عادة ما تلجأ “إسرائيل” إلى إغلاق المعابر التجارية التي تتحكم فيها مع قطاع غزة المحاصر، عند أي تصعيد عسكري، وبمجرد انتهاء الجولة تعود حركة المعابر تدريجيًّا، لكن هذه المرة وبعد معركة “سيف القدس”، لا تزال تشدد في إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري لأكثر من شهر، ما يكبّد تجار غزة خسائر فادحة.
يعتبر إغلاق المعبر التجاري لهذه الفترة الطويلة، عقوبة جماعية يتحمل الاحتلال الإسرائيلي تبعاتها، لا سيما أن غالبية معابر غزة التجارية مغلقة أصلًا باستثناء كرم أبو سالم، الذي كان مفتوحًا بشكل جزئي، ويقيّد إدخال حوالي 150 سلعة مزدوجة الاستخدام كمواد البناء ومواد خام للصناعة والبنى التحتية، دون الإعلان بشكل رسمي عن بقية الأصناف.
وفي الوقت الحالي، ووفق ما ذكره ماهر الطباع مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، أدى إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري إلى حرمان الغزيين من دخول حوالي 6500 شاحنة من الأصناف المسموح دخولها، مخصصة لنقل المواد الغذائية.
ولا يتوقف حجم الضرر في الخسائر على تلف البضائع الموجودة في الشاحنات، بل يضطر التاجر أن يدفع رسوم الأرضية لشاحناته في ميناء إسدود بمبلغ يتراوح ما بين 100 و300 دولار يوميًّا.
خسائر فادحة
ألقى إغلاق معبر كرم أبو سالم بثقله على مختلف القطاعات الصناعية والزراعية، حتى سارعت “إسرائيل” بفتحه لعبور القليل من المواد الغذائية، والوقود المخصص للمؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة المحاصر، وكذلك المساعدات الإنسانية وبعض الأدوية.
يقول أحمد مسلم مدير معبر كارم أبو سالم: “يعمل المعبر بشكل جزئي ومحدود للغاية فقط لإدخال المواد الغذائية والأعلاف، فكل ما يتم إدخاله هو شاحنات للمساعدات الإنسانية ومتعلقات الجمعيات الإغاثية مثل أونروا”. وذكر أن “إسرائيل” تسمح بإدخال 4 أصناف، هي المواد الغذائية الأساسية، مواد طبية، محروقات للسيارات وأعلاف، بينما تمنع كليًّا التصدير.
ويؤكد مسلم لـ”نون بوست” أن الاحتلال سمح الخميس الماضي بإدخال 21 شاحنة طحين للأونروا، وما بين 30 و50 شاحنة للأعلاف. وبحسب متابعته، فإن الإغلاق يلقي بظلاله على القطاع الخاص، حيث الأضرار المادية الفادحة بسبب تأخر إدخال السلع، سيؤدي إلى إتلاف بعضها كونها تحتاج إلى طريقة تخزين معينة.
وبسبب الخسائر الفادحة للمزارعين لإغلاق معبر كرم أبو سالم، ومنعه تصدير 15 صنفًا من المنتجات الزراعية من قطاع غزة المحاصر إلى أسواق الضفة الغربية المحتلة والخارج، قررت وزارة الزراعة بغزة وقف استيراد الفاكهة من “إسرائيل”.
المعبر الصغير يتم خلاله نقل السلع من مصر إلى قطاع غزة المحاصر، لكن بكميات محدودة.
وذكر أدهم البسيوني، الناطق باسم وزارة الزراعة، أن الأصناف التي يسوّقها قطاع غزة المحاصر للضفة الغربية المحتلة والخارج، هي البندورة والبطاطس والخيار والفلفل الحار والحلو والكوسا والباذنجان، وغير ذلك.
وأكد البسيوني في تصريح عبر موقع وزارته، أن حجم الخسائر قدر بـ 204 مليون دولار، مشيرًا إلى أن تلك الأضرار أدّت إلى ضعف وانعدام القدرة التسويقية للعديد من المنتجات الزراعية والنباتية والحيوانية، نتيجة تقييد الحركة وصعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية والمنشآت الحيوانية والسمكية، وجميعها تسبب في انخفاض الأسعار بصورة حادة في العديد من المنتجات الزراعية، مسببة خسائر فادحة للمزارعين.
وما يخفف على الغزيين هو وجود معبر تجاري صغير (صلاح الدين)، تم إنشاؤه عام 2018، ويعمل في اتجاه واحد بين مصر وقطاع غزة المحاصر، حيث تقوم شركة خاصة في غزة وأخرى في مصر بإدارة عملية نقل البضائع هناك، تحت رقابة الجيش المصري وحركة حماس.
المعبر الصغير يتم خلاله نقل السلع من مصر إلى قطاع غزة المحاصر، لكن بكميات محدودة، فهو لا يوجد فيه بنى تحتية تأهّله ليكون معبرًا تجاريًّا بالكامل.
