أخذت الأزمة بين المغرب وإسبانيا منحى جديدًا بدخول البرلمان الأوروبي على الخط، الأمر الذي حذر منه المغرب، فالأزمة ثنائية ولا يجب تدويلها أو إدخال أطراف أخرى بها وفق مسؤولين مغاربة، لكن بعيدًا عن مسألة الهجرة والصحراء الغربية التي تطفو على السطح عند كل أزمة، ما أبرز الملفات الخلافية بين البلدين؟
الهجرة والصحراء
يعتبر ملفا الهجرة والصحراء الغربية من أبرز الملفات العالقة بين مدريد والرباط، فالمغرب يرفض أن يكون “درك الهجرة” لحماية الحدود الأوروبية، بينما لا يطبق الأوروبيون التزاماتهم ووعودهم المتكررة تجاه المملكة.
يرى المغرب أنه ملتزم منذ سنوات، في إطار “شراكة التنقل” مع الاتحاد الأوروبي، بمكافحة أقوى للهجرة غير النظامية، إذ تصدت قوات الأمن المغربية بقوة لمحاولات المهاجرين تجاوز الحدود والسياج العالي الذي يحيط بجيبي سبتة ومليلية نحو السواحل الإسبانية خاصة بعد غلق مسارات الهجرة من السواحل الليبية.
إلى جانب هذه الجهود الكبيرة لتقليص عدد المهاجرين غير النظاميين العابرين نحو أوروبا، يحاول المغرب سن قوانين من أجل إعادة توطين هؤلاء الأفارقة في المغرب وتشجيعهم على العمل في المملكة لمنعهم من تكرار محاولات الهجرة.
مقابل ذلك، يرى المغرب أن الأوروبيين لم يكونوا على قدر التطلعات، فلم يساهموا في تنمية البلاد وخاصة المناطق الشمالية، إذ إنهم يخصصون مبالغ مالية بسيطة للمملكة إذا قورنت بالأموال التي تخصصها الرباط للحد من الهجرة.
يحاول المغرب الضغط نحو قرار أممي يجعل سبتة ومليلية جزءًا من الأراضي التي لم تُحرر من الاستعمار
أما النقطة الثانية التي تتعلق بملف الصحراء الغربية، فهناك تباين كبير في وجهات نظر البلدين إزاء هذا الملف، فالمغرب لا تروق له النظرة الإسبانية للنزاع القائم في الصحراء، إذ دائمًا ما عبر الإسبان عن دعمهم لجبهة البوليساريو بطرق ملتوية يسودها الغموض.
يظهر هذا التباين مثلًا من خلال ردة فعل إسبانيا تجاه الإعلان الرئاسي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اعترفت واشنطن بمقتضاه بسيادة المغرب على الصحراء، إذ أظهرت مدريد حينها انحيازها للبوليساريو، واعتبرت على لسان وزارة خارجيتها أن القرار الأمريكي لا يخدم نزاع الصحراء، بل يزيده تعقيدًا، لأنه يقوم على ما وصفته “القطبية الأحادية”.
كما أن تفجر الأزمة الحاليّة بين البلدين، جاء على خلفية استضافة مدريد إبراهيم غالي زعيم جبهة “البوليساريو” التي تنازع المملكة على إقليم الصحراء الغربية، أواخر أبريل/نيسان الماضي، بـ”هوية مزيفة” للعلاج إثر تدهور وضعه الصحي جراء إصابته بفيروس كورونا.
سبتة ومليلية والجزر الجعفرية
إلى جانب ملفي الهجرة والصحراء الغربية، يبرز أيضًا ملف سبتة ومليلية كأحد أبرز الملفات الخلافية بين مدريد والرباط، وتقع مدينتا سبتة ومليلية أقصى شمال المغرب، ويصف المغرب المدينتين بالمحتلتين، في حين يعرفهما أغلب سكان العالم كجيبين إسبانيين في شمال إفريقيا، فهما تحت الإدارة الإسبانية.
تعتبر الرباط أن سبتة ومليلية محتلتان، لذلك تطالب باسترجاعهما إلى جانب أربعة جيوب أخرى صغيرة في البحر المتوسط، وهي جزر البران وليلة وباديس والجعفرية في المتوسط – وكلها تقع في شريط مضيق جبل طارق الضيق.
ويحاول المغرب الضغط نحو قرار أممي يجعل المدينتين جزءًا من الأراضي التي لم تُحرر من الاستعمار، وتُعرف بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، فيما ترفض إسبانيا كليًا أي حديث عن مفاوضات بشأن المدينتين، وتصر على أنهما إسبانيتان منذ أكثر من خمسة قرون وجزء أساسي من الدولة الإسبانية.
وسبق أن عملت الرباط على استعادة المدينتين بالقوة، أبرز هذه المحاولات كانت بقيادة مولاي إسماعيل في القرن السادس عشر ميلادي، حيث حاصر سبتة لفترة طويلة لكن دون جدوى، كما حاول مولاي محمد بن عبد الله عام 1774 محاصرة مليلية دون أن يتمكن هو الآخر من تحريرها، وفي القرن العشرين، حاول الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، قائد ثورة الريف، ولم يتمكن من الأمر.
