يومًا تلو آخر تفرض إيران نفوذها على منطقة الشرق الأوسط وسط تراجع النفوذ السعودي بالمنطقة، فبعد لبنان وسوريا والبحرين، يسقط اليمن الجار المقرب للسعودية بيد الحوثيين الشيعة وسط ذهول للسقوط السريع للعاصمة صنعاء ويتواصل تمددهم حتى مضيق باب المندب بحيث يصبح بإمكانهم خنق الملاحة في قناة السويس وتهديد الأمن القومي المصري.
والمتأمل يمكنه أن يقيم مقارنة بين السعودية وإيران، فالأولى باعت كل من تعامل معها بأبخس الأثمان، حيث باعت صدام بعد أن كان جدار الصد الأول أمام المد الشيعي زمن الثورة الخمينية وخاض حربًا ضد إيران تواصلت لتسع سنوات أرهقت الجانبان، كما باعت علي عبد الله صالح ما جعل اليمن يصبح لقمة سائغة للحوثيين، وباعت حسني مبارك وهي التي كانت قادرة على إنقاذه لو ضخت له الأموال التي ضختها لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
على خلاف ذلك بعثت إيران أحد النخب في فرق جيشها وحرسها الثوري للمحافظة على بشار الأسد الحليف الاستراتيجي للدولة الفارسية في أعلى هرم للسلطة في سوريا، في المقابل تقوم السعودية اليوم بقصف تنظيم الدولة الإسلامية الذي كانت بالأمس القريب تمده بالسلاح وتدفعه بفتاوى شيوخها للجهاد لتحرير أرض الشام من حكم الأسد الشيعي.
مفارقات النظام السعودي قد يصعب فهمها خاصة مع وضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب وهي التي احتضنتهم زمن لجوئهم وفرارهم من بطش العسكريين الذين حكموا البلاد العربية، بل مولت وزير الدفاع زمن مرسي الرئيس الإخواني للإطاحة به واستبدال حكم الإسلاميين بآخر عسكري.
كل هذه المفارقات يرجح البعض أن وراءها توجهًا أمريكيًا واضحًا لجعل الثعالب الفارسية هي التي تصبح شرطي المنطقة من خلال السيطرة على مرتكزات القوة، ولا تأتي السيطرة من فراغ فأمام تآكل النظام السعودي المهترئ وتصابي النظام الإماراتي الذي يظن بأنه قادر على تحريك خيوط اللعبة تبرز إيران بتقربها من المضطهدين والمستضعفين رافعين شعار “نحن تراب تحت أقدام المؤمنين”.
ولا يقول الإيرانيون ذلك عبثًا فهم السند للمستضعفين من “المؤمنين” وللمشاهد أن يستشف الفرق بين ما قامت به إيران الشيعية لفائدة حماس السنية وما قامت به المملكة السعودية رافعة لواء التسنن من تضييق على حماس، فإيران بسياستها لا بمذهبها قادرة اليوم على ابتلاع منطقة الشرق الأوسط بأسرها، والسعودية بسياستها لا بمذهبها عاجزة عن جعل الشعوب تصطف خلفها.
وبين من خسر يمن الجوار وترك مضيق باب المندب يخنق مصر ويجعلها في توجس دائم وبين من عمل جاهدًا على إسقاط حركة الإخوان من حكم مصر بهدف احتكار السلطة الدينية في العالم الإسلامي، وبين الداعم لحزب الله في حروبه ضد إسرائيل والداعم لنظام الأسد والداعم للحوثيين يبدو الفرق واضح.
وبالرجوع إلى سبب محاربة السعودية للإخوان المسلمين يمكن أن نسشف بعض الحقائق، وهي أن من ينظر للحج على أنه عقيدة بالنسبة للسعوديين، ومن يظن بأن السعودية تقاتل من أجل الدين هو واهم، حيث إن أي حرب تخوضها السعودية وهي التي خاضت جميع حروبها من وراء الستار، إنما تقوم أساسًا على أسباب اقتصادية، واقتصاد السعودية يقوم في جانب كبير منه على مكانتها الدينية.
وبالتالي لن تقبل السعودية بصعود أي قوة إسلامية تنافس سلطتها الدينية في منطقة الشرق الأوسط خاصة مع صعود نجم رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية والذي استمال العديد من المواطنين العرب والذين أصبحوا يروا فيه القائد أو ربما الخليفة الجديد.
أما إيران فليس لها من القوة ومن النفوذ الاقتصادي إلا ما تكتسبه من خلال تمددها تارة بالشعار الذي ترفعه بدعم المستضعفين في أي مكان وزمان، وطورًا باستنادها لنشر المذهب الشيعي ودعاوى الانتساب إلى آل البيت، وطبعًا مدخراتها النفطية الهائلة وسيطرتها على مضيق هرمز الذي بإمكانه أن يخنق أوروبا.
إيران اليوم تقف إلى جانب المستضعفين الحوثيين الذين بإمكانهم تهديد الأمن القومي لمصر كما بإمكانهم تهديد السعودية خاصة إذا أصبحوا قوة عسكرية مثل تلك التي أنشاها حزب الله في جنوب لبنان، فبعد الشيعة المستضعفين في البحرين والكويت على اعتبار أنهم أقليات، استطاعت إيران بسط نفوذها على سوريا وها هي تبسطها اليوم على اليمن كما بسطتها على العراق إبان سقوط صدام.
ويبقى استعراض القوة الحقيقي هو في نجاح إيران في سوريا في صورة قدرة نظام الأسد على الصمود والاستمرار في السلطة لتكون تلك الضربة القاصمة لظهر السعودية ومن ورائها الإمارات، ويتوضح للعالم بأسره أن الثعالب الفارسية هي بديل النوق السعودية في الشرق الأوسط والخليج العربي تحديدًا.