الزمان: الجمعة 11 من يونيو/حزيران 2021
المكان: منزل سفير دولة الإمارات في مصر، حمد الشامسي
الحدث: السفير يقيم مأدبة عشاء تكريمية لقطبي الكرة المصرية، الأهلي والزمالك، بحسب الصفحة الرسمية للسفارة الإماراتية في القاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
أثارت الصور المتداولة على منصات السوشيال ميديا للسفير الشامسي وهو يتوسط نجوم الكرة المصرية، التي تناقلتها العشرات من وسائل الإعلام المصرية والإماراتية بحفاوة بالغة، الكثير من التساؤلات عما تحمله من دلالات وما تبعث به من رسائل.
تأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة من التحركات الإماراتية للدخول إلى عالم الرياضة المصرية لا سيما كرة القدم صاحبة الشعبية الجارفة، وهو المجال المثير للاهتمام من المستثمرين الخليجيين، وذلك بعد الفشل الذي منيت به الدولة الخليجية مؤخرًا داخل الشارع المصري على أكثر من مسار.
وكانت السعودية وعبر رئيس هيئة الترفيه بها، تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للرياضة السابق، قد اخترقت هذا المجال من قبل، لكن التجربة باءت بالفشل بعدما تسبب مستشار الديوان الملكي وأحد المقربين من ولي العهد في إحداث فتنة بين جماهير الكرة المصرية.. ليبقى السؤال: هل تحاول الإمارات الدخول من نفس الباب لتعزيز نفوذها بعد الخسائر التي تلقتها مؤخرًا؟
الرياضة.. الباب الجديد
برر السفير الإماراتي هذا اللقاء بأنه يهدف إلى “إظهار مدى قوة العلاقة التي تربط لاعبي القطبين، وأن ما حدث من مشادات خلال مباراة السوبر المصري في الإمارات مجرد سحابة عابرة ولن تتكرر”، مضيفًا “لاعبو الأهلي والزمالك اجتمعوا بوطنية وتحدثوا عن منتخب مصر بكل حماس، ولاحظت أن لديهم حسًا وطنيًا كبيرًا، وطبيعي أن يختلف الأخ مع شقيقه، لكن وفقًا لمعيار التنافس الشريف”.
وتابع الشامسي خلال مداخلة هاتفية له ببرنامج “الحكاية” الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب على شاشة “إم بي سي مصر” السعودية “مصر بلد الاعتدال والتسامح والإمارات كذلك، مصر منبع الثقافة والحضارة والعلم، وهي قلب العالم العربي، وربك رزقها بقيادة حكيمة ورشيدة وواعية”.
هذا اللقاء المفاجئ الذي يتزامن مع تصاعد المزاج الشعبي المصري الرافض للموقف الإماراتي المتخاذل حيال ملف سد النهضة، والتغريد المنفرد في عدد من الملفات الإقليمية بما يهدد الأمن القومي المصري، أثار التكهنات بشأن مخطط جديد لاستعادة الحضور المتراجع مصريًا من خلال كرة القدم.
وتعود إرهاصات هذا المخطط إلى 22 من فبراير/شباط 2019 حين استيقظ المصريون على خبر بيع نادي “بيراميدز”، الذي اشتراه تركي آل الشيخ، لرجل الأعمال الإماراتي سالم سعيد الشامسي، الذي لم يكن اسمه معروفًا لدى المصريين قبل ذلك إلا أنه كان نائبًا لمستشار ولي العهد السعودي في رئاسة النادي.
ويتولى الشامسي – بجانب أنه رجل أعمال ولديه شركة مقاولات تحمل اسمه – منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية بالإمارات، كما عمل قبل ذلك سفيرًا لبلاده في بعض الدول منها أستراليا، بجانب تنقله الدبلوماسي والتعليمي بين أوروبا والولايات المتحدة.
تعويض الفشل الإعلامي
فتح النافذة الرياضية لاستعادة الحضور الإماراتي داخل الشارع المصري جاء في الغالب ردة فعل على الضربات الموجعة التي تلقتها الدولة الخليجية في خريطة نفوذها الإعلامي التي لعبت دورًا مؤثرًا في تحقيق أجندة أبناء زايد في مصر منذ 2013 وحتى اليوم.
وكان الإعلام منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 هو ذراع الإمارات الأقوى لزعزعة الاستقرار في مصر من خلال العزف على وتر السلبيات والتجاوزات وخلق الأزمات وتصدير صورة سلبية عن الثورة والثوار، ولأجل ذلك تم ضخ مليارات الدولارات لبناء مؤسسات إعلامية قادرة على أداء هذا الدور.
وفي أشهر معدودة نجحت الإمارات في فرض نفسها كأحد اللاعبين المؤثرين في الملعب الإعلامي المصري، إما بدعم وتمويل وشراء حصص وأسهم في بعض الكيانات الإعلامية ذات الانتشار الواسع كصحيفة اليوم السابع والمصري اليوم والوطن، وإما بتدشين مراكز بحثية لغسل الأدمغة المصرية بالمعلومات المشوهة عن الثورة ورموزها، كما هو الحال في المركز العربي للدراسات والبحوث الذي يديره البرلماني السابق عبد الرحيم علي، المقرب من الإمارات ودوائر صنع القرار المصري.
