منح الكنيست الإسرائيلي الثقة للحكومة الجديدة التي يترأسها زعيم حزب “يمينا” (يمين) نفتالي بينيت (49 عامًا)، بأغلبية 60 صوتًا مقابل رفض 59 برلمانيًا، لُيسدل الستار رسميًا على حكم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي استمر 12 عامًا متتالية.
وبعد جلسة استمرت قرابة 5 ساعات من المداولات والمرافعات، شهدت فوضى عارمة، صاحبها طرد أحد الأعضاء، تم التصويت أخيرًا لإنهاء حالة الجدل التي استمرت قرابة عامين شهدت فيهما الدولة العبرية 4 انتخابات دون جدوى، ليصبح بينيت أول رئيس وزراء في تاريخ “إسرائيل” تعود خلفيته لليمين الديني المتشدد.
وتتألف الحكومة الجديدة من 8 أحزاب من اليمين واليسار والوسط، بإجمالي 27 وزيرًا، بينهم 9 وزيرات (العدد الأكبر من النساء في حكومات “إسرائيل” الـ35 السابقة)، بجانب مشاركة حزب عربي “القائمة الموحدة” في سابقة هي الأولى من نوعها، وتثير الجدل في صفوف الفلسطينيين.
ردود فعل متباينة إزاء تلك التشكيلة الجديدة المكونة من مزيج من الأحزاب السياسية المتباينة، التي رغم قلة القواسم الأيديولوجية المشتركة بينها، فإن ما يجمعها هو الإطاحة بنتنياهو من جانب، والخطاب المتشدد إزاء الفلسطينيين بشأن ملف الاستيطان تحديدًا من جانب آخر.. فما أبرز ملامح تلك الحكومة؟
نفتالي بينيت.. الشعبوي صاحب “الكيبا”
خرج نفتالي بينيت مدير مكتب نتنياهو السابق، من رحم التيار اليميني المتشدد، فدخل السياسة عام 2005 بعد بيع شركته التكنولوجية الناشئة مقابل 145 مليون دولار، ليصبح بعدها رئيسًا لمكتب رئيس الوزراء المنتهية صلاحيته، وكان حينها زعيمًا للتيار المعارض.
وفي 2010 عُين رئيسًا لمجلس الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وغزة، وبعد ذلك بعامين تولى مسؤولية حزب “البيت اليهودي” اليميني المتشدد عام 2012، الذي كان يواجه احتمال خسارة كل مقاعده في البرلمان، لكن بعد قدوم بينيت تعزز حضور الحزب برلمانيًا بـ4 أضعاف.
الخطاب الشعبوي هو اللغة الرسمية لرئيس الوزراء الجديد، استطاع من خلاله أن يحقق العديد من النجاحات السياسية على المستوى الداخلي، فاستطاع أن يستأثر بأصوات المتشددين في الدولة العبرية، خاصة بعد إدلائه بحزمة من التصريحات العنصرية بشأن الصراع مع الفلسطينيين.
لا يجد حرجًا في المجاهرة بعدائه المستمر للفلسطينيين، داعمًا لسياسة توسعة الاستيطان، كما دعا قبل ذلك إلى ضم نحو 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، مؤيدًا كل الحروب التي شنتها بلاده ضد قطاع غزة، معارضًا بشدة لفكرة إقامة دولة فلسطينية.
صعد نجمه بصورة كبيرة بدايات 2018 حين أعاد تسمية حزب البيت اليهودي باسم يمينا (إلى اليمين)، ودعا وقتها إلى قتل ما أسماهم “الإرهابيين” الفلسطينيين وليس إطلاق سراحهم، كما يتنبى موقفًا متشددًا إزاء الملف الإيراني، ورغم حالة التشدد التي تسيطر عليه، لديه أفكار ليبرالية عن قيم بعينها، خصوصًا ما يتعلق بقضايا المثليين.
ومنذ 2005 وحتى اليوم التزم بينيت بخطابه الديني القومي المتشدد، لغةً وسمتًا، حتى أصبح أول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل يرتدي “الكيبا”، وهي طاقية صغيرة يعتمرها اليهود المتدينون، وهو التوجه الذي من المتوقع أن يكون له حضور قوي في استشراف سياسة الحكومة الجديدة خلال المرحلة المقبلة.
يائر لبيد.. مهندس سقوط نتنياهو
يرافق بينيت في منصب رئيس الحكومة، المعارض والملاكم السابق يائير لبيد (57 عامًا)، رئيس حزب يسار الوسط “يش عتيد” “هناك مستقبل”، الحزب الأكبر في الائتلاف، الذي وافق على اقتسام السلطة مع رئيس حزب “يمينا” لضمان أغلبية برلمانية، وسيشغل منصب وزير الخارجية لمدة عامين، ثم يتولى رئاسة الحكومة حتى نهاية فترتها.
دخل المعترك السياسي عام 2012 حين استقال من عمله كمذيع تليفزيوني ليشكل حزبه “يش عتيد”، ورغم عدم التمتع بأرضية جماهيرية بدايه تأسيسه، فإنه حصل في أول انتخابات خاضها عام 2013 على 19 مقعدًا في البرلمان الإسرائيلي المكون من 120 نائبًا.
ينتمي لبيد إلى أسرة أرستقراطية تهتم بالسياسة والثقافة، فوالده وزير العدل السابق يوسيف لبيد، الذي كان صحفيًا قبل أن يتجه للسياسة، ووالدته الروائية والكاتبة المسرحية والشاعرة شلوميت لبيد، وهو ما أهله لتقلد العديد من المناصب السياسية أبرزها اختياره ليكون وزيرًا للمالية لفترة وجيزة في عهد نتنياهو.
