الانتخابات الإيرانية.. الاقتصاد فرس الرهان

الانتخابات الإيرانية

استهل المرشحون للانتخابات الرئاسية في إيران، المزمع عقدها في 18 من يونيو/حزيران الحاليّ، مناظرتهم الأولى التي عقدت أمس السبت، بتبادل الاتهامات التي وصلت في بعض الأحيان إلى التراشق بالألفاظ واستخدام لغة المعايرة والتهديد كأداة خطاب محورية في هذا اللقاء المثير للجدل.

وتعد تلك المناظرة الأولى من بين 3 مناظرات استعدادًا للانتخابات التي شغلت الأوساط السياسية والإعلامية، داخل إيران وخارجها، لما تمثله من مرحلة فارقة في تاريخ البلاد في وقت تتصاعد فيه حدة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية، التي تشكل السلطة الحاكمة في إيران ضلعًا أساسيًا فيها.

وبعيدًا عن الانتخابات الـ12 الماضية التي كانت السياسة وملف العلاقات مع الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة محورها الأساسي، فإن الانتخابات الحاليّة تأتي تحت شعار “الاقتصاد أولًا” في ظل المأزق الاقتصادي الذي تعيش فيه البلاد جراء العقوبات المفروضة عليها، الذي ألقى بظلاله على خيارات الناخبين في المقام الأول.

وقد استقر مجلس صيانة الدستور على 7 مرشحين فقط لخوض تلك الانتخابات، من أصل نحو 600 شخص تقدموا بترشيحهم لخوض هذا الماراثون، وسط تباين في وجهات النظر حيال معدلات الإقبال التي من المرجح أن تتأثر بشكل كبير بالوضع المعيشي المتدني وفقدان الثقة بشكل ملحوظ في مثل تلك الممارسات التي تقود في النهاية إلى ذات النتائج وإن تغيرت المسميات.

المرشحون السبع.. علامات استفهام

بعد استبعادات بالجملة، أبرزها مستشار المرشد الأعلى علي لاريحاني والرئيس الأسبق أحمدي نجاد وإسحاق جهانغيري نائب الرئيس المنتهية ولايته، وسط تساؤلات عن معايير الاختيار وشروط القبول ومبررات الاستبعاد، اكتفى المجلس باختيار 7 مرشحين فقط، منهم خمسة ما بين محافظين متشددين وأقل تشددًا، ومعتدلان غير بارزين.

يتصدر القائمة، الرئيس الحاليّ للسلطة القضائية في إيران، إبراهيم رئيسي، رجل الدين السياسي المحافظ، الذي شغل منصب النائب الأول للسلطة القضائية واستمر فيه مدة 10 سنوات، وعيّنه المرشد الأعلى رئيسًا للقضاء عام 2019، وجاء ترتيبه في المركز الثاني بعد حسن روحاني في انتخابات 2017.

ثم يأتي محسن رضائي، المحافظ المتشدد، الذي عينه المرشد السابق آية الله الخميني في قيادة الحرس الثوري عام 1981، ثم عينه المرشد الحاليّ على خامنئي عضوًا وسكرتيرًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام، بعد استقالته من الحرس، وشارك في الانتخابات الرئاسية مرتين، الأولى في 2009 وحل ثالثًا، ثم 2013 وأخفق في الحصول على الأصوات المطلوبة.

أما سعيد جليلي، ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي منذ 2008، وعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ عام 2013، وكذلك عضو المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، فهو من المحافظين وإن كان أقل تشدددًا، وقد ترشح في انتخابات 2013 وحل ثالثًا بأكثر من 4 ملايين صوت.

“المسار الذي اتخذه مجلس صيانة الدستور مرارًا وتكرارًا في مواجهة الانتخابات والمؤسسات المنتخبة لم ينتهك الحق في الاختيار الحر للمواطنين والسيادة الوطنية فقط بل جعل الانتخابات أيضًا بلا معنى”، المتحدثة باسم جبهة الإصلاحات في إيران آذر منصوري

كذلك السياسي الأصولي المعروف علي رضا زاكاني، البرلماني المخضرم، الذي مثل طهران في الدورات السابعة والثامنة والتاسعة لمجلس الشورى (البرلمان)، وكذلك ممثل مدينة قم في الدورة 11 (الدورة الحاليّة)، وهو رئيس مركز أبحاث البرلمان الحاليّ، ورغم ترشحه في انتخابات 2013 و2017، فقد استبعد بفرمان من مجلس صيانة الدستور.

