استفزاز جديد تقوم به دولة الإمارات بحق القضية الفلسطينية التي يبدو أنها سقطت وبصورة نهائية من حسابات أبناء زايد التي باتت محصورة في تنفيذ أجندتهم الإقليمية أيًا كانت الاعتبارات التاريخية والمرتكزات الوطنية التي أرسى والدهم ركائزها قبل رحيله.
ففي الوقت الذي يتغنى فيه الشارع العربي بالمقاومة الفلسطينية والانتصارات الرمزية التي حققتها في معركتها الأخيرة مع دولة الاحتلال، وهي الانتصارات التي شهد بها الداخل الإسرائيلي نفسه، يواصل وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، تحريضه المستمر ضد المقاومة ممثلة في حركة “حماس”.
الوزير الإماراتي وخلال حديث له مع موقع اللجنة اليهودية الأمريكية، (التي افتتحت مكتبًا لها في أبو ظبي) أول أمس الجمعة، قال: “من المؤسف أن تتردد الدول بشكل أكبر في الحديث عن كيانات مثل (حركة المقاومة الإسلامية) حماس أو حزب الله أو الإخوان المسلمين بطريقة أوضح”، معربًا عن قلقه من التهديدات التي يشكلها المتطرفون حول العالم وعدم استجابة العديد من الدول لها، وتابع “من المضحك أن بعض الحكومات تصنف الجناح العسكري فقط لكيان ما، وليس الجناح السياسي، على أنه إرهابي، في حين أن الكيان نفسه يقول إنه ليس هناك فرق”.
وفي المقابل أعرب الرجل عن أمله أن يساعد اتفاق “إبراهام” الموقع بين الإمارات و”إسرائيل” منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، في “إلهام دول أخرى بالمنطقة لإعادة تصوّر المستقبل” على حد قوله، مؤكدًا حرص بلاده على جعل علاقات التطبيع بين البلدين “علاقة شعبية”، مشيرًا إلى تدفق السياح الإسرائيليين الذين يزورون الإمارات منذ العام الماضي.
فجر في الخصومة واستعداء ممنهج وتناقض فج، أثار غضب الشارع العربي الذي استقر في يقينه أن النظام الإماراتي الحاليّ بات يغرد منفردًا عن السرب العروبي، متجردًا من كل الالتزامات الوطنية تجاه القضية الفلسطينية، التي ثبت مع مرور الوقت أنها كانت جسرًا لتحقيق أهداف وأجندات خاصة إقليميًا ودوليًا.
لا فرق بينها وبين داعش.. وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد يعبّر، خلال حضوره اجتماع اللجنة الأمريكية اليهودية، عن أسفه لامتناع الغرب عن تصنيف حماس منظمة إرهابية pic.twitter.com/467f19YYUY
— مجلة ميم (@MeemMagazine) June 11, 2021
تحريض ممنهج
تحريض وزير الخارجية يأتي ضمن خطة ممنهجة تستهدف تشويه المقاومة في محاولة للتقليل من الانتصار الذي حققته في الحرب الأخيرة ووضع أبو ظبي في حرج كبير أمام الشعوب العربية بشتى ميولها السياسية، لا سيما أن البعض وضع الإمارات و”إسرائيل” في كفة واحدة، فهزيمة إحداهما هزيمة للأخرى.
ومنذ اندلاع فتيل الحرب أبريل/نيسان الماضي التزم الإماراتيون الصمت بداية الأمر، في الوقت الذي خرجت فيه العديد من العواصم العربية – بما فيها المطبعة مع “إسرائيل” – ببيانات إدانة واستنكار للاعتداءات الإسرائيلية ودعم المقاومة ومساندة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه.
وبعدما شارفت الحرب أن تضع أوزارها خرجت الدولة الخليجية ببيانات وتصريحات رمادية باهتة، إذ لم تحمل في مضمونها أي إدانة واضحة للانتهاكات المرتكبة، فجاءت بصيغة دبلوماسية تساوي بين الطرفين، في محاولة لرفع العتب عنها عربيًا.
