يعيش المواطنون في بلدة بيتا والبلدات المجاورة جنوب نابلس، منذ أشهر، حالة من الغليان نتيجة إقامة البؤرة الاستيطانية “أفيتار” على أراضي المواطنين في جبل صبيح بالضفة الغربية.
ما تشهده المنطقة ليست بالمحاولة الأولى لسرقة أراضي المواطنين العلنية، فعملية الاستيطان متسارعة بشكل كبير لفرض الأمر الواقع الاستيطاني على أهل البلدة، ففي خلال أقل من شهر أقام المستوطنون 30 وحدة سكنية استيطانية ومدرسة.
ويشهد الجبل بشكل شبه يومي مواجهات بين المواطنين والمستوطنين المحميين بقوات جيش الاحتلال، بحسب نائب بلدية بيتا موسى حمايل، الذي أكد أن المواجهات في الأيام الأخيرة تزداد عنفًا، فيوم الجمعة الماضية بلغ عدد الإصابات بالرصاص الحي 110 إصابة، عدا عن إصابات الاختناق بقنابل الصوت والغاز.
قرار الإخلاء.. ولكن
أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس، أمرًا عسكريًّا بمنع استمرار البناء في البؤرة الاستيطانية “أفيتار” على جبل صبيح، وأعلنها منطقة عسكرية يمنع التواجد فيها لمدة 8 أيام.
أكد حمايل أنهم لم يبلَّغوا بالقرار بشكل رسمي، واصفًا إياه بعدم الوضوح، فما هو المطلوب من الإخلاء بالتحديد لم يوضّح: هل يخلي المستوطنون البؤرة؟ أم يمنَع الناس من الوصول إلى أراضيهم؟ فعلى أرض الواقع لا تزال الجرافات تعمل في المنطقة.
كما أن قرار الإخلاء والإعلان بأنها منطقة عسكرية جاءت في صف المستوطنين، فهم يحاولون فرض أمر واقع من خلال تسريع توسيع البؤرة وإقامة المنازل الخرسانية، وقال حمايل: “هدف الاحتلال بنشر هذا القرار هو محاولة لخلق حالة من الإحباط في صفوف الفلسطينيين، لكنهم لن ينجحوا”.
تظهر في الصورة البؤرة الاستيطانية بعد التوسع الكبير الذي حدث خلال الأيام الماضية. المصدر: وكالات.
المقاومة الشعبية مستمرة
لا تعتبر محاولة الاستيلاء على جبل صبيح جديدة، فهذه هي المرة الرابعة التي يحاول المستوطنون إقامة بؤرة استيطانية، من خلال وضع كرفانات وخيام، إلا أن أهالي بيتا دائمًا ما يواجهون تلك المحاولات، ويجبرون عصابات المستوطنين على إخلاء الموقع.
أشار أمين سر تنظيم فتح ببيتا، منور بني شمسه، إلى أن المقاومة الشعبية ما زالت مستمرة، ولن يتهاون المواطنون في الدفاع عن أراضيهم، فأهالي بيتا والقرى المجاورة غير قادرين على استيعاب إقامة مستوطنة على أراضيهم التي يترددون إليها باستمرار، ليعتنوا بأشجار الزيتون.
كما يؤكد المتحدث أن هناك إجماعًا لدى عائلات القرية على الصمود والتصدي للمستوطنين، وهناك تعويل كبير على أن المخططات الاستيطانية على جبل صبيح لن تمر، نتيجة الحالة العامة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه ومقدساته.
ففي أعقاب عملية إطلاق النار التي نفذها الفلسطيني منتصر الشلبي عند حاجز زعترة الشهر الماضي، وما تلاها من حملة عسكرية بحثًا عن المنفذ في قرى جنوب شرق نابلس، سارع المستوطنون لاقتناص الفرصة، واستأنفوا مساعيهم لإعادة بناء البؤرة الاستيطانية.
