في القرن الخامس عشر الميلادي وضعت حاكمة ولاية ساكسونيا، إحدى ولايات ألمانيا القديمة، قانونًا أسمته باسم الولاية “قانون ساكسونيا”، كان هذا القانون من أغرب القوانين في تاريخ البشرية، فكان يفرق في العقوبة بين عامة الناس والنبلاء من علية القوم وأصحاب السلطات.
وفق هذا القانون، كان ينفذ حكم الإعدام بحق أي من أفراد الشعب بأن تقطع رأسه فصلًا عن الجسد، أما إن صدر حكم بإعدام أحد من أصحاب الجاه والسلطة، فكانت العقوبة تُنفذ بطريقة غريبة، إذ كان يؤتى بالقاتل ليقف في الشمس وتُقطع رقبة ظله.
وفي فيلمه الشهير “طيور الظلام” المنتج عام 1995، تطرق السيناريست الراحل وحيد حامد إلى قضية توظيف القانون لخدمة السلطة ورجالات الدولة ولو على حساب العدالة، وهنا قال جملته الشهيرة التي لا تزال عالقة في الأذهان رغم مرور أكثر من ربع قرن على هذا العمل “القانون زي ما بيخدم الحق بيخدم الباطل، وإحنا ناس الباطل بتاعهم لازم يكون قانون”.
اليومان الماضيان تعرضت العدالة المصرية لواحدة من أبشع طعنات الظهر القاتلة، فبينما كان الضحايا يؤملون أنفسهم بالقصاص العادل من الجلاد الذي مارس كل أنواع القتل والتعذيب والتنكيل التي لم يعرفها التاريخ الحديث، والموثقة بشهادات المنظمات الحقوقية الدولية، إذ بهم يزجون إلى المشانق.
مجزرة رابعة “إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث” كما وصفتها منظمة “هيومن رايتس ووتش“، تلك الجريمة الإنسانية التي ارتكبتها السلطات المصرية حين انقضت على آلاف المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، صبيحة الـ14 من أغسطس/آب 2013، لتزكم رائحة الموت أنوف الجميع، تختلط استغاثات الأحياء بتمتمات الشهادة على ألسنة الأموات، تتطاير الأشلاء، تضيع الهويات، وتضج المستشفيات والمشارح بمئات القتلى.. إذ لا صوت يعلو على صوت الرصاص والقذائف والطائرات.
الحكم الصادر أول أمس بإعدام 12 قياديًا معارضًا والمؤبد لأكثر من 30 آخرين، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”فض اعتصام رابعة العدوية”، أعاد شريط المجزرة ومشاهدها المأساوية للأذهان مرة أخرى، ليكشف النقاب عن فضيحة القرن الحقيقية، الانتقام من الضحية والإجهاز عليها في الوقت الذي ينعم فيه القاتل بحياته الكريمة المرفهة.
“فلاش باك”.. في هذه الجولة السريعة نستعيد من الذاكرة – التي لن تُنسى أبدًا – إحدى حلقات مسلسل العدالة العمياء في مصر، الجلاد ومن مقاعد المتفرجين يتابع – دون اهتمام – ضحيته وهي تواجه مصيرها الأخير نحو المقصلة، مستمتعًا بأجواء المحاكمة المعروف نتائجها قبل انعقاد أولى جلساتها.
مبررات واهية
على عكس المتعارف عليه في مثل تلك السرديات التي جرى العرف أن تسير بوتيرة زمنية من الأقدم للأحدث، فإن خصوصية تلك المجزرة تدفعنا للخروج عن النص أحيانًا، لتكون البداية من حيث استندت المحكمة في دفوع النيابة لإصدار مثل هذا الحكم الذي وصف بـ”المسيس والانتقامي”.
المبرر الأول والأبرز الذي ساقته جهات التحقيق لفرض رؤيتها بمعاقبة المتهمين، كان امتلاك المعتصمين للأسلحة غير المرخصة التي استُخدمت في قتل عدد من أفراد الأمن المشاركين في الفض، الذي ادعت الحكومة آنذاك بأنه سيكون سلميًا.
لكن ما تم كشفه لاحقًا فضح زيف هذا الادعاء، أو على الأقل تفريغه من مضمونه، فما تم الحصول عليه من أسلحة وبحسب التصريحات الرسمية لمسؤولين مصريين بالحكومة، لم يرتق لدرجة هذا الهجوم الوحشي الذي خلف هذا الكم من الضحايا والدماء.