مثل هذه المواقف تفضح وجه الإمارات الحقيقي الذي بات مكشوفًا للجميع، فالدولة صغيرة الحجم تسعى لتحقيق مصالحها الإقليمية عبر إستراتيجية “التآمر على العرب”
الخطاب السياسي والإعلامي الإماراتي بات يتطابق بشكل كبير مع نظيره الإسرائيلي من حيث الاعتماد على شخصنة القضية وشيطنة المقاومة وتحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع ومحاولة تشويه صورتها بالمتاجرة بالقضية لتحقيق مكاسب سياسية ومادية مؤقتة.
وتنفيذًا لهذا المخطط أطلقت السلطات الإماراتية العنان لمسؤوليها الحاليّين والسابقين، وعدد من رموز القوى الناعمة من رجال الدين لديها، بشن حملة ممنهجة لتشويه المقاومة، على أمل التغطية على ما تحقق ميدانيًا، بما يحافظ على النصر الواهي والاعتباري للحليف الإسرائيلي وعلى رأسه رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو، الذي بات على بعد خطوات من إنهاء حياته السياسية، لأسباب عدة، من بينها نجاح المقاومة.
نائب رئيس شرطة دبي الأسبق، ضاحي خلفان تميم، يغرد عشرات التغريدات عبر حسابه على “تويتر” يشيطن فيها حماس، ويتهم قادتها خالد مشعل وإسماعيل هنية بأنهما “أخطر رجلين على العرب اليوم قبل غد”، ناعتًا إياهما بـ”لصوص قضية” متبجحًا بقوله: “لو قابلت إسماعيل هنية وجهًا لوجه لضربته كفًا”.
الداعية الإماراتي وسيم يوسف، دخل هو الآخر على الخط ذاته، منفذًا ما يملى عليه من تعليمات سلطوية، على أمل أن ينال الرضا السامي، فشن هجومًا عنيفًا ضد حماس، واصفًا المنتسبين لها بأنهم “خونة ومنهج خائن.. خانوا العرب وقاموا بالاغتيالات ضد إخوانهم العرب”.
#اسرائيل أشعلت الفتيل في قضية #حي_الشيخ_الجراح و #حماس أشعلت الفتيل في الصواريخ
الضحية الأبرياء!
يجب أن نكون عقلاء فإن سفك الدماء خطير والدم يجر دم، وأهل #غزة للأسف ضحية لـ #حماس
أسأل الله أن يحقن دماء الجميع و أن يعم السلام، فالدمار لا مستفيد له إلا تجار الموت.
— Dr. Waseem Yousef (@waseem_yousef) May 13, 2021
غضب شعبي
وفي أول ردة فعل لها على تلك التصريحات قال الناطق باسم “حماس” حازم قاسم، في تغريدة عبر “تويتر”: “تحريض وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان للدول الغربية لتصنيف حركة حماس كمنظمة إرهابية، يتنافى مع قيم العروبة ويتناقض مع كل المفاهيم القومية”، لافتًا إلى أن تلك التصريحات “تتسق مع الدعاية الصهيونية الفاشلة وتصطدم مع توجهات الجمهور العربي الداعم للمقاومة في فلسطين”.
وعلى المستوى الشعبي فقد أثارت كلمات الوزير الإماراتي غضبًا واسعًا بين الناشطين العرب الذين تساءلوا عن حالة التناقض المفضوحة التي تكشفها تلك التصريحات، ففي الوقت الذي يشن المسؤول الخليجي هجومه على المقاومة لم يتفوه بكلمة واحدة يدين بها جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين.
النشطاء أشاروا إلى أن مثل هذه المواقف تفضح وجه الإمارات الحقيقي، الذي بات مكشوفًا للجميع، فالدولة صغيرة الحجم تسعى لتحقيق مصالحها الإقليمية عبر إستراتيجية “التآمر على العرب”، فتآمرت على سوريا واليمن وليبيا، وساهمت في نجاح الثورة المضادة في مصر، وها هي اليوم تسعى لخدمة المحتل بشيطنة المقاومة.
آخرون ذهبوا إلى أن التوجهات الإماراتية الحاليّة باتت تمثل خطرًا على المنطقة العربية برمتها، وهو ما تكشفه التحركات الانفرادية في عدد من الملفات التي تهدد الأمن القومي لبعض الدول الحلفاء مثل مصر والسعودية، كالملف الليبي واليمني والنفوذ في القرن الإفريقي، وهو ما دفع تلك الدول لإعادة تقييم العلاقات مرة أخرى مع أبو ظبي في الآونة الأخيرة.
