري أو المصابين بأمراض مزمنة تستدعي استخدامهم لعلاج الستيرويد لا بد من أخذ محاذير إضافية كارتداء الأحذية المغلقة والقفازات والسراويل الطويلة للحفاظ على الجلد من احتمالية التقاط العدوى.
في ظل المعطيات السابقة، لا يزال الحديث عن احتمالية تفشي الفطر الأسود كوباء توقعات مبالغ فيها، لكن يبقى الترقب وأخذ الحذر في هذه الأيام هو الأكثر واقعية.