وزير الداخلية – وقتها – محمد إبراهيم، أعلن، في مؤتمره الصحفي يوم 14 من أغسطس/آب 2013، أن قوات الأمن صادرت 15 بندقية من اعتصام رابعة، فيما أشار وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي (الرئيس الحاليّ) في خطاب بتاريخ 18 من أغسطس/آب من نفس العام، إلى نفس العدد تقريبًا حين قال: “لا أقول إن الجميع كانوا يطلقون النيران، لكن وجود 20 أو 30 أو 50 شخصًا يطلقون النيران الحية أكثر من كاف في اعتصام بهذا الحجم” وفق ما وثقته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها عن المجزرة.
الأيام القليلة التي سبقت عملية الفض توحي أن القرار تم اتخاذه مسبقًا، وأن ما أثير حينها بالتحاور من أجل الخروج الآمن للمعتصمين تجنبًا لإراقة الدماء كان بهدف الاستهلاك المحلي ودغدغة المشاعر قبل الإقدام على تلك الجريمة
وهنا تتساءل المنظمة: هل وجود 15 أو 20 بندقية كما ذكر وزيرا الداخلية والدفاع آنذاك يبرر تلك الاعتداءات التي لم تراع حرمة نساء ولا أطفال؟ هل يرتق الجرم – حال سلمنا بصدق تلك التصريحات – إلى مستوى رد الفعل الذي مزق الأجساد أشلاءً تتناثر هنا وهناك؟
المبرر الثاني الذي ساقته جهات التحقيق يتعلق بأن المتظاهرين هم من بادروا بإطلاق النار على قوات الأمن، وهنا تشير المنظمة الحقوقية الدولية إلى أنها “لم تتمكن من التثبت من صدور الطلقات الأولى في ذلك اليوم من قوات الأمن أو من متظاهرين مسلحين، إلا أن المقابلات مع أكثر من 100 شاهد، وبينهم سكان للمنطقة غير متعاطفين مع المتظاهرين، تؤكد لجوء قوات الأمن إلى إطلاق النيران على نطاق واسع من الدقيقة الأولى للفض، مع وجود المدرعات والجرافات والقوات البرية والقناصة في أماكنهم بالفعل”.
المشهد ذاته تكرر مع اعتصام ميدان النهضة، قرب جامعة القاهرة بالجيزة، حيث تم الفض بالطريقة ذاتها، “إطلاق النار على المتظاهرين بمن فيهم أولئك الذين يحاولون الخروج من المخارج “الآمنة” كما وصفت المنظمات الحقوقية استنادًا على شهادة الشهود، حتى حين احتمى البعض بأسوار كلية الهندسة المجاورة لمقر الاعتصام كان الرصاص أسبق إليهم من أماكن الإيواء، فكان السقوط على الأرض واحدًا تلو الآخر هو اللقطة الأبرز حضورًا.
كارثة متوقعة.. لكن
قبل 9 أيام من عملية الفض، اجتمع ممثلو عن وزارة الداخلية مع بعض المنظمات الحقوقية، للحديث عن توقعات نتائج الفض حال الإقدام عليه، كانت التوقعات وقتها تشير إلى أن عدد الوفيات قد يبلغ 3500، فيما توقع آخرون أن العدد ربما يتجاوز عدة آلاف.
وزير الداخلية وقتها وفي مقابلة متلفزة بتاريخ 31 من أغسطس/آب 2013، أكد أن وزارته قدرت الخسائر بـ”10% من الأشخاص”، مقرًا بأن الاعتصام يضم “أكثر من 20 ألف شخص” وأنه “ستجدون الخسائر في صفوفهم بالآلاف”، ووفق صور الأقمار الصناعية التي استعانت بها بعض المنظمات الحقوقية ببلوغ عدد المعتصمين، ليلة 2 من أغسطس/آب، قرابة 85 ألف متظاهر، ولو أخذنا برواية وزير الداخلية بأن العدد كان 20 ألفًا فقط، فمعنى ذلك أن الخسائر المتوقعة كان مقررًا لها أن تصل إلى 2000 قتيل.
رئيس الوزراء في هذا الوقت، حازم الببلاوي، في تصريحات صحفية له، قال إن عدد وفيات عملية الفض كان “يقترب من الألف”، مضيفًا المتوقع كان أكبر بكثير مما حدث فعليًا على الأرض، والنتيجة النهائية أقل من توقعاتنا”، وهو ما يعني أن كل التوقعات كانت تشير إلى أن عدد الضحايا سيكون كبيرًا، ومع ذلك كان هناك إصرار على ارتكاب تلك المجزرة رغم تلك الأرقام المعلنة.
ورغم أن عدد الضحايا الرسمي بحسب المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) كان 624 حالة وفاة، فإنه ووفق منظمات وشهود عيان آخرين تجاوز هذا الرقم بكثير، فالعدد الذي سقط في رابعة يوم الفض فقط قرابة 817 متظاهرًا، فيما تم توثيق العشرات غيرهم من خلال شهادات موثقة لناجين من المذبحة وحقوقيين على صلة بشخوصها، وفي المقابل تشير السلطات الأمنية إلى سقوط قرابة 40 من عناصرها.
