كيف فخخ المرتزقة الروس ليبيا؟

انتهت الحرب على العاصمة طرابلس وتراجع اللواء المتقاعد خليفة حفتر من حيث جاء في الشرق الليبي، لكن مخلفات الحرب ما زالت متواصلة، تنهك حياة الليبيين، فألغام مرتزقة فاغنر الروس منتشرة في كل مكان، فكيف فخّخ هؤلاء المرتزقة ليبيا؟
مرتزقة فاغنر.. الجرح الغائر
في الـ4 من أبريل/نيسان 2019، بدأ الانقلابي خليفة حفتر، حربه ضد العاصمة الليبية طرابلس قصد السيطرة عليها والإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا. في تلك الحرب استعان حفتر بآلاف المرتزقة القادمين من دول عدة والتابعين لكيانات مختلفة، على رأسهم مرتزقة فاغنر الروس – سلاح الكرملين الخارجي – المنتشرة في العديد من الدول من بينها سوريا والسودان وإفريقيا الوسطى.
ذهب مرتزقة فاغنر لليبيا، كون هذا البلد العربي أصبح في السنوات الأخيرة يمثل وجهة مغرية لآلاف المرتزقة الذين يعملون لحسابهم الشخصي أو لحساب شركات أمنية خاصة متعددة الجنسيات، للحصول على امتيازات آنية، خاصة أن البلاد مفككة وتزخر بخيرات طبيعية كثيرة.
تجوب فرق إزالة الألغام مناطق عدة في البلاد خاصة في مدينتي طرابلس وترهونة لتخليصها من هذه الألغام
يصل راتب العنصر الواحد من هؤلاء المرتزقة إلى 5300 دولار شهريًا، وتعود ملكية الشركة لرجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أما مؤسسها فهو الضابط السابق في القوات الخاصة للمديرية العامة التابعة للأركان العامة في الجيش الروسي ديمتري أوتكين.
يتوزع هؤلاء المرتزقة في الغالب حول قاعدة القرضابية العسكرية في مدينة سرت الساحلية، وإلى الجنوب في قواعد جوية رئيسية لا سيما في الجفرة الجوية، إضافة إلى تمركزهم قرب الحقول والموانئ النفطية.
تفخيخ ليبيا
خلال الحرب ضد طرابلس والمؤسسات الشرعية للدولة الليبية، لعبت عناصر فاغنر دورًا كبيرًا في قتل الليبيين الأبرياء وتدمير المباني الخاصة والمنشآت العامة وتشريد عشرات آلاف المدنيين، وحتى بعد انتهاء الحرب في طرابلس ومدن الغرب بخسارة حفتر وجماعته من المرتزقة، ما زال الليبيون يدفعون ضريبة العدوان، إذ يموت الناس جراء الألغام في العاصمة ومحيطها.
عند فرارهم من مشارف طرابلس ومدن الغرب، ترك هؤلاء المرتزقة وراءهم منازل وساحات مفخخة وبين الأزقة الضيقة، الألغام في كل مكان حتى في الأبواب وفي المناطق غير المكشوفة بالمنزل ودمى الأطفال الصغار وعبوات المشروبات الغازية الفارغة التي عادة ما يلعب بها الأطفال.
يقول ربيع الجواشي، رئيس “مؤسسة حقول حرة”، وهي وكالة ليبية متخصصة في إزالة الألغام، في هذا الشأن: “لقد درسوا تفاصيل حياتنا، حتى إنهم درسوا كيف يلعب أطفالنا.. إنهم يعرفون جيدًا كيف نفكر”.
نشرت صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا لأشكال الألغام والمفخخات التي وضعت بطريقة لا علاقة لها بالمعارك، لكنها تؤكد وجود نية مبيتة لاستهداف المدنيين، إذ توجد ألغام مضادة للأفراد بأشعة الليزر كأسلاك تفجير، واللغم المزدوج الذي يكون شقه الأول طعمًا في حين يتفجر شقه الثاني.
في وقت سابق قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الأجهزة جُمِّعت واستُخدمت بطريقة تهدف إلى تفجيرها بمجرّد وجود شخص أو اقترابه منها أو ملامسته إياها، وهي قادرة على إلحاق العجز والإصابة بشخص أو أكثر أو قتلهم.