ويأتي على رأس المعتدلين، الأستاذ في جامعة طهران، عبد الناصر همتي، المحافظ الحاليّ للمصرف المركزي الإيراني، الذي بدأ نشاطه السايسي في هيئة الإذاعة والتليفزيون عام 1980، كذلك شغل منصب رئيس التأمين المركزي في إيران من 1994 إلى 2006.

يرافقه في تلك الجولة الطبيب والسياسي أمير حسين قاضي زاده هاشمي، النائب الأول لرئيس مجلس الشوري، والرئيس الأسبق جامعة سمنان (شرق طهران) للعلوم الطبية، كما كان المتحدث باسم جبهة بايداري (جبهة ثبات الثورة الإسلامية وهي جماعة سياسية محافظة) من 2013 إلى 2014.

وفي الأخير هناك السياسي الإصلاحي المعروف، محسن مهر علي زاده، الذي شارك في الانتخابات الرئاسية عام 2005، وحاز المركز الرابع، فيما استبعد من انتخابات 2015، وقد شغل عدة مناصب أبرزها نائب وزير الصناعة (1985-1990) ونائب منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (1993-1995).

أثارت تلك الاختيارات العديد من الانتقادت، لا سيما الأسماء المستبعدة، فقد علقت المتحدثة باسم جبهة الإصلاحات في إيران، آذر منصوري قائلة: “المسار الذي اتخذه مجلس صيانة الدستور مرارًا وتكرارًا في مواجهة الانتخابات والمؤسسات المنتخبة لم ينتهك الحق في الاختيار الحر للمواطنين والسيادة الوطنية فقط بل جعل الانتخابات أيضًا بلا معنى”.

الاحتجاجات على آلية الاختيار جاءت من داخل مجلس صيانة الدستور كذلك، فها هو عضو المجلس صادق آملي، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، غرد عبر تويتر، قائلًا: “مرّ ما يقارب 20 عامًا على عملي في مجلس صيانة الدستور لكنني لم أجد قط قرارات المجلس التي لا يمكن الدفاع عنها إلى هذا الحد”، مرجعًا ما حدث إلى تدخلات الأجهزة الأمنية في تلك الاختيارات عبر التقارير الأمنية التي وصفها بـ”غير الواقعية”.

الانتخابات الإيرانية

الاقتصاد.. فرس الرهان

تعاني إيران من أزمات اقتصادية طاحنة جراء العقوبات الأمريكية التي حرمت البلاد من 50 مليار دولار من الإيرادات سنويًا، هذا بجانب تجاوز عجز الموازنة العامة ليصل إلى 58 مليار دولار العام الماضي، في الوقت الذي قفز فيه الدين الحكومي ليصل إلى 258 مليار دولار، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وبالتوازي مع ذلك فقد انهارت العملة المحلية ليصل الدولار الأمريكي الواحد إلى أكثر من 300 ألف ريال إيراني في السوق السوداء، فيما توقف السعر في البنك المركزي عند حاجز 24 ألف ريال للدولار، وتهاوى الاحتياطي النقدي إلى 85 مليار دولار العام الماضي.

هذه الأرضية الاقتصادية المأزومة انعكست بطبيعة الحال على المستوى المعيشي للمواطن، فقد ارتفع معدل البطالة أيضًا من 10.82% في 2020 إلى 11.24% في 2021، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، فيما قفز معدل التضخم من 36.5% في 2020 إلى 39% في 2021، هذا في الوقت الذي انضم فيه الملايين من أبناء الطبقة المتوسطة والمحدودة إلى قوائم الفقراء التي يقبع بها ما يزيد على 50% من الإيرانيين.

