ترجمة: حفصة جودة
منذ بدايتها؛ عملت المؤسسة الإسرائيلية باستمرار على تهميش وقمع الفلسطينيين في البلاد، واضطهاد كل من يحاول مقاومة الكيان الصهيوني، واجه الفلسطينيون إجراءات مراقبة غير مسبوقة وسيطرة على كل تحركاتهم مع انتشار نقاط التفتيش عبر البلاد واستخدام مختلف الذرائع لتبرير القمع الإسرائيلي.
منذ إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي لتكون وطنًا قوميًا لليهود، أهملت الحركة الصهيونية عشرات آلاف الفلسطينيين الذين ظلوا داخل حدود البلاد بعد النكبة، بينما تعرض 750 ألف فلسطيني للتهجير قسرًا، كان الهدف إنشاء كيان أحادي القومية دون وضع أي اعتبار لوجود جماعات أخرى.
هذا الواقع العنصري القمعي تصاحبه محاولات إسرائيلية لتلميع الصورة الدولية للبلاد، وقد حدث ذلك جزئيًا من خلال إنتاج وتطوير مفهوم “العرب الجيدين” الذين اندمجوا في المؤسسات الإسرائيلية مثل الكنيست وتحدثوا عن المؤسسة بالمصطلحات التي تفضلها “إسرائيل”.
نشر “العرب الجيدون” المفهوم بين الجماهير التي كان من الضروري أن تستوعب وتخضع للأوامر الإسرائيلية، بأن المؤسسة الإسرائيلية ليست نظامًا عسكريًا اغتصب البلاد وهجّر أهلها قسرًا، لكنها كيان ديمقراطي يقبل الجميع، وأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
واصلت “إسرائيل” سياسات الاضطهاد والقمع ومصادرة الأراضي وفصل الفلسطينيين من وظائفهم وتدمير المنازل وغيرها من الممارسات
لكن هؤلاء “العرب الجيدين” ظلوا أقلية نظرًا للوعي الوطني بين الفلسطينيين الذين يفضلون الإبقاء على الوضع الراهن بدلًا من تحسين وضعهم وفقًا لشروط مؤسسات دولة الاحتلال.
هذا الوعي عززته أحداث معينة في التاريخ نُقشت في قلب كل الفلسطينيين، وعززت من ارتباطهم بأرضهم، من يوم الأرض عام 1976 إلى الانتفاضة الأولى والثانية وغيرهم من التطورات.
الظلم والاستبداد
منذ نكبة 1948 عملت الحركات الوطنية والأحزاب السياسية على تنظيم النضال ضد القمع الإسرائيلي والتهجير ومصادرة الأراضي والاضطهاد والتعذيب والسجن، وتظاهر العديد من الشباب الواعين سياسيًا ضد الظلم والاستبداد الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية وعملاؤها.
ومع ذلك لم تتوقف المؤسسة الإسرائيلية أبدًا عن محاولة تعريف وإعادة تعريف المواطنين الفلسطينيين، ففي عام 2018 أطلقت قانون الدولة القومية الذي يُعرّف “إسرائيل” بأنها دولة لليهود، وكل من كانوا خارج هذا التعريف تم تصويرهم على أنهم أكثر قليلًا من مجرد تابعين تحاول الدولة أن تضع مشاعرهم في حسبانها، ليس بالطبع كمواطنين من الدرجة الأولى يتمتعون بحقوق كاملة، بل مواطنون من الدرجة الثانية.
خلال ذلك واصلت “إسرائيل” سياسات الاضطهاد والقمع ومصادرة الأراضي وفصل الفلسطينيين من وظائفهم وتدمير المنازل وغيرها من الممارسات، بالتوازي مع ذلك تعتمد بعض التيارات داخل المجتمع الفلسطيني على كرم المؤسسة الإسرائيلية وتقبل بالشروط التي تضعها على أمل الحصول على بعض الفتات.
هذه التيارات امتداد مباشر وغير مباشر لمفهوم “العرب الجيدون” الذي أنتجته المؤسسة لتضليل وزرع الشقاق الداخلي بين الناس.
داخل أراضي 48، تعاني الحركة الوطنية الفلسطينية من انقسام سياسي وخلافات إيدولوجية عميقة، فبعضهم يشارك في انتخابات الكنيست وبعضهم يقاطعها، يتم استخدام بعض الخلافات الضئيلة كذريعة بين البعض لكسر الصفوف وتبني رواية “العرب الجيدين” على أمل الحصول على حياة أفضل، هذه الآمال تتبدد سريعًا، لذا يجب أن تتحرك المؤسسة الإسرائيلية دائمًا بشكل سريع لصنع “عرب طيبون” جدد.
الطريقة الوحيدة لمواجهة المؤسسة الإسرائيلية ومحاولاتها لتشويه الهوية الفلسطينية هي الاتحاد
قمع الحقوق الفلسطينية
في الحقيقة، تعتزم المؤسسة الإبقاء على “العرب الجيدين” كوسيلة لقمع الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم والمساواة الكاملة، عملاء هذه المؤسسة كثيرون، لذا يجب على الحركات الوطنية مواجهة هذه المشروعات بالاتحاد وأن يكون الفلسطينيون وحقهم في الأرض فوق أي اعتبارات أخرى.
إن المجتمع الفلسطيني داخل أراضي 48 معقد ويضم طوائف وتيارات مختلفة تجعل من السهل على المؤسسة الإسرائيلية بث الفرقة سواء دينية أم اجتماعية، لقد نجحت في عدة حالات، رغم وجود شخصيات اجتماعية وسياسية مؤثرة تتدخل لإنهاء الشقاق، ومع ذلك هناك من يعملون لمصالحهم الخاصة ويواصلون خلق المشاكل.
إن الطريقة الوحيدة لمواجهة المؤسسة الإسرائيلية ومحاولاتها لتشويه الهوية الفلسطينية هي الاتحاد، يجب أن يضع الفلسطينيون النظام في موقف محرج ويجبرونه على التعامل معهم كسكان أصليين يتمتعون بحقوق كاملة دون قيد أو شرط.
المصدر: ميدل إيست آي