ترجمة وتحرير: نون بوست
تبعد القدس عن صنعاء حوالي 2500 كيلومترا، لكن قضية ومعاناة الفلسطينيين راسخة في قلوب اليمنيين. ورغم ست سنوات من الصراع الذي ترك الغالبية العظمى من سكان اليمن في أمس الحاجة للمساعدة، لا يتردد العديد من اليمنيين في التبرع بما في وسعهم للفلسطينيين الذين يكافحون تحت الاحتلال الإسرائيلي والحصار.
تتمتع حماس، الحركة الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة، بشعبية في الدولة التي مزقتها الحرب، حيث يعظّم الكثيرون التزامها بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وتحظى الحركة باحترام اليمنيين على نطاق واسع من جميع المشارب السياسية، وذلك على الرغم من علاقة الحركة الوثيقة بإيران التي تدعم حركة الحوثيين في الصراع اليمني. خلال حرب الشهر الماضي التي دامت 11 يوما بين حماس وإسرائيل، بحث اليمنيون في جميع المحافظات عن طرق للتبرع. وفي صنعاء، وقع تنظيم احتجاج ضخم تضامنا مع الفلسطينيين جذب عشرات الآلاف من الأشخاص.
لكن يوم الأحد، بدأت الآراء تتغير. التقى معاذ أبو شمالة، ممثل حماس في صنعاء، بزعيم الحوثيين محمد علي الحوثي وكرّمه اعترافا بحملة الجماعة الأخيرة لجمع التبرعات للمقاومة الفلسطينية. وكان الزعيم الحوثي قد أطلق الحملة الشهر الماضي، حيث تبرع بجنبيته الخاصة، وهي خنجر يمني تقليدي. وبينما رحب مؤيدو الحوثيين بالاجتماع، غضب معارضوهم من هذا التبادل خاصة أنهم كانوا لا يعلمون في السابق شيئا عن العلاقات التي تتمتع بها الحركة مع حماس.
انتقد نشطاء حقوقيون وصحفيون وسياسيون يمنيون مؤيدون للحكومة حماس بشدة لتكريمها زعيم الحوثيين. وغرد النائب شوقي القاضي بأنه “صُدم” بقرار حماس، وتساءل: “نحن ننتظر تفسيرا كاملا من حماس حول موقفها الصادم لنا كيمنيين، فهل يمثلها ذلك الشخص [في صنعاء] رسميًا؟ هل تم ذلك بإذن من قيادتها وبقرار رسمي منها؟” ويُذكر أن شوقي القاضي ينتمي إلى حزب الإصلاح، وهو فرع الإخوان المسلمين في اليمن، ومؤيد صريح للفلسطينيين وحماس.
لم يندهش الجميع من أن الحركة التي تهتف بانتظام “الموت لإسرائيل” لها صلات بحماس. وقد غرد براء شيبان، الناشط الحقوقي والمستشار السابق للسفارة اليمنية في لندن: “نعم حماس شكرت الحوثي وليست المرة الأولى بالمناسبة، شماعة المقاومة وإسرائيل هو غطاء لحركات قمعية ومليشيات طائفية ليس الحوثي آخرها”.
يوم الثلاثاء، تحركت حماس للتعليق على الضجة، وأصرت على أنها لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع اليمني. وجاء في بيانها: “أي بيان أو موقف أو سلوك يُفهم على أنه انحياز لأي طرف أو تدخل من قبل الحركة في الصراع المؤسف في اليمن وأماكن أخرى هو موقف شخصي لا يعبر عن الحركة وقيادتها بأي شكل من الأشكال”. لكن هذا لم يكن كافيًا بالنسبة للكثير من اليمنيين الذين أرادوا أن تدين حماس سلوك أبو شمالة وتنفي أن لديها مكتبا في صنعاء، حيث يقع مقر إدارة الحوثيين.
تغيرت الصورة
لطالما أيّد خالد المسني، أحد سكان محافظة تعز الجنوبية، حركة حماس وكان واحدا من آلاف اليمنيين الذين نزلوا إلى الشارع الشهر الماضي وهم يهتفون بشعارات مؤيدة لفلسطين. وقال المسني لموقع ميدل إيست آي: “كانت صورة حماس براقة في أذهاننا وكانت رمزا للكرامة والمقاومة التي نحتاج لتعليمها لأطفالنا. لكن ما حدث هذا الأسبوع في صنعاء قد قلب هذه الصورة. فتكريم حماس للحوثيين الذين يقتلون اليمنيين كل يوم يشير إلى أنها سعيدة بما يفعله الحوثيون”، محذرًا من أن الحركة ستفقد أنصارها في اليمن في حالة انخراطها في الصراع.
