بعد شد وجذب وتصريحات متضاربة، أضيفت لأول مرة في تاريخ مناورات الأسد الإفريقي التي تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية، منطقة في الصحراء المغربية حتى تشملها المناورات، منطقة قريبة جدًا من الحدود الجزائرية ومخيمات تندوف، قالت البوليساريو مرات عديدة إنها هدف لقصفها، فما دلالات ذلك؟
الأسد الإفريقي
مناورات “الأسد الإفريقي 2021″، انطلقت بمدينة أغادير المغربية، أمس الإثنين وستتواصل حتى 18 من يونيو/حزيران الحاليّ، بمشاركة 9 دول تمثل 3 قارات، ويشارك في النسخة الـ17 من التدريبات، نحو 8 آلاف جندي من جيوش متعددة الجنسيات و67 طائرة (21 قتالية و46 من الدعم الجوي) و100 مدرعة وبارجات بحرية.
فضلًا عن المغرب والولايات المتحدة، تشارك في هذه المناورات التي تصنف ضمن أهم التدريبات المشتركة في العالم، كل من بريطانيا والبرازيل وكندا وتونس والسنغال وهولندا وإيطاليا، كما يشارك فيها حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومراقبون عسكريون من نحو 30 دولة تمثل قارات إفريقيا وأوروبا وأمريكا، وفق بيان للجيش المغربي.
الهدف من هذه المناورات وفق الجيش المغربي “تعزيز قدرات المناورة للوحدات المشاركة، وتعزيز قابلية التشغيل البيني في تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة”، فضلًا عن “إتقان التكتيكات والتقنيات والإجراءات وتطوير مهارات الدفاع السيبراني وتدريب المكون الجوي على إجراء العمليات القتالية والدعم والتزويد بالوقود جوًا”.
يمثل تنظيم مناورات عسكرية مشتركة في منطقة المحبس انتصارًا مغربيًا ووسيلةً لإظهار إمكانات المملكة العسكرية وتهدئة أي ميول
من المرتقب أن تشتمل المناورات على تمارين مخصصة للتعامل مع حالات الطوارئ والتدريب على عمليات مكافحة المنظمات الإرهابية العنيفة والتدخلات السريعة والمناورات الجوية المباغتة باستخدام طائرات “F-16″ و”KC-135” وتدريبات ميدانية للمظليين وتمارين طبية وتمارين للاستجابة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية وبرنامج للمساعدات الإنسانية.
تعد “الدورة الحاليّة أكبر تدريب عسكري أمريكي يتم تنظيمه بالقارة الإفريقية” وفق نائب القائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا وإفريقيا اللواء أندرو إم روهلينغ، ويعود إطلاق أول نسخة من مناورات “الأسد الإفريقي” إلى سنة 2007، وتُجرى سنويًا، لكن أقيمت أحيانًا أكثر من نسخة في العام الواحد.
يقود المغرب كل العمليات المتعلقة بالقوات البحرية والجوية والبرية للدول المشاركة في التدريبات العسكرية، التي تحاكي التدخلات الميدانية بكل ديناميكية وواقعية داخل بيئات قاسية، وتعتبر المناورات أحد التدريبات الرئيسية والكبرى التي تنظمها وتديرها القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم) بالشراكة مع القوات المسلحة الملكية في المغرب.
منطقة المحبس
انطلقت هذه التدريبات كما قلنا في البداية بمناطق أغادير وستشمل أيضًا طانطان وتافراوت (وسط) وتيفنيت وبن جرير والقنيطرة (شمال)، وهي مناطق سبق أن احتضنت مثل هذه المناورات، لكن الجديد هذه المرة إضافة منطقة أخرى للمناورات.
ففي سابقة في تاريخ هذه التدريبات العسكرية، يناور الأسد الإفريقي في إقليم الصحراء، الذي اعترفت واشنطن في 10 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بسيادة المغرب عليه وأعلنت عزمها فتح قنصلية أمريكية به.
نتحدث عن منطقة “المحبس” وهي جماعة قروية تابعة لإقليم آسا الزاك في الصحراء، يبلغ عدد سكانها – بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004 – ما مجموعه 131 شخصًا، وهي أقرب نقطة لمخيمات تندوف في الأراضي الجزائرية حيث معقل جبهة البوليساريو.
