ترجمة: حفصة جودة
نشرت صحيفة فينانشيال تايمز مقالًا هذا الأسبوع تقول فيه إن الإمارات العربية المتحدة تستبدل سياستها الأمنية والخارجية المؤكدة بالمزيد من المقاربة الدبلوماسية المدروسة، لا يمكن للواقع أن يكون أبعد عن الحقيقة.
يمثل هذا الجدل بشكل كبير نقطة نقاش إماراتية في الأشهر الأخيرة، فأبو ظبي تحاول إعادة الترويج لنفسها في عصر بايدن كلاعب بناء وليس مدمرًا في المنطقة.
بالنظر إلى ما وراء القصة، فقد أصبح واضحًا مع ذلك أن أبو ظبي تظل لاعبًا مؤكدًا بشكل كبير في المنطقة، فهي مستعدة لاستخدام كل أدوات القوة لتحقيق غاياتها، وهي تفعل ذلك بتروٍ شديد ومزيد من الإنكار المعقول، لكنه ليس بالضروري أقل تدميرًا.
رغم التحدي بين مسميات القوة الناعمة والصلبة، فإن النهج الإستراتيجي الذي تتبعه المملكة الخليجية العشائرية في المنطقة ما زال يجمع كل مصادر قوتها وتأثيرها، ولأن البلاد صغيرة في حجمها وعدد سكانها، فما زال معظم المحللين يخطئون في تطبيق مقاييس قديمة للقوة عند محاولة فهم موقف الإمارات الحاسم في المنطقة.
الإستراتيجية الكبرى
قد يبدو أن اتحاد الإمارات السبعة الذي تقوده الحكومة الثلاثية للأشقاء الثلاث المؤثرين من عائلة آل نهيان في أبو ظبي – محمد ومنصور وطحنون بن زايد – يتراجع عن طموحه في المنطقة، لكنه في الواقع يستخدم بحسم كل أدوات القوة لتحقيق أهدافه الإستراتيجية الكبرى في أماكن مثل ليبيا واليمن والقرن الإفريقي.
أصبحت القيادة في أبو ظبي تعتقد خلال العقد الأخير أن الفراغ الذي تركه التراجع الغربي في المنطقة يجب ملئه بنظام سلطوي جديد مضاد للثورات تقوده قوة متوسطة مثل الإمارات
إن افتقار الإمارات للقدرات والقوة العسكرية التقليدية، جعل أبو ظبي سيدة الحروب بالوكالة، من خلال بناء شبكة مع المجتمعات والنخب المحلية لصنع قوات قتالية بديلة، أو السماح لقواتها المرتزقة بعرض قوتهم خارج البلاد.
لفعل ذلك، تواصل الإمارات ملاحقة أهدافها الإستراتيجية رغم كل الصعاب، متحدية بذلك انتقاد واشنطن لتمويلها المرتزقة الروس في ليبيا وفقًا لتقرير أصدره المفتش العام للبنتاغون لعمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا، أو التعاون مع الصين لتطوير تكنولوجيا المعلومات التخريبية والذكاء الاصطناعي، وعلى عكس السعودية التي ترضخ للضغط الأمريكي فإن الإمارات تميل إلى الرد بحملات العلاقات العامة في واشنطن.
لا يرى محمد بن زايد وأشقاؤه أن الإمارات دولة عميلة لأي شخص، وهم يتبعون نهجًا صفريًا عند الانخراط في المنطقة لتعزيز مصالحهم.
مدفوعة بطموحاتها الإستراتيجية الكبرى لبناء إمبراطورية تجارية جديدة في مقطع الطريق بين الشرق والغرب، أصبحت القيادة في أبو ظبي تعتقد خلال العقد الأخير أن الفراغ الذي تركه التراجع الغربي في المنطقة يجب ملئه بنظام سلطوي جديد مضاد للثورات تقوده قوة متوسطة مثل الإمارات.
فرّق تسد
تمكنت الإمارات جيدًا من الحرب بالتفويض باستخدام قوات بالوكالة تحملت عبء القتال بينما حمت الإمارات من تكاليفها المتعلقة بالسمعة، فالقوات البديلة مثل الجماعات المسلحة المحلية والمرتزقة والمؤثرين الشعبيين ساعدوا الإمارات في تحويل ثروات نفط المملكة إلى قوى ذكية وصلبة.
باستغلال المظالم المحلية تمكنت الإمارات بحذر من بناء قوات مقاتلة باستخدام الإستراتيجية الاستعمارية “فرّق تسد”، ففي الصومال دعمت أبو ظبي بشدة مقاطعة بونتلاند الانفصالية الصومالية، واستغلت طموحها الانفصالي لتأسيس قوة مكافحة للقرصنة يقودها المرتزقة، ستمكن الإمارات من الوصول إلى منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الإستراتيجة الجغرافية.
أما فيما يتعلق بالطموحات الانفصالية الجنوبية في اليمن، فقد صنعت الإمارات مجلس انتقالي جنوبي – وهو قوة بديلة تواصل تأمين وصول الإمارات إلى الممرات المائية اليمنية -، وفي ليبيا استغلت الإمارات استقطابات ما بعد الثورة لإنشاء شبكة ميليشيات حرة تحت اسم الجيش الوطني الليبي “LNA” ما يمنح الدولة الخليجية سيطرة كبيرة على الممر الإستراتيجي لشمال إفريقيا في شرق ليبيا.
تحولت الإمارات من التوسع إلى مرحلة الاندماج، إذ تحمي أهدافها المضمونة من خلال الطريقة التدميرية “فرّق تسد”
بالإضافة إلى ذلك، تجاوزت الإمارات الحدود فيما يتعلق بانتشار المرتزقة في الحرب، ففي ليبيا موّلت أبو ظبي قوات فاغنر الروسية دعمًا لللجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، وفي الصومال، كانت الراعي لقوات مكافحة القرصنة، وفي اليمن شكلت قوات المرتزقة من أمريكا اللاتينية في الزي الإماراتي العمود الفقري لعملياتها، بينما أدار المرتزقة الأمريكيون والإسرائيليون المدرجون على جدول الرواتب الإماراتية، فرق الاغتيال في جنوب اليمن.
تحصين وليس تخفيضًا
وهكذا فبدلًا من التراجع الفعلي، تحولت الإمارات من التوسع إلى مرحلة الاندماج، إذ تحمي أهدافها المضمونة من خلال الطريقة التدميرية “فرّق تسد”، ورغم أنها قللت من قواتها على الأرض في الصومال وليبيا واليمن، فإن شبكتها البديلة مستمرة لضمان تحقيق أهدافها.
بتأنٍ وإنكار معقول، تمكنت أبو ظبي بفاعلية من منح قوتها لتلك القوات الخارجية، والمساعدة في توجيه نتائج تلك الصراعات مع تجنب مسؤولية جرائم الحرب.
سوف تستمر أبو ظبي في فرض رؤيتها على المنطقة بينما تحمي بنيتها التحتية والوصول للمطلوب للحفاظ على إمبراطوريتها، وحتى لو تراجعت القوات الإماراتية على الأرض في اليمن وليبيا في الأشهر الأخيرة، فلا شك أن سياسة الدولة الخليجية ليس التراجع أو التخفيض أبدًا بل التحصين والترسيخ.
المصدر: ميدل إيست آي