ترجمة وتحرير: نون بوست
أمضى الأمير عبد العزيز بن سلمان من المملكة العربية السعودية معظم حياته الراشدة منتظرًا تولي منصب وزير الطاقة. وبعد ستة أيام من تولّيه هذا المنصب، انخفض إنتاج المملكة من النفط إلى النصف بسبب سلسلة من هجمات الطائرات دون طيار والصواريخ التي أشعلت النيران في أكبر منشأة لمعالجة النفط الخام في العالم. وكان الهجوم على بقيق في أيلول/ سبتمبر سنة 2019، الذي ألقت الرياض وواشنطن باللوم فيه على إيران، كان بمثابة اختبار مبكّر للأمير عبد العزيز، نجل الملك سلمان والأخ غير الشقيق لولي عهد المملكة سيئ السمعة، محمد بن سلمان.
نتيجة للهجوم، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 20 بالمئة، حيث ركب الأمير على متن طائرة خاصة من لندن إلى المنطقة الشرقية في السعودية، وسرعان ما أعلن أن المملكة ستكون قادرة على الحفاظ على إمدادات النفط بينما تقوم بإصلاح الأضرار. بذلك، شهد تجار النفط انعكاس الأسعار من جديد. ولربما كان الأمير عبد العزيز محظوظا في هذه الحالة، إلا أن الاختبارات لم تكد تتوقّف منذ ذلك الحين.
في أقل من سنتين، توجّب على عبد العزيز اجتياز محن متمثلة بإدراج شركة أرامكو السعودية المثير للجدل في السوق العالمية في أواخر سنة 2019، وتفشي جائحة كوفيد-19، وحرب أسعار لاحقة قصيرة الأمد مع روسيا، ثم قيام الرئيس دونالد ترامب بمطالبة المملكة بعكس مسارها وقيادة خفض قياسي في إنتاج النفط العالمي.
يزعم أنصاره أن الأمير البالغ من العمر 61 سنة، الذي تزوج منذ 34 سنة ولديه ثلاثة أطفال في العشرينات من العمر، أثبت أنه على قدر المهمة. من جانبه، قال بسام فتوح من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، الذي يضم مجلس إدارته الأمير عبد العزيز، إنه “لولا خبرته، لكانت طغت أي من هذه الأحداث على وزير الطاقة”. وبالنسبة لمنتقديه، يتّسم الأمير عبد العزيز ببعض العيوب، بما في ذلك التقليل من أهمية اثنين من أكبر الاختبارات التي تتربص في الخلفية، أولهما ارتفاع أسعار النفط، إذ ارتفع خام برنت إلى ما يزيد عن 70 دولارًا للبرميل هذا الأسبوع، وذلك لا يلقى ترحيبا على الصعيد العالمي مع عودة تجلي مخاوف التضخم في الأفق.
ليس بإمكانك أبدًا أن تعلم أي وجه من عبد العزيز ستحصل عليه، حيث يكون في بعض الاجتماعات في مزاج بهيج وودود. أما خلال لقاءات أخرى، يفقد عبد العزيز كل المنطق ضد بلدان معينة
يتمثّل الاختبار الثاني في استبعاده هذا الأسبوع “لخارطة الطريق” التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية لمستقبل صافي الانبعاثات، ووصفه بالمنبثق من أرض الأحلام، مما وضع الأمير على خلاف مع المشاعر المتغيرة في صناعة باتت تأخذ تغير المناخ على محمل الجد. وفي مثل هذه اللحظات، كثيرًا ما يتعثر زيف حديثه الدبلوماسي الهادئ ليكشف عن استجابة متغطرسة وحادة اللسان للنقد أو الشك أكثر توافقا مع مكانته الملكية.
في هذا الإطار، قال أحد المندوبين المخضرمين في “أوبك” إنه “ليس بإمكانك أبدًا أن تعلم أي وجه من عبد العزيز ستحصل عليه، حيث يكون في بعض الاجتماعات في مزاج بهيج وودود. أما خلال لقاءات أخرى، يفقد عبد العزيز كل المنطق ضد بلدان معينة”. عموما، يتمتع الأمير النحيف والمرتدي نظارات طبية بمظهر أكاديمي، ويقدم نفسه على أنه مفاوض متواضع على الرغم من مهارته ورغبته في إنشاء توافق في الآراء. قال المقربون منه إن سنوات العمل لدى شخصيات تكنوقراطية مثل الوزيرين السابقين علي النعيمي وخالد الفالح هي علامة دالة على مزاجه على الرغم من كونه أميرًا يتمتع بامتيازات كبيرة.