جعلت محاولة المستوطنين تلك أهل البلدة ينتفضون، مثلهم مثل باقي مناطق الضفة الغربية المحتلة والداخل الفلسطيني المحتل وقطاع غزة المحاصر، فازدادت الفعاليات الشعبية في التصدي للمستوطنين ومخططاتهم، واستشهد كل من عيسى برهم وزكريا حمايل برصاص قوات الجيش الإسرائيلي، وأصيب المئات بالرصاص المطاطي وقنابل الصوت.
قدمت بلدة بيتا نموذجًا في طريقة المقاومة السلمية، وأكد بني شمسه على أن جميع الفئات من أطفال وكبار في السن ونساء، شاركوا في النضال ضد المخططات الاستيطانية.
مستوطنون يقيمون مدرسة في البؤرة الاستيطانية. المصدر: وكالات.
لماذا جبل صبيح؟
يقول مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية المحتلة، غسان دغلس، إن جبل صبيح يقع بين بلدات بيتا ويتما وقبلان، وقريب من حاجز زعترة الإسرائيلي، والمناطق الشرقية التي يعدّها الاحتلال امتدادًا للمنطقة الاستيطانية من غرب رأس العين، التي تصل حتى زعترة.
ويؤكد دغلس أن المستوطنين حاولوا أكثر من مرة إقامة بؤر استيطانية ونقل حافلات للمستوطنين إليها، إلا أنهم هذه المرة استغلوا حالة الحرب وما حدث من عملية على حاجز زعترة، فبدؤوا بإقامة وحدات استيطانية وفرض سياسة أمر واقع على الجبل.
ويوضح أن الهدف من السيطرة على الجبل، هو خلق امتداد للبؤر الاستيطانية والسيطرة على المناطق المرتفعة، وإنشاء شريط يتجاوز 120 مترًا من الشارع الممتد من زعترة حتى مدينة أريحا، وبيّن أن خطر بقاء هذه البؤرة يزداد، مع وجود حكومة يمينية متطرفة في “إسرائيل”.
وأكمل دغلس أن العمل لإزالة هذه البؤرة يأخذ عدة أشكال، أبرزها المقاومة الشعبية التي تتواصل وترتفع وتيرتها يومًا بعد يوم.
بموازاة ذلك، هناك جهد قانوني من المجالس المحلية وأصحاب الأراضي، بالتعاون مع محامي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ومركز القدس في محاكم الاحتلال، للحفاظ على ملكياتهم وتثبيتها.
فيديو: الاحتلال يصدر أمرًا بإعلان جبل صبيح منطقة عسكرية مغلقة
المقاومة الشعبية بموازاة الجهد القانوني
وفي السياق القانوني، أوضح حمايل أن العمل يجري من قبل بلدية بيتا والمواطنين المتضررين، لرفع قضية في المحاكم الإسرائيلية بسبب الاستيلاء على الأرض، وخلال فترة قصيرة سوف تكتمل الأوراق لرفعها، بمساعدة هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ومركز القدس للمساعدة القانونية.
لكن هناك إعاقات من قبل الاحتلال بحسب حمايل، لأن المحاكم الإسرائيلية لا تقبل إلا بإخراج قيد إسرائيلي يثبت ملكية الأرض، وحوالي 90% من أصحاب الأراضي تقدموا بطلب لاستصدار إخراج قيد من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية، ولكن هناك إعاقات ومماطلة في إصدارها، ولا يتم الرد على المواطنين إلا بعد أسبوعين.
على الرغم من المحاولات المتكررة للمستوطنين من الاستيلاء على قمة جبل صبيح، إلّا أن هذه المرة أثبت الفلسطينيون الجاهزية العالية للدفاع عن أرضهم، وتنبهوا إلى الخطر المحدق من حولهم، فحولوا المكان إلى ساحة مواجهات حقيقية صباحًا ومساءً، غير مبالين برصاص جنود الاحتلال ومستوطنيه، وهدفهم الأسمى زوال البؤرة الاستيطانية بكل ما تحويه، والوصول إلى أراضيهم في جبل صبيح.