تآمرت الإمارات على دول الربيع العربي جمعاء
فخلف كل مؤامرة ضد الأمة وقضاياها تجد الإمارات فالتآمر على ثورة الشعب السوري وتقسيم اليمن وتدمير ليبيا وانقلاب مصر
واليوم عبدالله بن زايد خلال اجتماعه مع اللجنة الامريكية اليهودية يعبر عن أسفه لماذا الغرب لم يصنف حماس أنها إرهابية https://t.co/jFzsqpLLdM
— أبو النور الحمصي(رائد عزالدين) (@abo_alnoor_1977) June 12, 2021
شيزوفرينيا برغماتية
لا يجد النظام الإماراتي حرجًا في أن يسير في خطين متوازيين، فيما يتعلق بملف الصراع العربي الإسرائيلي، الأول: الدعم المطلق للكيان المحتل، والثاني: العمل جاهدًا لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها والتعامل معها بسياسة الأمر الواقع وتقبل الوضع الراهن، وهو التوجه الذي بات مسيطرًا على خريطة السياسة الخارجية للدولة الخليجية.
فبينما كان الإماراتيون يشنون هجومهم على المقاومة، كانت التحركات الموازية لتعزيز التقارب والتعاون مع الدولة العبرية على أشدها، وحين كان الفلسطينيون يتساقطون واحدًا تلو الآخر بصواريخ الجيش الإسرائيلي كانت أبو ظبي تبرم عددًا من الاتفاقيات مع تل أبيب.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” نقلًا عن رصد أجرته وكالة “الأناضول” كشف النقاب عن حزمة من اللقاءات والفعاليات التي جمعت بين مسؤولي الدولتين، الإمارات و”إسرائيل”، منذ 16 من أبريل/نيسان الماضي، بعد 3 أيام فقط من انفجار الأوضاع في فلسطين إثر الاعتداءات الإسرائيلية في القدس، وحتى مطلع يونيو/حزيران الحاليّ.
حلقة جديدة في مسلسل الخذلان الإماراتي، تعكس إصرارًا وتأكيدًا على المضي قدمًا في تلك السياسة الجديدة، التي لا تراعي إلا المصالح الشخصية للدولة الخليجية، وتضع جانبًا أي معايير أخرى تتعارض والأجندة الإقليمية
الفعاليات تنوعت بين حضور لقاءت مجمعة كالتي جمعت بين وزير الخارجية الإسرائيلي، جابي أشكنازي، ووزير الإمارات للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في الـ16 من أبريل/نيسان الماضي، في قبرص، كذلك الزيارة المثيرة للجدل للسفير الإماراتي لدى “إسرائيل”، محمد آل خاجة، لمقر الزعيم الروحي لحركة “شاس” الدينية، الحاخام شلومو كوهين، في مدينة القدس المحتلة، في الـ31 من مايو/أيار الماضي.
كذلك إبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مثل الاتفاق الذي وقعته شركة “مجموعة 42” الإماراتية مع شركة “رفائيل” للصناعات الدفاعية الإسرائيلية (حكومية)، لإقامة مشروع مشترك، وذلك في 19 من أبريل/نيسان، كذلك إبرام بورصة دبي للذهب والسلع اتفاقًا يتيح للشركات الإسرائيلية التداول على منصة “دبي للسلع”، بجانب إطلاق منصة إعلامية عربية عبرية داخل “إسرائيل”، يرأس تحريرها الصحفي الإماراتي، محمود العوضي، كأول خليجي يرأس وسيلة إعلام إسرائيلية، فيما يمولها رجال أعمال إسرائيليين.
حلقة جديدة في مسلسل الخذلان الإماراتي، تعكس إصرارًا وتأكيدًا على المضي قدمًا في تلك السياسة الجديدة، التي لا تراعي إلا المصالح الشخصية للدولة الخليجية، وتضع جانبًا أي معايير أخرى تتعارض والأجندة الإقليمية، ليواصل أبناء زايد شيزوفرينيتهم الفجة التي أسقطت ورق التوت عنهم، وجعلت مبادئ الإنسانية المرفوعة، شعارات لا تساوي الحبر الذي كتبت به.