في كل حين تطل علينا من خلال الشاشات الفضية، أو الهواتف، أو أوراق المجلات قصص لنساء مسنات يبهرننا بما يمتلكنه من طاقات وإنجازات وروح لا تمتلكها الشابات، فتصيبنا حكاياتهم بالأمل حينًا، والإحباط في بعض الأحيان.
من منا لم تفتنه على سبيل المثال عارضة الأزياء كارمن ديل أوريفيس، المرأة ذات الـ 84 عامًا التي ما زال وجهها وجسدها المثاليان يتصدران أغلفة أرقى مجلات الموضة، وما زالت تتهادى بثقة على منصات عروض الأزياء وهي تنتعل حذاءها ذو الكعب العالي الرفيع والأنيق، ثم تبتسم بثقة للكاميرات متباهية بشعرها الفضي الجميل.
أيضًا اللبنانية ناهدة عابدين، التي ما زالت تقفز بكل قوة ورشاقة في صالة الألعاب لتقوم بتدريب وإلهام النساء، وهي بعمر قارب الـ 90 عامًا، ولا تزال تحمل تلك الروح الشابة المحبة والمعطاءة، وتلك النفس الأبية العزيزة التي اندفعت بها إلى صالة الرياضة، خوفًا من أن تصبح في يوم من الأيام عالة على أولادها، فيتمنون اللحظة التي تفارقهم فيها.
بالتأكيد يشعر كل منا بالرغبة في أن يعيش تلك الحياة الممتعة الجميلة، بما فيها من شعور بالإنجاز والصحة والسعادة والروح الشابة المتجددة.
فما هو سر تلك الروح؟
لو تتبعنا حياة هؤلاء الأشخاص المفعمون بالحياة، المنجِزون والسعداء، سنجد فيها مناحي مشتركة، منها:
- إنهم مشغولون
ربما يعتبرهم البعض غريبي الأطوار، كونهم لا يمتلكون اهتمامات تشبه المحيط الذي نحن فيه، ولا يبالون بالتوافه التي تستهلك أوقات واهتمامات البشر، ولا يضيّعون أوقاتهم في لهو لا يفيد، في حين يندفعون بكل ما يملكون من فكر ووقت وجهد نحو أهدافهم.
وهم مثيرون للتعجب والإعجاب معًا بهذا الانشغال والاهتمام اللذان نالتهما أهدافهم، وجعلتهم مكرّسين لها تمامًا لا ينسونها للحظة ولا يلتفتون عنها.
- يمتلكون الشغف
الرضا يمنح تلك الشخصيات طاقة يشعر بها كل من يجالسهم ويحتك بهم.
بينما ينشغل الأشخاص العاديون بأعمالهم وبتحصيل الرزق، ثم يندفعون نحو الملذات والترفيه لتحصيل السعادة والترويح عن النفس بقية الوقت، نجد أن ذوي الأرواح الشابة هم أشخاص حولوا شغفهم إلى عمل، أو أنهم ممن منحوا شغفهم كل ما تبقى من أوقاتهم بعد أداء أعمالهم، وهم يرون فيه كل السعادة، ولا يبخلون عليه بكل ما يحتاجه من وقتهم وجهدهم ومالهم.
كما أنهم لا يأسفون مهما كبرت الخسارات التي يسببها هذا الشغف في نواحٍ أخرى (كالحياة الاجتماعية والترفيه الذي اعتاده الآخرون)، بل إن منهم من يحرم نفسه من لباس أو طعام أو تجديد في أثاث المنزل، لتأمين مستلزمات هواياتهم وما يشغفون به.
- يتقبلون ذواتهم
سنجدهم متقبلون للفشل في بعض الأحيان، للمرض والإعاقة في بعضها، للتجاعيد والوحدة في أحيان أخرى.
هذا الرضا يمنح تلك الشخصيات طاقة يشعر بها كل من يجالسهم ويحتك بهم، وربما يمكننا تفسير هذا الرضا كونهم مشغولون، ويعتبرون ما يعاني منه البشر العاديون أمرًا ثانويًّا لا يستحق التوقف عنده والبكاء على أطلاله.
- لا يلقون بالًا للتقاليد
ستراهم وتميزهم باختلافهم في المجتمعات، وهم بارزون بهذا الاختلاف، وهذا لا يعني بالتأكيد المظهر وحسب (وإن كان مظهرهم المبهج على الأغلب يبرزهم)، لكن أسلوب العيش ونوع الاهتمامات والشغف الذي يشغلهم عن هذا العالم هو ما يميزهم دومًا.