هذه الأجهزة وفق رايتس ووتش تنفجر بفعل الضحية، وهي محظورة بموجب اتفاقية حظر الألغام، بغضّ النظر عما إذا كان اللغم منتجًا في مصنع أو صُنِع يدويًا باستخدام مواد متوافرة محليًا.
كما أظهرت صور وفيديوهات أخرى نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ألغامًا مزوّدةً بأسلاك تشغيل وألغامًا تُستخدم كمحفزات لتفجير عبوات متفجرة أكبر، منها ألغام مضادة للعربات، مقترنة بأنواع مختلفة من صمّامات التفجير ومزيج من أجهزة ضبط الوقت الإلكترونية ولوحات الدوائر الكهربائية والهواتف الخلوية المعدلة.
معاناة كبرى
تجوب فرق إزالة الألغام مناطق عدة في البلاد خاصة في مدينتي طرابلس وترهونة لتخليصها من هذه الألغام، ويتقدم فريق نزع الألغام، في الجيش التركي، العمليات، وخلالها تم اكتشاف آثار مرتزقة فاغنر الروسية، من خلال كتابات على الجدران باللغة الروسية، من قبيل “زينت البطل” (نادي زينيت سانت بطرسبرغ لكرة القدم) وشتائم وكتاب كهروتقني بالروسية.
مباشرة إثر هزيمة حفتر بدأت فرق تدمير الألغام والكشف عن المتفجرات اليدوية لدى القوات المسلحة التركية مع عناصر الجيش الليبي عملياتهم لإزالة الألغام بهدف إعادة الحياة إلى طبيعتها منع تعرض المدنيين الأبرياء للأذى، وتسهيل عودتهم بأمان إلى منازلهم.
استخدم مرتزقة جميع الطرق في وضع ألغام شديدة الخطورة وحديثة غير موجودة في ليبيا من قبل، ما جعل حياة الليبيين في خطر متواصل
زرع هذه الألغام والبطء في عملية إزالتها حال دون عودة الآلاف إلى مساكنهم، فهؤلاء إلى الآن غير قادرين على العودة إلى ديارها، فلا يمضي أسبوع دون أن نسمع عن انفجار لغم في مكان ما يتسبب في سقوط عديد القتلى والجرحى.
ويعتبر الأطفال أكثر ضحايا الألغام والذخائر الأخرى التي تشبه تلك المستخدمة في الصراع في شبه جزيرة القرم، حيث قاتلت قوات فاغنر أيضًا، فالعديد من الأطفال قتلوا وهم يلعبون في الشوارع أو في المنازل بمخلفات الحرب.
وسبق أن أكدت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، أن أكثر من نصف مليون شخص في ليبيا يحتاجون إلى مساعدة في مجال مكافحة الألغام، وأوضحت الدائرة، أن الذخائر القابلة للانفجار مصدر قلق رئيس للسكان، خصوصًا العائدين إلى منازلهم جنوب طرابلس.
معاناة ضحايا الألغام لا تتوقف عند هذا الحد، فهم يعانون الإهمال أيضًا، ذلك أن السلطات الليبية، في الغرب والشرق، أنشأت أجهزةً وهيئات عدةً معنيةً بمخلفات الحرب، لمتابعة آثارها، خصوصًا في الجانب الإنساني، لكنها أهملت المصابين بالألغام والمفخخات من المدنيين.
تقتل الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحروب أو تجرح آلاف الأشخاص كل عام، كما أنها تغلق الطرق، وتمنع الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، والفلاحين من العمل في الأرض، وتعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحرم الناس من مصادر كسب العيش، كما تعيق جهود إعادة الإعمار ما بعد الحرب، وفق دائرة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الألغام.
يصعب حصر منطقة الألغام في طرابلس وخاصة أحيائها الجنوبية، فمعظم المناطق جنوب العاصمة وضعت فيها ألغام ضد الأفراد أو عبوات محلية الصنع، واستخدم مرتزقة جميع الطرق في وضع ألغام شديدة الخطورة وحديثة غير موجودة في ليبيا من قبل، ما جعل حياة الليبيين في خطر متواصل.