ترجمة وتحرير نون بوست
“إنها مفاوضات رهائن وهي مستمرة طوال الوقت”، هذا ما قاله شريف منصور – أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في واشنطن ويعمل بلجنة حماية الصحفيين – واصفًا اعتقال قوات الأمن المصرية لابن عمه رضا عبد الرحمن في أغسطس/آب الماضي في محاولة لإجبار منصور على الصمت.
يقبع عبد الرحمن في السجن دون محاكمة منذ 9 أشهر، وقد علم منصور منذ ذلك الوقت أنه أدُرج مع والده على لائحة اتهامات واحدة، إذ اتهموهم جميعًا بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
يعد منصور واحدًا من عدد متزايد من النشطاء والمحللين والمعارضين الغاضبين من علاقة الإدارة الأمريكية الدافئة المفاجئة مع مصر، وقد أشاروا إلى تصاعد تهديدات المسؤولين المصريين للنقاد الذي يعيشون في المنفي بالولايات المتحدة ومن ضمن تلك التهديدات اعتقال أفراد عائلاتهم أو من يتواصلون معهم في مصر وكثير منهم مسجونون بتهم ملفقة مثل عبد الرحمن.
تعرض 12 فردًا من عائلة منصور للاعتقال والتحقيق معه من رجال الأمن المصري منذ اعتقال عبد الرحمن، يقول منصور: “لقد سألوهم عنا ومتى تحدثنا إليهم آخر مرة وفي أي شيء نتحدث، كما تفقدوا هواتفهم المحمولة وإذا امتنعوا عن إعطائهم كلمة السر فإنهم يتعرضون للضرب حتى يجدوا أي شيء يربطهم بنا بما في ذلك محادثات فيسبوك، لهذا السبب لا نتواصل معهم، لقد توقفت عن الحديث مع عائلتي حتى لا أمنحهم أي مبرر لمضايقتهم”.
أجرى بايدن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول مكالمة رسمية في أواخر مايو/أيار، بعد 4 أشهر من توليه الرئاسة، عندما كان مرشحًا للرئاسة وعد بايدن بعدم تقديم المزيد من “شيكات على بياض” لرجل دونالد ترامب الذي وصفه مرة بـ”ديكتاتوري المفضل”.
ومع ذلك فعندما تحدث الزعيمان نقاشا حقوق الإنسان من منظور “حوار بناء” وأكدا التزامهما بالشراكة القوية المنتجة بين مصر والولايات المتحدة، وفقًا لبيان البيت الأبيض.
جاء ذلك عقب الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس بما في ذلك زيارة علنية نادرة قام بها رئيس المخابرات المصري عباس كامل موخرًا إلى تل أبيب ورام الله، وسفر وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكينازي إلى القاهرة وهي أول زيارة لوزير خارجية إسرائيلي منذ 13 عامًا.
يقول إتش إيه هيلير من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “الأزمة الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقصف الإسرائيلي ذكرّ واشنطن بحقيقة حاضرة وواضحة للغاية، أنه لا يوجد عاصمة في المنطقة لها اتصال مباشر وعلاقات فعالة مع الإسرائيليين والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية إلا القاهرة”.
توجت إدارة بايدن هذه المحادثات المتبادلة الدافئة مع الرئيس المصري بقرار طلب 1.38 مليار دولار كمساعدة عسكرية سنوية لمصر، وهو أكبر رقم ممكن، عبّر تحالف من جماعات حقوق الإنسان عن استيائه الشديد من قرار الإدارة، وقال: “كانت حملة بايدن الانتخابية تقول لا مزيد من الشيكات على بياض لمصر، لكن طلب نفس المبلغ الذي تقدمه الولايات المتحدة سنويًا منذ 1987 رغم تراجع سجل حقوق الإنسان في مصر هو مجرد شيك آخر على بياض”.
يتفق منصور مع ذلك قائلًا: “لقد تخلوا عن خطابهم العلني بمطالبة مصر باحترام حقوق الإنسان ليوافقوا على إجراء حوار بناء، عندما اسمع هذا المصطلح يغلي الدم في عروقي، ليس فقط لأنه تكرار لما سمعناه كمصريين من جميع الديكتاتوريين السابقين، لكن لأنه يؤكد مدى سذاجة وجُبن الإدارة عندما يتعلق الأمر بمصر”.