إنهم نتيجة لهذا الاختلاف ولقبولهم أن يكونوا مختلفين. تجدهم لا يهتمون لآراء الآخرين السلبية بهم، أو لمن ينتقد اختلافهم، وهم ماضون دون توقف نحو غاياتهم متجاهلين معايير وأحكام المجتمع السقيمة المسبقة.
- يمتلكون طاقة كبيرة من الحب والرغبة في نفع الناس
تجدهم محلقين في فضاءات إيجابية، يشغلهم التفكير في الآخرين من الضعفاء والمظلومين، ومن لا يهتمون بحياتهم كما ينبغي.
ونراهم لا يملكون الوقت لتقييم الآخرين أو للعداوات، فيخرِجون من يتعبهم من حياتهم بلطف، ويمضون في طريقهم بثقة دون أن ينساقوا خلف الأحقاد والكراهية والمكائد وأحاديث الغيبة والنميمة.
- يتمتعون بالصحة والقوة البدنية
أغلب من يتمتعون بروح شابة قوية يمتلكون أجسادًا قوية تشبهها، ولعلها تلك الروح هي ما يمنح الأجساد جزءًا كبيرًا من طاقتها، وربما لاتباعهم نظامًا غذائيًّا صحيًّا غنيًّا ومتوازنًا.
غالبًا ما يفتقد كبار السن في مجتمعاتنا للقوة البدنية والصحة والعافية، وهذا الافتقاد لا يتم بين يوم وليلة، ولا يأتي به الجين المورّث مسبقًا (وإن كان له دور لا يستهان به طبعًا في صحة الإنسان)، لكن اكتساب الصحة والقوة البدنية والمظهر اللائق هو نتاج عمل وعمر طويل، يقضيه الإنسان وهو يلتزم بالتعليمات التي يقولها الأطباء الحقيقيون، ويلتزم معها بالفطرة التي لا يتخلى فيها الإنسان عن الحركة، ومعايشة الطبيعة، والغذاء الصحي.
- لا يتوقفون عن التعلم وتطوير أنفسهم
ستجدهم غالبًا يمتلكون أدوات العصر، ويتماشون معها دون أن ينعزلوا، ودون أن توقفهم الحاجة إلى السؤال عن التعلم.
إحاطة أنفسنا بالصداقات الإيجابية تحديدًا، أمر لا بد منه للحفاظ على صحتنا النفسية والجسدية.
وبالتالي هم يمتلكون ذهنًا حاضرًا متوقدًا بعيدًا عن مشاكل كبار السن التي اعتدناها، كالآلزهايمر والخرف المبكر والنسيان.
- لديهم مساحة واضحة -لا مساومة عليها- للاستمتاع
التمتع بالحياة والتمسك بهذه المساحة المهمة في حياة الإنسان، تعزز بالتأكيد الطاقة الإيجابية لديه، وهي تساعد في الحفاظ على الصحة والقوة والتوازن النفسي والجسدي والعقلي، وتؤثر بشكل كبير على بقية مناحي الحياة كالقدرة على الإنجاز والعطاء والشعور بالسعادة.
علينا ألّا نفقد أبدًا الرغبة في الاستمتاع، وألّا ننتظر شخصًا ما ليجعل حياتنا أفضل، فهذا الشخص هو أنفسنا التي نحملها بين جنبينا وحسب.
- يحتفظون بمحيطهم الإيجابي
في مرحلة من مراحل الحياة لدى النساء، والتي هي على الأغلب مرحلة الزواج والتربية، ينعزلن تحديدًا عن مجتمع الصديقات ويكتفين بالمنزل والعمل وأفراد العائلة، وهذا ما ينعكس لاحقًا على وجودهن وحيدات بعد أن يكبر الأولاد ويتقاعدن من الوظيفة.
إن إحاطة أنفسنا بالصداقات الإيجابية تحديدًا، أمر لا بد منه للحفاظ على صحتنا النفسية والجسدية، إذ يساعدنا وجود الأصدقاء الإيجابيين تحديدًا في التنفيس عن المشكلات وإبعاد تفكيرنا عنها لبعض الوقت خلال اللقاءات، والتي تمنحنا الحركة وتجبرنا على الخروج من المنزل وبالتالي التعرض للشمس وملامسة الطبيعة، وتبعدنا بالتأكيد عن الخمول والكسل القاتلَين.
- لا يتوقفون عن العمل
لا مجال للكسل عند أصحاب الروح الشابة، وعدم الاستسلام للخمول هو من أول صفاتهم، وتجدهم حتى إن كانوا يعملون في وظائف محدودة إلا أنهم يبادرون دومًا بالمشاريع المختلفة، ولا يتخلون عن العمل حتى بعد التقاعد.