وأقرّ المسني: “كنت أول المحتجين دفاعا عن فلسطين، واعتدت أن أقدم التبرعات وأشجع الآخرين على ذلك أيضا، لكنني أدركت الآن أنني لم أكن على علم بحقيقة هذه الحركة الفلسطينية”، مضيفًا أن بيان حماس لم يكن مرضيًا على الإطلاق: “لن أقول إن حماس قد خانتنا لأنها ليست حليفتنا، وإنما تقف إلى جانب الحوثيين ضدنا”.
ممثل حماس في صنعاء قد تعمّد تكريم الحوثيين كنوع من الامتنان، لكنه لم يفكر في أبعاد هذه الخطوة
وتابع قائلا إن “لحماس مكتبا في صنعاء، وليس في عدن [حيث يوجد مقر الحكومة اليمنية]. ويشير ذلك إلى أن حماس تكرم الحوثيين وليس الحكومة. سيكون من الأفضل أن تغلق حماس مكتبها في صنعاء وتلتزم الصمت خلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها اليمن”.
أشار المسني إلى أن حماس تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران وحلفائها في المنطقة، بمن فيهم الحوثيون، لذلك على اليمنيين أخذ ذلك بعين الاعتبار: “نعلم أن حماس تربطها علاقة جيدة بإيران لكن هذا لا يعني أن عليها دعم الحوثيين، ولو معنويا، لأنهم يقتلون اليمنيين الذين يقفون جميعهم إلى جانب المقاومة الفلسطينية”.
شعب مستقطب
في أيار/ مايو، استجاب حميد، أحد سكان مدينة صنعاء، لنداء الحوثيين للتبرع وقدّم ما في وسعه للفلسطينيين. وفي حديثه مع موقع “ميدل إيست آي”، قال حميد: “يسعدني أن أرى الحوثيين يساعدون إخواننا في فلسطين، لكنني مصدوم لرؤية ممثل حماس في صنعاء يكرم زعيم الحوثيين. إن حماس على علم بالصراع اليمني، لذلك يعني الإقدام على تكريم زعيم حوثي أنهم يقفون ضد الطرف الآخر في اليمن”.
بعد ست سنوات من الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 230 ألف شخص وترك حوالي 80 بالمئة من اليمنيين البالغ تعدادهم 30 مليون نسمة يعيشون على المساعدات، أصبح اليمنيون أكثر استقطابًا من أي وقت مضى. تصنف الأطراف المتنازعة الدول والحركات والمنظمات الدولية على أساس “إما معنا أو ضدنا”.
ويعتقد حميد أن “ممثل حماس في صنعاء قد تعمّد تكريم الحوثيين كنوع من الامتنان، لكنه لم يفكر في أبعاد هذه الخطوة، إذ لم تكرم حماس حزب الإصلاح، الذي قاد حملة مماثلة لجمع التبرعات في الجنوب”. فلطالما قام حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يقاتل جناحه المسلح نيابة عن الحكومة اليمنية، بجمع الأموال لفلسطين على مدى عقود، قبل بدء الحوثيين بفعل المثل بفترة طويلة.
يوم الخميس، أصدر الحزب بيانًا ندد فيه بموقف حماس من “جرائم الحوثيين”. وجاء في نصه أنه قد “كان الأحرى بحماس أن تحترم حق الشعب اليمني في مقاومة الإجرام الحوثي وأن تنأى بنفسها عن الوقوع في هذا الفعل المشين لا سيما وهي تقاوم الظلم والإجرام ولا يصح أن تقبل على اليمنيين ما ترفضه للشعب الفلسطيني”.
في المقابل، حاول عضو حوثي في صنعاء التقليل من شأن الخلاف، حيث قال لموقع “ميدل إيست آي” إن العلاقة بين الحوثيين وحماس كانت طبيعية لأن اليمنيين هم إخوة الفلسطينيين، وأن “فلسطين في قلوب اليمنيين، حيث تبذل حكومة صنعاء [الحوثيين] قصارى جهدها لدعم المقاومة في فلسطين، لذا من الطبيعي أن تكرم حماس محمد علي الحوثي الذي تبرع بجنبيته”.
وزعم العضو الحوثي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، بأنه لا داعي لمثل هذا الغضب، مشيرا إلى أن “معظم اليمنيين الذين ينتقدون هذا التكريم يقطنون خارج اليمن، بل يتواجد بعضهم في دول مطبّعة مع إسرائيل، فمن يريدون لحماس أن تكرّم؟ وعلى حد تعبيره “هذا التكريم موجّه لجميع اليمنيين الأحرار في جميع أنحاء البلاد وليس لمحمد علي الحوثي فحسب”.
المصدر: ميدل إيست آي