بعد مئات الانتهاكات المتواصلة طيلة 10 سنوات بحق القطاع الصحي من قصف وتدمير لمشافٍ ومراكز صحية وقتل كوادر طبية، انتخبت منظمة الصحة العالمية في 28 مايو/ أيار الماضي نظام الأسد لعضوية المجلس التنفيذي في المنظمة، ممثلًا عن إقليم شرق المتوسط لمدة 3 سنوات على التوالي.
وانعقدت أعمال المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية السبت 5 يونيو/ حزيران، بدورته الـ 149 التي تقام افتراضيًّا بحضور أعضاء ممثلين عن 34 دولة، بينها نظام الأسد.
واختيرت سوريا مع 12 دولة أخرى، كأعضاء جدد في مجلس إدارة منظمة الصحة العالمية، المكون من 34 عضوًا، ولم يواجه تصويت الأعضاء الجدد أي نقاش أو معارضة، بينما انتقد ناشطون وحقوقيون سوريون تجاهل الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد بحق المشافي والمراكز والكوادر الطبية في المناطق السورية المختلفة، وانتخابه عضوًا في المجلس التنفيذي، على الرغم من مشاركة المنظمة إحداثيات المراكز والنقاط الطبية لمختلف الأطراف.
احتجاج ومواقف
نفذ العاملون من الكوادر الطبية في مديريات الصحة في ريفي حلب وإدلب وقفات احتجاجية، استنكارًا لتمثيل النظام السوري في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، رغم كل انتهاكاته.
واعتبر المشاركون في الاحتجاجات أن منظمة الصحة العالمية تكافئ من دمر المشافي وقتل المئات من الكوادر الطبية، مؤكدين أنها سقطة أخلاقية مدوية لمنظومة إنسانية عالمية.
وقال مسؤول الإعلام في مديرية صحة إدلب، عماد زهران، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن انضمام نظام الأسد للمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، يعتبر سقطة أخلاقية ومهنية بحق القطاع الصحي، ويعتبر خطًأ وكارثة على القطاع الصحي، لا سيما أن النظام مسؤول عن استهداف أكثر من 50 مشفى خلال العمليات الأخيرة بين عامي 2019 ومارس/ آذار 2020”.
وأصدرت مديرية صحة إدلب بيانًا نددت بموجبه قرار منظمة الصحة العالمية، وقالت في البيان: “فوجئ الشعب السوري بانتخاب النظام المجرم عضوًا في المجلس التنفيذي، وذلك في تجاهل واضح لسجلّه الحافل بجرائم الحرب الموثقة، على الرغم من كل التقارير الأممية التي أدانته بتعمد استهداف المنشآت الصحية”.
تسبب النظام بقتل 289 متطوعًا في الدفاع المدني السوري وجرح أكثر من 890، وأغلب هؤلاء كانوا ضحايا الهجمات المزدوجة، عبر استهداف قوات النظام والقوات الروسية للمنقذين أثناء إنقاذهم ضحايا الهجوم الأول.
وتساءل البيان: “كيف يمكن لمن دمر المشافي وقتل الأطباء أن يكون راعيًا لقطاع الصحة في العالم؟”، مؤكدًا: “إن الاستراتيجية التي اتبعها النظام السوري المجرم وحلفاؤه الروس في استهداف القطاع الصحي، حولته من ملاذ آمن إلى مكان يخشى الناس دخوله”.
إحباط وصدمة
من جهتها أعربت منظمات المجتمع المدني في سوريا عن إحباط حقيقي وصدمة كبيرة، عقب انتخاب النظام عضوًا في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، في بيان مشترك لـ 17 منظمة نُشر على صفحة الدفاع المدني السوري في فيسبوك.
وقالت المنظمات في بيانها: “إن هذا الإجراء يعد مكافأة للنظام على ما ارتكبه من جرائم بحق المدنيين وعمال الإغاثة والكوادر الطبية، ومن تدمير ممنهج للمستشفيات وغيرها من المراكز الصحية”.
وأضاف البيان: “إنه منذ مارس/ آذار عام 2011 حتى مارس/ آذار عام 2021 كان نظام الأسد والقوات الروسية وحلفاؤهم مسؤولين عن 540 هجمة مباشرة على المنشآت الطبية ومراكز الرعاية الصحية، تسببت تلك الهجمات بمقتل 827 عاملًا صحيًّا وطبيًّا (بحسب منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان)”.
كما تسبب النظام بقتل 289 متطوعًا في الدفاع المدني السوري وجرح أكثر من 890 (بحسب أرقام الدفاع المدني السوري)، وأغلب هؤلاء كانوا ضحايا الهجمات المزدوجة، عبر استهداف قوات النظام والقوات الروسية للمنقذين أثناء إنقاذهم ضحايا الهجوم الأول.
وذكر بيان المنظمات الإنسانية أن منظمة الصحة العالمية، تغاضت عن الكثير من الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق الكوادر والمراكز الصحية في سوريا، ومن التدخل بعمل المنظمات الدولية وتسييس وإساءة توزيع المساعدات الإنسانية.