مع ذلك، يستمتع عبد العزيز بالأضواء في المؤتمرات الصحفية ويستغلّ مكانته كرئيس فعلي لمنظمة أوبك وعلى اتصال مباشر مع آل سعود للحصول على مبتغاه. خلال السنة الماضية، حذّر الأمير التجّار الذين تجرؤوا على المراهنة ضد سياسة النفط السعودية من أنهم “سيتألمون كما لو أنهم في الجحيم”. كما حثّ الأمير أعضاء أوبك الآخرين على زيادة الالتزام بصفقات التوريد.
في المقابل، يُثني عبد العزيز على أولئك الذين يفعلون ذلك، حيث استهل أحد اجتماعات أوبك مع جولة من التصفيق للعراق، المتقاعس بشكل متكرر، بعد أن اقترب من تحقيق أهدافه. في هذا الصدد، قال رئيس قسم أبحاث النفط في بنك “جيه بي مورغان”، كريستيان مالك، إن الأمير “يحب أن يكون صعب التنبؤ، وهو ما يعدّ بمثابة مزاجية مدروسة إلى حد ما”.
في الحقيقة، تُصبح الأمور أكثر تعقيدًا عندما يُطلب من الوزير الرد على الإجراءات السياسية التي تتخذها المملكة، غالبًا من قبل حاكمها الفعليّ، الأمير محمد. وفي قمة دافوس للسنة المنقضية، سعى طاقم تلفزيون بريطاني للحصول على رد فعل على مزاعم تورط الأمير محمد في اختراق هاتف مؤسس “أمازون” جيف بيزوس. وأثناء ملاحقتهم للأمير في إحدى الممرات، وصف عبد العزيز نوعية الأسئلة بأنها “استهزاء”، والمراسل بأنه “غبي”، قبل محاولته نزع الميكروفون لوهلة.
يرى الأمير عبد العزيز فرصة لزيادة الطاقة الإنتاجية، اعتقادًا منه أن العالم دائمًا ما سيحتاج إلى مصدر رخيص من الوقود الوفير
لم يُدل الأمير بالكثير من التعليقات حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي توصلت الولايات المتحدة إلى أنه حصل على موافقة الأمير محمد، على الرغم من أنه لا يُعتقد أن علاقتهما قريبة وفقًا لأشخاص يعرفون الأمير عبد العزيز. عموما، يفضّل حلفاؤه أن يركز على دوره في إصلاح قطاع الكهرباء المحلي وإضفاء الطابع المهني على العلاقة بين أرامكو السعودية ووزارة الطاقة. وبينما تتراجع شركات النفط الغربية عن استثماراتها في الوقود الأحفوري تحت ضغوط تغير المناخ، تحوط المملكة بالكاد رهاناتها.
يريد الأمير محمد فطم الاقتصاد السعودي عن اعتماده على النفط. في المقابل، يرى الأمير عبد العزيز فرصة لزيادة الطاقة الإنتاجية، اعتقادًا منه أن العالم دائمًا ما سيحتاج إلى مصدر رخيص من الوقود الوفير. وفي هذا السياق، أشارت المحللة في شركة “إنرجي أسبكتس” أمريتا سين إلى أن الأمير عبد العزيز “يفكر بعمق” في التحديات التي تواجه العالم، و”يهتم كثيرًا بقطاع الطاقة، ويبحث في العديد من هذه القضايا”.
من غير المرجح أن يكون هناك أي دافع لكبح جماح المشاريع النفطية الجديدة، كما هو مقترح في خارطة الطريق لمستقبل صافي الانبعاثات لوكالة الطاقة الدولية حيث قال الأمير عبد العزيز هذا الأسبوع إن “من وضع هذا السيناريو ليس على اتصال بالواقع”.
المصدر: فايننشال تايمز