منذ وصوله إلى السلطة عقب انقلاب عسكري عام 2013، أشرف السيسي على حملة قمع واسعة للمعارضة وحرية التعبير في تاريخ مصر الحديث، فيقبع عشرات الآلاف خلف القضبان بسبب آرائهم السياسية أو أنشطة بسيطة مثل كتابة تعليقات على فيسبوك، وفقًا لمنظمة العفو الدولية فقد وصلت السجون المصرية لضعف سعتها.
تعقبت “مبادرة الحرية” – منظمة حقوق إنسان في واشنطن أسسها الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان – أعداد المعتقلين المتزايدة بين أفراد العائلات المصرية الذين يتحدثون في الخارج، وقالت المنظمة إن التهديدات الهاتفية وحتى التهديدات الجسدية أصبحت وسيلةً تُستخدم بانتظام ضد المعارضة المصرية في كل أنحاء العالم.
يقول علي حسين مهدي – معارض ومؤثر يعيش في الولايات المتحدة الآن -: “لقد قالوا إنهم يستطيعون استئجار أحدهم هنا في أمريكا لملاحقتي”، وصف مهدي كيفية اعتقال أفراد عائلته في بداية هذا العام كوسيلة لمنعه من الحديث ضد الحكومة المصرية على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن والده ما زال معتقلًا.
تصاعدت التهديدات ضد مهدي لتصل إلى تهديدات هاتفية من شخص يدعي أنه رجل من المخابرات المصرية، بعد أن تحدث علانيةً عن اعتقال أفراد عائلته.
تحدثت “مبادرة الحرية” عن مصطلح “تكتيكات الرهائن”، الذي يتضمن 5 مواطنين أمريكيين تتعرض عائلاتهم للاعتقال في مصر من أجل إسكات نشاطهم في أمريكا، بالإضافة إلى ذلك، وجدت أكثر من 10 حالات لمواطنين أمريكيين أو مقيمين هناك تعرض أقاربهم للاعتقال في مصر العام الماضي، رغم اعتقادهم أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
أضافت المبادرة أنهم حذروا أحد المواطنين الأمريكيين من الحديث مع المشرعين في الولايات المتحدة عن إطلاق سراحهم من السجون المصرية، وأخبروه أن فعل ذلك سيتسبب في أذى لعائلته.
مع ذلك يحتوي القانون الأمريكي على آليات تحد من التعاون مع الدول التي تهدد المواطنين الأمريكيين أو المعارضين في الخارج، يتضمن ذلك قانون “ليهي” الذي يمنع الولايات المتحدة من تمويل قوات أمن أجنبية تنتهك حقوق الإنسان، وقانون “ماغنيتسكي” العالمي الذي يسمح للحكومة بفرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، وكذلك حظر “خاشقجي” الذي يمنع تقديم تأشيرات دخول لهؤلاء الذين شاركوا في أنشطة ضد المعارضين.
في البداية لم يرد البيت الأبيض عند التواصل معه للتعليق على الأمر، لكن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال في جلسة استماع للكونغرس هذا الأسبوع: “أعتقد أننا شهدنا تقدمًا في بعض مجالات حقوق الإنسان في مصر، لكن فيما يتعلق بحرية التعبير والمجتمع المدني، فهناك مشكلات بارزة للغاية يجب معالجتها بشكل مباشر مع شركائنا المصريين، وهذا ما نفعله الآن، لذا نأمل ونتوقع أن نرى المزيد من التقدم”.
عبّر النشطاء في الولايات المتحدة عن استيائهم بسبب رفض المشرعين فرض عقوبات ضد المسؤوليين المصريين الذين قالوا إنهم أكثر من مؤهلين لإجراءات عقابية، يقول منصور: “تشعر مصر أنها تستطيع الإفلات باحتجاز المواطنين كرهائن وهذه حقيقة بالفعل، سيظل ذلك وصمة عار لإدارة بايدن”.
المصدر: الغارديان