الإماراتيون لم يكتفوا بفرض سياستهم التحريرية على المواقع والكيانات الإعلامية المصرية فقط، بل دشنوا قنوات خاصة بهم تبث من القاهرة، وذلك لخدمة الأجندة الإقليمية لأبناء زايد، فكانت قناة “الغد العربي” التي وُكل أمرها ووسائل الإعلام المصرية الأخرى إلى القيادي المفصول من حركة “فتح” الفلسطينية، محمد دحلان، المقرب من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.
لكن يبدو أن تلك الإستراتيجية لم تعد تحقق الهدف المنشود منها، إذ بدأت أبو ظبي في تقليص حضورها الإعلامي مصريًا من خلال تقليل مستويات وحجم الضخ والتمويل، وهو التحرك الذي فسره البعض بأنه إعلان شبه رسمي عن فشل تلك الأداة في تحقيق المردود الخاص بها في الوقت الراهن، لا سيما بعد المستجدات الأخيرة التي أسقطت الكثير من الأقنعة.
النفوذ الإماراتي.. علامة استفهام
قادت الإمارات محور الثورات المضادة في المنطقة، رفقة عدد من العواصم الخليجية التي كانت تخشى من عدوى الثورة والتغيير وفرض إرادة الشعوب، ومن ثم كان لها دور محوري في إجهاض ثورة يناير على وجه التحديد، فكانت الحاضنة المادية والسياسية لجنرالات الـ3 من يوليو/تموز 2013.
فتح أبناء زايد خزائن بلادهم أمام مخطط وأد الثورة المصرية، وترسيخ أركان النظام العسكري الجديد، فكانت المعونات المقدمة لنظام الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، هي النواة التي سندت زير الثورة المضادة، فقد قدمت الإمارات معونات بنحو مليارين و636 مليون دولار خلال النصف الثاني من عام 2013.
وفي النصف الأول من 2014 قدمت قرابة مليار و750 مليون دولار، ليصل إجمالي المعونات الإماراتية التي قدمت لمصر خلال العام الأول فقط من الانقلاب أربعة مليارات و386 مليون دولار، وإن تراجعت في العام الثاني لتصل إلى 156 مليونًا فقط، ثم 11 مليونًا في العام الثالث، و13 في العام الرابع والخامس، حتى توقفت بصورة تدريجية لاحقًا.
التوغل الإماراتي داخل مفاصل الدولة المصرية لم يقتصر عند حاجز المعونات الرسمية التي تؤثر بشكل أو بآخر على القرار المصري في حزمة من الملفات الإقليمية التي تشكل خريطة المصالح الإماراتية في المنطقة، بل نجح الإماراتيون في الانتشار داخل الجسد المصري على أكثر من مسار من خلال نفوذهم المالي.
ففي قطاع الصحة على سبيل المثال تسيطر شركة “أبراج كابيتال” الإماراتية، التي أعلنت إفلاسها مؤخرًا، على العديد من الشركات المصرية والمنشآت الصحية والتعليمية، خلال السنوات الأخيرة، من بينها سلسلة معامل البرج والمختبر، بجانب امتلاك حصص في بعض المستشفيات الاستثمارية على رأسها القاهرة التخصصي، كذلك شركات الأدوية كأمون وكليوباترا.
الأمر ذاته في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، إذ بلغ حجم استثمارات الإمارات في هذا القطاع داخل مصر نحو 2.08 مليار دولار، إضافة لقطاع النفط حيث أعلنت شركة مبادلة للبترول، التابعة لشركة مبادلة للاستثمار الإماراتية، مؤخرًا شراء حصة 20% من امتياز حقل نور البحري للغاز شمال سيناء من شركة إيني الإيطالية، التي تملك 85% بالشراكة مع الشركة المصرية للغازات الطبيعية، التي تستحوذ على 15% من الامتياز.
وفي مجال النقل نجحت الإمارات في تعزيز حضورها في معظم شوارع مصر من خلال مشروع النقل الجماعي الذكي عبر 180 حافلة، المشروع خاص بشركة “مواصلات مصر” التي تستحوذ مجموعة الإمارات الوطنية على 70% من رأسمالها، بنحو مليار دولار، فضلًا عن الاستثمارات الإماراتية المليارية في قناة السويس عبر مجموعتها الشهيرة “موانئ دبي العالمية”.
القطاعات الأخرى كالتعليم والاستثمار الزراعي كان لها نصيب كبير من الاستثمارات الإماراتية كذلك، هذا بخلاف الشراكة مع الجيش في عدد من المشروعات السكنية والتعدين والثروة المعدنية، الأمر الذي وضع الدولة النفطية الصغيرة على قائمة الاستثمارات الأجنبية في مصر في وقت لا يتعدى سنوات معدودة.
وأمام هذا التغلغل الذي أثار حفيظة الكثير من المهتمين بالشأن المصري تصاعدت حدة المخاوف من احتمالية تكرار تجربة آل الشيخ السعودي – سيئة السمعة – مع الشامسي الإماراتي، السفير ورجل الأعمال، لتدخل الكرة المصرية نفقًا جديدًا مظلمًا وهي لم تتعاف بعد من آلام مخاض الكفيل السابق.