بعد الإيمان بضرورة المقاومة والدفاع عن فلسطين بأكملها من النهر إلى البحر، وبعد الأحداث الأخيرة التي أرجعت اللحمة الوطنية الفلسطينية فوق مساحة 27 ألف كيلومتر مربع، خرجت دعواتٌ شبابية هدفت إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتعزيز دعم المنتجات الفلسطينية، إيمانًا منهم بحتمية المواجهة الاقتصادية خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه يوم 18 من مايو/أيار، يوم الإضراب العام في فلسطين والشتات، فقد ارتأت المجموعات الشبابية إمساك زمام المبادرة ساعين إلى إطلاق أسبوع الاقتصاد الوطني.
دعم الصناعة المحلية
جاء هدف هذا الأسبوع كما قالت الباحثة الاقتصادية ريا الصانع: “التفكير بالمعادلة الاقتصادية بشكل أوسع، لأن دولة الاحتلال تستخدم القوة الاقتصادية بهدف إنجاح مشروعها، فمن الواجب علينا أن نفهم أن الواقع الذي نعيشه غير ناتج عن أمور سياسية فقط، إنما أمور سياسية مدعومة باتجاهات اقتصادية، وهذا هو الهدف الأساسي من طرح هذا الأسبوع وبدأت الفكرة تتبلور من لحظة نجاح الإضراب العام من النهر للبحر”.
وأكملت “الشعب الفلسطيني شعب مُفقر من الاستعمار الاستيطاني، إذ قضى على قاطعتنا الإنتاجية بشكل ممنهج وخلقنا كأيدي عمل رخيصة للسوق، وخلق تبعية بيننا وبين الاقتصاد الإسرائيلي، كما عمل على إضعاف قطاعاتنا المنتجة كالزراعة والتعدين والمحاجر والمصانع، هذا الإضعاف لم يأتِ بشكل مفاجئ، إنما بشكل مدروس، فإضعاف هذه القطاعات يؤثر على قدرتنا على الصمود والتحدي، فالقضاء عليها وقتلها يؤثر على خلق قواعد شعبية اجتماعية قادرة على المقاومة من خلال عملها الإنتاجي محلي الصنع، فهذه قوة لا يمكن أن يستهان بها”!
وأوضحت أن التأثير من ناحية اقتصادية بحتة على الاقتصاد الإسرائيلي ممكن أن يكون ضعيفًا، لأننا ما زلنا تحت الاستعمار، فكما تقول من المهم أن نكون واعين بشكل كافٍ لنفهم عدم وجود شيء اسمه “اقتصاد وطني فلسطيني مستقل”، ومن الاستحالة وجوده لأننا ما زلنا مستعمرين.
على الرغم من كسر البنى التحتية للاقتصاد الوطني الفلسطيني وتدهور القطاعات الإنتاجية بشكل ممنهج، فمن المهم أن نفكر بالمساحة المحدودة لنا التي نستطيع فيها كشعب اتخاذ قرارات، فمن الممكن أن يكون لدينا تأثير اقتصادي بسيط، فهل نفكر مثلًا بشراء الخضراوات والفواكه من المصدرين الكبار الذين يصدرون المنتجات الإسرائيلية إلى الضفة؟ إذ صدرت “إسرائيل” عام 2014 إلى الضفة 4 آلاف طن من الذرة.
“علينا أن نعيد التفكير في كثير من المنتجات التي يستهلكها الناس بشكل يومي وهي من المصدرين الإسرائيليين، فلا تقتصر المقاطعة على العصير أو الشيبسي، بل نوسع التفكير بكل المنتجات التي تصلنا وتكون ذات منشأ إسرائيلي، فعلينا أن نكرس في هذا الأسبوع دعم المزارعين الصغار، فحتى لو أن منتجاتهم بسعر أغلى من المزارعين الكبار، إلا أن التفكير وبشكل واعٍ يجعل المواطن يفكر بدعم القطاعات المحلية”.
الاستجابة الشعبية
تقول لمى شحادة من المبادرين لهذا الأسبوع: “التفاعل والمشاركة كبيران على كل الأصعدة، والجميل بهذه الحملة أن المبادرين والمشاركين بها هم الناس البسطاء الذين لا يأخذون قرارات كبرى في العادة، فالحملة ليست منطلقة من أحزاب أو لجان أو مؤسسات، فالعامل البسيط وصاحب المتجر والأفراد هم القادرون على التأثير”.
اشتملت فعاليات أسبوع الاقتصاد الوطني على مساعدة الناس لبعضها البعض في إيجاد المنتجات الوطنية، وبأي محال تجارية، وبدأ أصحاب المحال بإعلان تخفيضات على المنتجات الوطنية الفلسطينية، وبرزت مجموعات شبابية تشجع وتسوق منتجات التعاونيات البسيطة، وتدل الناس على الشراء منها وعن أماكن وجودها، وهناك من وضع قائمة بالمنتجات الوطنية الموجودة وأهمية الشراء منها، وشارك متطوعون في توزيع ملصقات تشجع الناس على شراء المنتجات الوطنية.
قال الباحث عصمت قزمار: “هذا الأسبوع جزء من رفض العودة إلى حالة الشرذمة والتفتيت الذي فرضته دولة الاستعمار الاستيطاني علينا، هي العودة إلى الحالة الفلسطينية التي كانت قبل شهر، فالأدوات الاقتصادية تشكل جوهر السياسات الإسرائيلية لإخضاع شعبنا وإدامة الاحتلال لأرضنا وحرماننا من حقوقنا”.
فالمظاهر الصعبة للواقع الفلسطيني التي نراها في كل مكان بفلسطين جاءت نتيجة الدور الكبير التي تلعبه الأدوات الاقتصادية في منظومة السيطرة التي تفرضها “إسرائيل” على شعبنا، ففي الداخل الفلسطيني نرى العنف المستشري، فهو انعكاس للواقع الاقتصادي السيئ، وهو نتيجة لسياسات “إسرائيل” الممنهجة، فسياسية “إسرائيل” الاقتصادية دمرت أي فرصة لإقامة اقتصاد فلسطيني مستقل وإلحاقه بالاقتصاد الإسرائيلي.
فعاليات أسبوع الاقتصاد الوطني جالت مدن الضفة والداخل الفلسطيني باستثناء مدينة القدس، فبعد الدعوات للمشاركة في البازار الشعبي في حديقة بيت حنينا، خلف جامع كلية الدعوة، أصدرّت شرطة الاحتلال منع إقامة البازار الشعبي في مدينة القدس المحتلة، كان البازار يشمل عرضًا للمشغولات اليدوية، ومأكولات بيتية، ومنتوجات من أراضي الفلاحين، وفعاليات تهريجية وموسيقية للأطفال، وعبّر ناشطون عن غضبهم إزاء هذا القرار واعتبروا أنّه شكل آخر من أشكال تقييد الوجود الفلسطيني في المدينة المحاصرة، وحرمانها من أي أفق اقتصادي.
نحن في الأيام الأخيرة لأسبوع الاقتصاد الوطني نستطيع القول إن الحملة لاقت تجاوبًا من الفلسطينيين، وأن هناك عزوفًا على المستوى الشعبي عن شراء منتجات الاحتلال، وتشجيع التعاونيات البسيطة على تسويق منتجاتها، وأصدرت عدة مجالس بلدية قرار للتشجيع وهو إعفاء المحال التجارية الخالية من المنتجات الإسرائيلية من رسوم “الحرف والصناعات” للعامين الحاليّ والقادم!