فقدان الثقة في شفافية ونزاهة العملية الانتخابية برمتها، وراء ترجيح تراجع معدلات المشاركة الشعبية، فاستبعاد أسماء بعينها وتمرير أخرى أثار الشكوك عن نوايا يراها البعض غير جيدة فيما يتعلق بإدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة

وانطلاقًا من تلك الظرفية الصعبة، التي كانت وراء عشرات الاحتجاجات الشعبية، انبرى المرشحون لا سيما المتشددين منهم في توجيه الاتهامات لحكومة روحاني، محملين إياها مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية المتدنية، فقد تعهد مرشح الحرس الثوري محسن رضائي، بمحاكمة علي همتي رئيس البنك المركزي، قائلًا: “إذا أصبحت رئيسًا فسأفرض حظرًا على همتي وعدد آخر من المسؤولين في حكومة روحاني، وسأمنعهم من مغادرة البلاد، وسوف أثبت في المحكمة الأدوار الخائنة التي أدوها”، وهو موقف زميله إبراهيم رئيسي، الذي شن هجومًا على روحاني بسبب التضخم المتسارع والهبوط السريع في قيمة العملة الإيرانية.

وفي المقابل اتهم هيمتي غلاة المحافظين بأنهم السبب وراء تقويض اقتصاد البلاد من خلال سياسة العزلة التي ينتهجونها في التعامل مع العالم الخارجي، قائلًا وهو الخبير الاقتصادي المعروف: “لقد أغلقتم اقتصادنا واتصالاتنا الخارجية.. أطالبك أنت وأصدقاءك.. أرجوكم.. اتركوا اقتصادنا وعندئذ سيتحسن الاقتصاد الإيراني بكل تأكيد”.

الرأي ذاته تبناه الاقتصادي المعتدل علي زادة، الذي هاجم المحافظين قائلًا: “الاقتصاد لا يمكن أن يديره أولئك الذين يحملون فقط شهادات تقليدية في العلوم الدينية مثل رئيسي”، مضيفًا “كل ما لديك ست سنوات من التعليم التقليدي، ومع احترامي لدراساتك الدينية، لا بد أن أقول إن المرء لا يمكنه أن يدير الاقتصاد ويرسم الخطط للدولة بهذا القدر من التعليم”.

شكوك بشأن نسب الإقبال

رغم التحديات الراهنة التي تواجهها إيران، سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي، وما تتطلبه من ضرورة تغيير المنهجية التي تدار بها البلاد، فإن معظم استطلاعات الرأي تذهب إلى أن الانتخابات المقبلة ربما تكون الأقل فيما يتعلق بنسب الإقبال، فوفق استطلاع أجراه مركز إيسبا (مركز طلاب إيران لاستطلاع الرأي) فإن 36% ممن تمت مقابلتهم سيصوتون في الانتخابات الرئاسية.

وبالعودة إلى الانتخابات السابقة نلاحظ حجم الفارق الكبير في نسب الإقبال، البداية كانت في انتخابات 1980 إذ بلغت نسبة الإقبال 67.5% وفي 1985 بلغت 54.8%، وفي 1989 بلغت 54.6% فيما تجاوزت 50.7% في انتخابات 1993، مقارنة بـ80 و68% في انتخابات 1997 و2001 على التوالي، بينما استقرت عند حاجز الـ73% خلال انتخابات 2013 و2017.

البعض يرى أن السياسة الداخلية والأوضاع الصعبة التي تواجهها البلاد على المستوى السياسي والاقتصادي ربما تكون الدافع وراء تراجع معدلات المشاركة، وهو ما ذهب إليه المحلل السياسي والخبير الإعلامي علي أصغر شفيعيان، الذي يعتبر أن تقييم الناس للنتائج دون أسلوب الإدارة أو العمل ربما يكون مؤثرًا على قرار المشاركة.

وأضاف “الصراع والمهاجمة بين الفصائل السياسية الداخلية، وكذلك طريقة اختيار واستبعاد مرشحي الرئاسة من مختلف التيارات السياسية من مجلس صيانة الدستور، كلها لها تأثير في قرار الشعب للمشاركة” بحسب تصريحاته لـ”الجزيرة نت“.

فريق آخر ذهب إلى أن فقدان الثقة في شفافية ونزاهة العملية الانتخابية برمتها، وراء ترجيح تراجع معدلات المشاركة الشعبية، فاستبعاد أسماء بعينها وتمرير أخرى أثار الشكوك عن نوايا يراها البعض غير جيدة فيما يتعلق بإدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة رغم ثقل وخطورة التحديات التي تواجهها.