ترجمة: حفصة جودة
ربما سيكون من المشجع الاعتقاد أن الثوران الهائل الجاري في السياسة الإسرائيلية مع الإطاحة ببنيامين نتنياهو يشير إلى تحول جذري في الثقافة السياسية، وربما نقطة تحول في تراجعها “الديمقراطي”، وحتى خطوة باتجاه إنهاء حكمها على ملايين الفلسطينيين.
لكن للأسف، إنها لا تشير لأي من ذلك، فالرغبة الملحة في الإطاحة بالزعيم الإسرائيلي الأطول خدمة، هي القوة الدافعة وراء تحالف 8 أحزاب مختلفة تأمل في أن تحل محله، هناك عامل آخر يوحدهم بشكل طبيعي إن لم يكن مخططًا له: الإجماع على أنه بتحديد مستقبل الدولة اليهودية، سيصبح من الممكن إدارة الصراع مع الفلسطينيين للأبد.
روج نتنياهو – أكثر من أي زعيم إسرائيلي آخر – لتلك الفكرة وزرعها سريعًا داخل الوعي القومي، الذي قد يصبح ميراثه الأكثر دوامًا، يشير ذلك إلى أن الفلسطينيين غير مرئيين الآن في السياسة الإسرائيلية، فحتى الوجود التاريخي الحقيقي لحزب عربي في التحالف لم يجعلهم ضمن جدول الأعمال.
يستخدم الحزب الإسلامي “راعم” (القائمة العربية الموحدة) مقاعده الأربع لانتزاع مكاسب صغيرة من أجل ناخبيه، لكن مثل بقية الشركاء وافق على عدم التورط في القضية الفلسطينية ككل بهدف تجنب الخلاف.
سعى نتنياهو نحو صنع روابط دبلوماسية واقتصادية أقوى مع شركاء أقل حساسية للوضع في إفريقيا وآسيا وشرق أوروبا
لفترة طويلة، لعبت عقود طويلة من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة دورًا محوريًا في السياسة الإسرائيلية وفي النقاش القومي بشأن المشروع الصهيوني، وحتى بعد فشل اتفاقية أوسلو كان رؤساء الوزارة الذين أتوا بعد ذلك مخلصين نظريًا على الأقل لفكرة تطبيق حل الدولتين.
لكن نتنياهو فعل شيئًا مختلفًا، لقد باع للإسرائيليين فكرة أن احتلال ملايين الفلسطينيين قسرًا يمكن إدارته كأمر مزعج أكثر منه تهديدًا وجوديًا.
لم يحول الربيع العربي والحرب السورية الاهتمام العالمي عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقط، بل منح قيمة لفرضية نتنياهو بأن الآن ليس الوقت المناسب للتفكير في دويلة للفلسطينيين.
وسط تحذيرات صارخة من أن سياسات “إسرائيل” ستجعلها منبوذة في الغرب، سعى نتنياهو نحو صنع روابط دبلوماسية واقتصادية أقوى مع شركاء أقل حساسية للوضع في إفريقيا وآسيا وشرق أوروبا.
كانت الأوضاع جيدة، وبغض النظر عن إدانة الليبراليين الأوروبيين لسجلها في حقوق الإنسان، استمر الاقتصاد الإسرائيلي في النمو، وفازت المغنية الإسرائيلية نيتا بجائزة مسابقة الأغنية الأوروبية “Eurovision song contest” عام 2018، كما سجلت الدولة اليهودية في أكثر برامج لقاح فيروس كورونا نجاحًا في العالم.
لم يكن من الصعب ترويج رواية بين الناخبين تقول إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صعب المراس وإنه بسبب عناد الفلسطينيين الأبدي، فإن هذه المشكلة يجب إدارتها أو على الأقل تقليصها بدلًا من حلها
كما أن احتضان دونالد ترامب الدافئ ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وضم مرتفعات الجولان واتفاقيات السلام المتتابعة مع الممالك العربية، كل ذلك بدا كأنه يثبت صحة إستراتيجية نتنياهو بأكملها.
وسط هذا النجاح القومي، لم يكن من الصعب ترويج رواية بين الناخبين تقول إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صعب المراس وإنه بسبب عناد الفلسطينيين الأبدي، فإن هذه المشكلة يجب إدارتها أو على الأقل تقليصها بدلًا من حلها.
الأمر لا يختلف كثيرًا عن وجهة نظر يائير لبيد قائد الكتلة الأكبر الذي من المفترض أن يصبح رئيس الوزراء عام 2023 إذا استمر هذا التحالف بمعجزة ما، يعد لبيد رجل الطبقة الوسطى للسياسة الإسرائيلية، فهو يمثل شريحة ضخمة وبارزة من الناخبين العلمانيين والمعتدلين، لكنهم يريدون زواجًا مدنيًا ورعاية أطفال مدعمة وحافلات تعمل في الإجازات اليهودية أكثر من رغبتهم في مواجهة احتلال له تأثير صغير على حياتهم اليومية.
أما نفتالي بينت، رئيس الوزراء القادم المحتمل الذي يتمتع بحماية ودعم نتنياهو السياسية، فقد فعل الكثير لإعادة صياغة الصورة الكاملة للمشروع الاستيطاني داخل “إسرائيل”، لقد نقل الحزب الصامد للصهيونية الدينية من قبضة المتعصبين القدامي لشخص يدعي بأنه سيقدم وطنًا لكل اليهود بما في ذلك سكان المدن ذات الأعمال التجارية عالية التقنية.
تحت قيادة نتنياهو كانت الطبيعية اليهودية للدولة تتفوق بشكل مستمر على شخصيتها الديمقراطية
كانت الحجة القائلة بأن الرغبة الجامحة في السيطرة على الأراضي الفلسطينية ليست تعصبًا دينيًا بل دافع أمنى، قد لاقت قبولًا أكثر بين الجمهور الإسرائيلي الأوسع.
إن وجود اليسار الصهيوني المتفتت في التحالف يمنحه فرصة للحصول أخيرًا على بعض الارتباط السياسي، لكنه أيضًا لن يحيي القضية الفلسطينية، أما حزب العمال وحزب ميرتس فليس لديهما شيء جديد ليقدماه، لكنهما يتمسكان بفكرة حل الدولتين كنوع من التفكير السحري لتخليد حلمهما بأن “إسرائيل” يمكنها أن تكون يهودية وديمقراطية.
أظهرت سنوات نتنياهو أن هذا الهدف مجرد وهم، فتحت قيادته كانت الطبيعية اليهودية للدولة تتفوق بشكل مستمر على شخصيتها الديمقراطية، مع انتهاكات مستمرة في القضاء والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، أما القوى السياسية التي اتحدت لإزاحته، فلم تُظهر أي علامات على رغبتها أو حتى نيتها في التراجع عن هذا الانحدار الديمقراطي.
لقد اختار نتياهو دائمًا الحقيقة الصهيونية القديمة التي دفعت بالدولة الصغيرة داخل الحرب والصراع الداخلي وهي سلاحها السري “ein brera” أي لا خيار أو لا بديل، تحت حكم نتنياهو لم يكن هناك خيار غيره ولا خيار إلا الحفاظ على الوضع الراهن، أما الخيارات التي ستأتي لاحقًا فربما لن تتغير إلا قليلًا.
المصدر: الغارديان