قيود مشددة
ليست فقط مواد البناء والوقود التي تمنع “إسرائيل” إدخالهما عبر كرم أبو سالم إلى قطاع غزة المحاصر، بل هناك أزمة كبيرة يعانيها تجار الملابس، حيث الشاحنات التي ينتظرون إدخالها منذ أكثر من شهر، كحال التاجر أبو سمير الحلو صاحب محل للملابس النسائية في شارع عمر المختار.
حين تدخل إحدى الزبونات لمحله وتسأله عن موديل جديد كما وعدها قبل شهر وأكثر، يرد عليها: “البضاعة محجوزة عالمعبر”، ثم يضرب كفًّا بكف ويقول لـ”نون بوست”: “في الأيام الأخيرة من شهر رمضان نعاني من حجز البضاعة حتى اشتد التصعيد الأخير وبقيت المحال مغلقة، وحين انتهت المعركة عدت إلى عملي، وما لدي من بضاعة قديمة شارفت على النفاد”.
وأكثر ما يخشاه التاجر وزملاوه تعنُّت الاحتلال في استمرار إغلاق المعبر، والحجز على بضاعتهم دون أن يتمكنوا من بيعها في موسم عيد الأضحى.
بدوره يعقب أسامة نوفل، الخبير الاقتصادي، بالقول: “يعتمد اقتصاد قطاع غزة المحاصر على معبر كرم أبو سالم في تغطية احتياجاته الاستهلاكية والإنتاجية بنسبة 85% من البضائع المستهلكة”، مشيرًا إلى أن الاحتلال أغلق جميع معابره، وأبقى على هذا المعبر الذي يخضع لشروط أمنية صعبة، حيث يمنع إدخال 150 مجموعة سلعية تصنف أنها ذات الاستخدام المزدوج.
وأضاف: “عمليات الصادرات خضعت خلال فترة الحصار إلى قيود مشددة، وبتدخلات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سمح بتصدير مجموعة من السلع أهمها الملابس والأثاث الى خارج فلسطين، وذلك تحت ضغوط مختلفة لترويج المنتجات الغذائية في الضفة الغربية المحتلة”.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الاحتلال في كل معركة عسكرية، يغلق المعبر لكن بعد نهايتها يفتح المجال لإدخال كميات كبيرة من السلع المختلفة، لتعويض النقص خلال الجولة، لافتًا إلى أن التعامل في العدوان الأخير كان مختلفًا، فهو يصرّ على الإمعان في الحصار والإغلاق، لعدم حصوله على النتائج التي كان يريدها من نهاية العملية العسكرية.
وبحسب متابعته، فإن الاحتلال يربط فتح معبر كرم أبو سالم بالجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة بغزة، لذا يسعى لصفقة جديدة لكن الفصائل الفلسطينية ترفض ذلك.
العديد من تجار غزة كانوا قد عقدوا صفقات مع الخارج لاستيراد السلع التي لا تزال محتجزة في إسدود، ما أوقع ضررًا كبيرًا في عدم إدخالها.
ويوضح نوفل إلى أن المخاوف الحالية تتعلق في نفاد المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، ما سيؤدي إلى مشاكل كبيرة، فمثلًا نفاد الأعلاف الأساسية للمواشي يؤثر على الأمن الغذائي، فهي تأتي في المرتبة الثانية للواردات.
وخلال حديثه تطرق إلى أن منع إدخال الوقود بالكميات التي كان يُسمح بها في السابق، ينذر بكارثة إنسانية كبيرة، حيث الصرف الصحي ومعالجة المياه يتدفقان إلى البحر، مع أن الوقود مدفوع من قبل اللجنة القطرية لتوريده إلى محطة كهرباء غزة.
وتحدّث نوفل عن أن العديد من تجار غزة كانوا قد عقدوا صفقات مع الخارج لاستيراد السلع، التي لا تزال محتجزة في إسدود، ما أوقع ضررًا كبيرًا في عدم إدخالها، لا سيما أن موسم عيد الأضحى اقترب، لافتًا إلى أن هناك خسائر أخرى لدى التجار تكمن في عدم مقدرتهم على إبرام صفقات أخرى جديدة.
وعن معبر صلاح الدين ودوره خلال الفترة الماضية، يقول: “في السابق كان الاعتماد عليه بنسبة 3% من حجم الواردات، لكن مؤخرًا وصل إلى 17%، ولولاه لما استطاع الإسعاف خلال المعركة العسكرية من نقل جريح للمستشفى، حيث يدخل منه الوقود والسلع الأساسية التي يحتاجها القطاع”.
ويخشى الغزيون من جراء هذا الوضع الخطير العودة إلى الحصار المشدد كما السابق، لا سيما بعد منع الاحتلال إدخال المواد المتعلقة بتسريع عجلة البناء، بعد تدميره للعشرات من العمارات السكنية والمنشآت الزراعية والصناعية.