سبق أن طالب أكبر أحزاب المعارضة المغربية “الأصالة والمعاصرة” بإنشاء إقليم جديد في منطقة المحبس بإقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو، نتيجة ما باتت تعيشه هذه المنطقة (المحبس) من حركية سياسية وعسكرية وإدارية.
ويشهد المكان، على حدود المغرب والجزائر وموريتانيا، بانتظام مناوشات بين جبهة البوليساريو والجنود المغاربة، إذ دائمًا ما تُعلن جبهة البوليساريو منذ أشهر عن عمليات عسكرية في المحبس وقصف يستهدف مواقع الجيش المغربي، فيما لم يصدر عن الجانب المغربي أي تعليق عن الموضوع.
وكانت جبهة البوليساريو، قد أعلنت استئناف القتال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد نحو ثلاثة عقود من سريان وقف لإطلاق النار، وجاء ذلك إثر عملية عسكرية قادها المغرب لفتح معبر الكركرات، على الحدود الموريتانية، بعد أن أغلقته عناصر تابعة للجبهة.
انتصار مغربي
يمثل تنظيم مناورات عسكرية مشتركة في منطقة المحبس انتصارًا مغربيًا ووسيلةً لإظهار إمكانات المملكة العسكرية وتهدئة أي ميول، كما أنه يعتبر تكريسًا للاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
يذكر أن الصحراء الغربية تعتبر وفق الأمم المتحدة، من ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” في ظل عدم وجود تسوية نهائية لوضعها، وكانت موريتانيا والمغرب قد تقاسما الصحراء الغربية طبقًا لاتفاقية مدريد عام 1975، غير أن نواكشوط انسحبت عام 1979 من وادي الذهب بعد توقيعها اتفاق سلام مع البوليساريو.
ترى السلطات المغربية أنها حققت اختراقًا تاريخيًا ونجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا فيما يخص قضية الصحراء الغربية
بموجب هذه الاتفاقية تخلت موريتانيا عن أي مطالبات بخصوص الصحراء، لكن المغرب استعاد منطقة وادي الذهب واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، والآن تسيطر الرباط على 80% منها وتديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة البوليساريو 20% من مساحة الصحراء الغربية، وتطالب البوليساريو بإجراء استفتاء تقرير مصير، في حين يقترح المغرب منح أقاليم الصحراء حكمًا ذاتيًا تحت سيادته.
بالنسبة للرباط، فإن إجراء هذه المناورات يمثل علامة على أن هذه المنطقة بالفعل جزء من المملكة، فالجيوش المشاركة في التدريبات تعترف بمغربية منطقة المحبس التي يطالب بها انفصاليو جبهة البوليساريو.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي ينزل فيها الجيش الأمريكي على تراب الصحراء الغربية بعتاده العسكري للمشاركة في المناورات التي دأب على تنظيمها بمعية المغرب كل سنة، وهو ما يعتبر مكسبًا حقيقيًا للمملكة، فلطالما ادعت البوليساريو أن المنطقة غير آمنة.
ترى السلطات المغربية أنها حققت اختراقًا تاريخيًا ونجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا فيما يخص قضية الصحراء الغربية – المحدد الأول لسياستها الخارجية – بعد الاعتراف الأمريكي الأخير بسيادة المملكة على هذه المنطقة المتنازع عليها.
فضلًا عن ذلك، يرى المغرب أن الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء الغربية ومن ثم إجراء مناورات عسكرية في الصحراء سيمكنه من بسط نفوذه هناك وينهي الأزمة المتواصلة منذ عقود عدة مع جبهة البوليساريو التي تأبى التسليم في تلك الأراضي للرباط مهما كلفها الأمر.
بعد التطورات الأخيرة في ملف الصحراء واعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم وتضاعف عدد السفارات والبعثات الدبلوماسية الأجنبية هناك، بدأ موقف الرباط أقوى تجاه قضية الصحراء الغربية فهو لا يقبل بأنصاف الحلول أو أنصاف المواقف.
يعتبر المغرب السيادة على أقاليم الصحراء الغربية مسألةً غير قابلة للنقاش، حتى إنه يبني علاقاته الخارجية على أساس موقف الدولة المقابلة من مسألة الصحراء، وهو ما تجلى مؤخرًا في توتر علاقاته مع كل من ألمانيا وإسبانيا.