وطالب البيان منظمة الصحة العالمية بالتوقف عن دعم نظام الأسد، وتجنب الضلوع في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
أثر انضمام نظام الأسد كعضو في منظمة الصحة العالمية
يشكل انضمام نظام الأسد كعضو في منظمة الصحة العالمية أمرًا كارثيًّا على المناطق الخارجة عن سيطرته، لأنه سيسعى من خلال وجوده التأثير على سياسة عمل المنظمة والحد من نشاطاتها في المناطق المحررة، لا سيما أنه يسعى إلى إغلاق معبر باب الهوى الإنساني الوحيد بريف إدلب الشمالي، والذي تمر منه المساعدات إلى المناطق المحررة، بعد أن استطاع إيقاف عمل المعابر الأخرى بمساعدة روسية.
وقال مدير مديرية صحة حلب، الدكتور رضوان كردي، في حديث لـ”نون بوست”: “إن تعيين وزير الصحة السوري في حكومة النظام حسن غباش في منظمة الصحة العالمية، كان صدمة للداخل والخارج السوري، خصوصًا أن الوزير ذاته مدرج على قانون العقوبات الدولية، وفي الحقيقة لا يوجد أي مبرر لقبول النظام في المجلس التنفيذي، ولا يمكن تجاهله”.
وأضاف: “إن النظام قبل دخوله كعضو في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، كان يسعى إلى عرقلة وتمرير أي ملف خاص بالمناطق المحررة، حتى وصل إلى مرحلة بمساندة داعميه لم يتبقَّ سوى معبر واحد هو معبر باب الهوى لدخول المساعدات، وهو يسعى لإغلاقه”.
وأكد: “لا يمكن تبرئة نظام الأسد من استهداف المشافي، وهناك وثائق تثبت تورطه باستهداف المشافي والنقاط الطبية عمدًا، وما يجري الآن هو تغاضٍ من منظمة الصحة العالمية بحق (مآسي) الآلاف من السوريين”.
وأوضح: “إن نظام الأسد مسؤول عن جرائم كبيرة ارتكبت بحق القطاع الطبي، و70% من الكوادر الطبية غادرت البلاد بسبب انتهاكات نظام الأسد بحق القطاع الطبي، ولم يتبقَّ سوى طبيب واحد لكل 10 مرضى في الشمال السوري المحرر”.
بدوره قال نقيب التمريض والفنيين في المناطق المحررة محمود حسون، لـ”نون بوست”: “إن عضوية النظام في منظمة الصحة العالمية، تمكّنه من الاطلاع على مهام وخطط المنظمة، وسيسعى عبر حلفاء آخرين أعضاء في المجلس التنفيذي كإيران وروسيا وفنزويلا، إلى سحب وطرح ملفات أخرى تدعم مناطق سيطرته دون المناطق المحررة”.
وأضاف: “بإمكان النظام طلب إزالة وضع الطوارئ عن المناطق المحررة ووضع إعادة الإعمار، وهو يوافق ويناصر هذا الأمر ويحاول تصديقه، لكن الوضع الحالي في المناطق المحررة لا يمكن نقله إلى إعادة الإعمار”.
وربما سيسعى النظام من خلال وجوده في منظمة الصحة العالمية إلى تركيز عملها في دمشق، ومن خلال ذلك سيتحول فريق المنظمة الحيادي حاليًّا إلى تابع، لا يمكنه تنفيذ نشاطه دون علم نظام الأسد.
وعن التغاضي الدولي عن انتهاكات النظام، أكد حسون أنه “يوجد تغاضٍ دولي عن انتهاكاته، لكن وجوده في المجلس التنفيذي سيساهم في إغلاق هكذا ملفات”.
واعتبر أنه لا يمكن تبرئة نظام الأسد من انتهاكاته بحق القطاع الطبي وجرائمه في مختلف المناطق السورية، ومن الصعب جدًّا أن يتهرب من هذه الانتهاكات، لكن على الرغم من وجود وثائق تدينه، إلا إنها فعليًّا مهمشة ولن تتم محاسبته إلا في حال سقوطه.
من جهته، قال الدكتور جواد أبو حطب، رئيس الحكومة السورية المؤقتة الأسبق، في حديث لـ”نون بوست”: “إن انتخاب نظام الأسد كممثل لمنظمة الصحة العالمية هو نتيجة عدم تأسيس وزارة صحة ومديريات في الحكومة السورية المؤقتة، التي أثرت فيها المنظمات بشكل كبير، وبعد 10 سنوات فإن نظام الأسد الآن لديه نظام معيّن، ونحن ما زلنا في طور التأسيس، لذلك يبدو أن غياب دورنا هنا بسبب عدم قدرتنا على خلق سياسة لعملنا”.
بالمحصلة.. يرى سوريون كثر أن قبول نظام الأسد في المجلس التنفيذي منظمة أممية بحجم الصحة العالمية يمثل اعترافًا به وتجاهلًا مريعًا لانتهاكاته وجرائمه التي أدانتها وفٌجعت بها الأمم المتحدة ومنظوماتها الحقوقية قبل غيرها، على رأسها فظاعاته بحق القطاع الصحي والطبي، كما أن انضمامه للمجلس المنظمة هو بمثابة بوابة للأسد يستغلها لتمرير أجنداته على مستوى دولي يقلل من حجم عزلته والعقوبات المفروضة عليه غربيًا وأمميًا، ويزيد عبرها معاناة السوريين الذي يرفضون حكمه القهري.