رغم تباين الوجوه وتغير ملامحها شيئًا ما في ظل التوليفة الجديدة، إلا أنه من المستبعد أن يكون هناك تغير مواز في التوجهات والسياسات، فالخط السياسي واحد وإن تعددت الأسماء
تحت عنوان: “يائير لابيد مهندس سقوط نتنياهو” أشارت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن لبيد لعب دورًا محوريًا في الإطاحة برئيس الوزراء السابق، بما لديه من شبكة علاقات واسعة في الداخل والخارج، لا سيما مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
الصحيفة ذهبت أن المؤشرات الأولية لمسيرة وزير الخارجية الجديد السياسية لم تكن مبشرة قبل تسع سنوات، حين دخل المعترك السياسي، فكان يتعرض للسخرية من مظهره وأسلوبه الشخصي حتى وصفه خصومه بـ”السطحي المتعجرف”، لكن مع مرور الوقت بدأ يفرض نفسه كلاعب مؤثر على الساحة السياسية.
يعارض لبيد النفوذ المتزايد للأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، كما طالب بفرض الخدمة العسكرية الإجبارية على الشباب المتدينين، وسحب الإعانات المالية للمؤسسات الدينية الحريدية، بجانب أنه علماني التوجه ليبرالي الفكر، بحسب ما تقول “لوفيغارو”.
وجوه متغيرة لكن لسياسة واحدة
تحتوي تشكيلة الحكومة الجديدة على العديد من الأمزجة السياسية المتباينة، لكن أبرزها وزير الدفاع بيني غانتس، رئيس حزب الوسط “أزرق أبيض”، والمهاجر المتطرف وزير المالية الحاليّ، أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الأسبق، صاحب التاريخ السياسي الطويل في حكومات نتنياهو السابقة.
هذا بجانب وزير العدل جدعون ساعر المنافس الأبرز لنتنياهو في حزب الليكود السنوات الأخيرة، وإن كان الأخير نجح في إبعاده عن الأضواء واستبعاده من المناصب الحساسة لضمان بقائه بعيدًا عن المنافسة، وقد تقلد العديد من الحقائب الوزارية سابقًا، أبرزها التربية والتعليم والداخلية.
رغم تباين الوجوه وتغير ملامحها شيئًا ما في ظل التوليفة الجديدة، من المستبعد أن يكون هناك تغير مواز في التوجهات والسياسات، فالخط السياسي واحد وإن تعددت الأسماء، إذ يسيطر اليمينيون المتشددون على المناصب الحساسة والكلمة العليا في الحكومة الحديثة.
يخطئ من يراهن على أي تغير في النهج السياسي لحكومة التغيير بقيادة بينت ولابيد
الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، في عموده الأسبوعي بصحيفة “هآرتس” (Haaretz) – تعليقًا على تشكيل الحكومة الجديدة وردود الفعل تجاهها – يقول: “رحيل رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو ليس النهاية ولا بوابة الجنة، وإسرائيل ستستيقظ على يوم جديد سيكون مثل اليوم السابق”.
وأضاف “سيكون للحكومة الجديدة فريق وزراء أكثر كفاءة وإثارة للإعجاب، سيحاول بعضهم القيام بعملهم بشكل أفضل، إنه ممتع، لكن فوق كل شيء تحوم سحابة سوداء وقمعية: اليمين سيحل محل اليمين. يمين دون نتنياهو سيحل محل نتنياهو، وكلاهما قاس”، مختتمًا مقاله “إيران، قانون الدولة القومية، سيادة القانون، ميزانية الدفاع والمستوطنات، سيتم التعامل معها كما كان الحال في ظل الحكومة السابقة، وستراقب فلول اليسار الصهيوني البائس بشوق ما يحدث من شرفة الزوار”.
وتحت عنوان “بعد نتنياهو: بينت – لابيد لا تغيير في السياسة” يقول الكاتب والمحامي الفلسطيني علي أبو حبلة: “يخطئ من يراهن على أي تغير في النهج السياسي لحكومة التغيير بقيادة بينت ولابيد”، مضيفًا “الحكام الجدد سيعملون على نهج التطرف والتوسع الاستيطاني والتسريع بمخطط التهويد للتعبير عن يمينيتهم لإرضاء جمهورهم، وخصوصًا عبر الساحة الفلسطينية”.
ويضيف الكاتب الفلسطيني “التطرّف المعروف عن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، نفتالي بينت، لا يعني أنه قادر على ترجمته أفعالًا على الأرض، إذ ستكون المؤسسة الإسرائيلية معنية بالتدخل لضبط إيقاع توجهاته، ومنع انزلاقها إلى ما يضر بأمن “إسرائيل”، وهو ما تلمسه جيدًا خلال توليه وزارة الأمن، في واحدة من حكومات نتنياهو السابقة”.
المعضلة الأبرز التي من المحتمل أن تواجه بينيت في ولايته الأولى الإشكالية المتعلقة بالحصول على الأغلبية البرلمانية لتمرير القوانين، وهو ما يمكن قراءته من خلال مشهد امتناع عضو القائمة العربية الموحدة المنخرطة في الحكومة، سعيد خرومي، عن التصويت، بعد أن غادر القاعة، احتجاجًا على عدم الحصول على ضمانات كافية لوقف الهدم في قرية بير هداج مسلوبة الاعتراف في النقب، هذا بخلاف تربص المعارضة الجديدة بقيادة نتنياهو التي ستسعى جاهدة للتشويه على الحكومة الجديدة والعمل على إسقاطها في أقرب وقت.