يُذكر أن الإسبان سيطروا على مليلية مع ضعف إمارة بني الأحمر في غرناطة 1497، فيما احتل البرتغاليون سبتة عام 1415، وظلت سبتة تحت الاحتلال البرتغالي حتى عام 1580 عندما ضمت إسبانيا مملكة البرتغال، وبعد اعتراف إسبانيا باستقلال البرتغال، تنازلت الأخيرة بمقتضى معاهدة لشبونة عام 1668 عن سبتة لإسبانيا.
في يوليو/تموز 2002، كاد الخلاف بشأن ملكية جزيرة “ليلة” الصخرية أو “تورة” بالإسبانية، أن يتسبب في اندلاع حرب بين البلدين، لولا وساطة أمريكية انتهت باتفاق على ترك الجزيرة مهجورة من أي وجود مدني أو عسكري.
ترسيم الحدود البحرية
من المسائل الخلافية بين البلدين أيضًا، مسألة ترسيم الحدود البحرية، إذ سبق أن صادق البرلمان المغربي على مشروعيْ قانونين يحددان الحدود البحرية للمملكة بشكل أحادي، ما اعتبرته إسبانيا تعديًا صارخًا على الحدود البحرية الإقليمية لجزر الخالدات.
ومنذ 2001 دخلت الرباط في مفاوضات مع مدريد لتحديد المياه الإقليمية بين الطرفين، خاصة بعدما كان يوجد اعتقاد بوجود بترول في المياه الفاصلة بين البلدين، وتسبب الموضوع في النزاع بين الطرفين لأن إسبانيا كانت تتجنب التوقيع على اتفاقية رسمية مع الرباط طالما لم يتم الحسم في السيادة على الصحراء.
وفي سنة 2009، قدمت إسبانيا التي صادقت على الاتفاقية الأممية، ملفها الخاص بتحديد المياه الإقليمية والجرف القاري الخاص بجزر الخالدات، وسارع المغرب بدوره للاعتراض عليه عبر مراسلة رسمية موجهة إلى الأمم المتحدة.
عرف الجيش المغربي في السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا بعد حصول المغرب على موارد مادية مكنته من تنويع مصادر التزود بالأسلحة
نهاية 2014، عادت مدريد وبادرت مرة أخرى بشكل أحادي دون استشارة الرباط بتقديم طلب إلى الأمم المتحدة لترسيم مياهها الإقليمية، الأمر الذي أدى إلى احتجاج المغرب خلال شهر مارس/آذار 2015، ما دفع إسبانيا إلى التراجع وتأكيد استعدادها لترسيم الحدود البحرية والمياه الإقليمية بعد الحل النهائي لنزاع الصحراء.
الخلاف المغربي الإسباني في هذه المسألة يعود إلى كون المسافة الفاصلة بين السواحل المغربية وجزيرة فويرتيفونتورا التابعة لأرخبيل الخالدات لا تتجاوز 100 كيلومتر، مسافة تجعل المغرب وإسبانيا في موقف خلاف لكون المنطقة الاقتصادية الخالصة، حسب القانون الدولي، تصل إلى أكثر من 200 كيلومتر من السواحل، وفي حال كانت المسافة الفاصلة بين سواحل دولتين تقل عن هذه المسافة، يكون ترسيم الحدود البحرية بينهما مرتبطًا باتفاقهما.
كما تعتبر اكتشافات النفط، أحد عوامل الخلاف في هذا الملف، فقد عرفت المياه البحرية المقابلة لجزر الكناري، على بعد نحو 100 كيلومتر عن السواحل الجنوبية للمغرب، في السنوات الأخيرة اكتشافات مهمة للنفط.
مكانة المغرب الإقليمية
خامس الملفات الخلافية بين البلدين يتمثل في مكانة المغرب الإقليمية، إذ لا تخفي إسبانيا مخاوفها من تزايد نفوذ المملكة المغربية على الصعيد الإفريقي وتنامي نفوذها في القارة الأوروبية أيضًا وعند الإدارة الأمريكية، وهو ما تجسد في الاعتراف الأمريكي الأخير بسيادة المغرب على الصحراء وتراجع عدد الدول التي تعرف بجبهة البوليساريو، فضلًا عن ارتفاع عدد القنصليات الأجنبية المفتوحة في الصحراء.
لا يخفي الإسبان تخوفهم من التطور العسكري المغربي والدينامكية الإيجابية للمملكة في العديد من الملفات الخارجية، وترى مدريد أن مساعي المغرب نحو الترفيع من حجم التسليح يمثل تحديًا لوحدة الأراضي الإسبانية وللمصالح الاقتصادية الأوروبية.
يخشى الإسبان على نفوذهم في شمال وغرب إفريقيا، فالرباط ما فتئت تعزز مكانتها هناك دبلوماسيًا وعسكريًا، وعرف الجيش المغربي في السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا بعد حصول المغرب على موارد مادية مكنته من تنويع مصادر التزود بالأسلحة، إضافة إلى زيادة كبيرة في ترسانته الحربية، في مقابل ذلك يعاني الجيش الإسباني من أوجه قصور كثيرة مقارنة مع جيوش دول مجاورة وضمن حلف الشمال الأطلسي.