مئات الأشلاء.. بروفة أولية للمجزرة
الأيام القليلة التي سبقت عملية الفض توحي أن القرار تم اتخاذه مسبقًا، وأن ما أثير حينها بالتحاور من أجل الخروج الآمن للمعتصمين تجنبًا لإراقة الدماء كان بهدف الاستهلاك المحلي ودغدغة المشاعر قبل الإقدام على تلك الجريمة التي تحولت بمرور الوقت إلى فضيحة إنسانية لا يمكن محوها في القريب العاجل.
العديد من الجرائم ارتكبتها السلطات المصرية خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، سقط خلالها المئات من الضحايا، وكأنها “بروفة” للمقتلة الكبرى، ففي 5 من يوليو/تموز قتل الأمن 5 متظاهرين من بين المعتصمين أمام مقر الحرس الجمهوري بالقاهرة، وكانت تلك أول بروفة عملية للفض الأعظم.
وفي نفس المكان، وبعد 3 أيام فقط من تلك الواقعة، فتح الجيش النيران على الحشود المعتصمة التي زاد عددها بعد استهدافها لأول مرة، ليسقط في تلك العملية 61 متظاهرًا وفق مصلحة الطب الشرعي، كما قُتل اثنان من الضباط في مسرح الأحداث.
“في المستشفى الميداني جثث ملقاة على الأرض ملفوفة بقماش أبيض، كلها مجهولة وأصحابها غير معروفين، وعلى أغلبهم مصاحف صغيرة، رائحة بشعة تفوح في كل أرجاء المكان، جثث متفحمة، غاز مسيل للدموع، دخان الخيام المحترقة، وأغراض المعتصمين المتفحمة، جرافات وكاسحات ضخمة في كل مكان”.. شهادة أحد الناجين من مجزرة رابعة
أما في الـ27 من الشهر ذاته سقط على أيدي قوات الأمن المصرية أكثر من 95 متظاهرًا خلال اشتباكات مع إحدى التظاهرات الداعمة للرئيس المدني المعزول محمد مرسي، تزامن ذلك مع مظاهرة مضادة استجابة لدعوة السيسي النزول للشوارع لمنح الحكومة ما أسماه “تفويضًا بمحاربة الإرهاب”.
في واقعة أخرى يوم 27 من يوليو/تموز، بعد ساعات من خروج آلاف المصريين إلى الشوارع في مظاهرة منسقة بإيعاز من عبد الفتاح السيسي، لمنح الحكومة “تفويضًا بمحاربة الإرهاب”، انتشرت الشرطة المصرية لإيقاف مسيرة لبضع مئات من مؤيدي الشرعية من اعتصام رابعة إلى طريق النصر في اتجاه كوبري 6 أكتوبر، وعلى مدار ما لا يقل عن 6 ساعات، أطلقت الشرطة بالاشتراك مع مسلحين بثياب مدنية يتحركون بالتنسيق مع قوات الأمن، النار على المتظاهرين وقتلت 95 متظاهرًا، بحسب مصلحة الطب الشرعي، وقتل رجل شرطة واحد في الاشتباكات.
وبعد فض اعتصام رابعة، توقع البعض أن الدماء التي سالت والأشلاء المتناثرة وأصوات الألم التي خنقت حناجر الأطفال والنساء والعجزة، ستكون رادعًا للسلطة، وخطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، لكن سرعان ما جاء الرد، فبعد يومين فقط من تلك المجزرة، ارتكبت الشرطة مجزرة جديدة بحي العباسية على مظاهرة لأنصار مرسي فيما سمي وقتها “يوم الغضب” ليسقط يومها 120 متظاهرًا وشرطيًا واحدًا، بحسب توثيق عدد من المنظمات الحقوقية.
فضيحة إنسانية
سيظل يوم الفض بكل تفاصيله عالقًا في أذهان ومخيلة كل من شارك في الاعتصام، فالصدمة التي أحدثتها وحشية قوات الأمن المصرية المشاركة في تلك العملية فاقت كل التوقعات بشأن أي ردود فعل محتملة من سلطة تسعى لإجبار معتصمين سلميين على ترك مكان اعتصام لا يتجاوز عددًا من الأمتار.
رغم توقع البعض ساعة الفض والتحذيرات التي صدرت من قوات الأمن للمعتصمين، لكن ما حدث ما كان يخطر على بال أحد، فبعد أن أنهى المعتصمون صلاة الفجر بساعتين على أكثر تقدير، فوجئ النائمون ومن يحرسونهم من الشباب بالمدرعات والمجنزرات تقتحم الميدان من شارع طيبة مول، بحسب الوثائق المنشورة وشهود الناجين.
وفي وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات، كانت أسطح البنايات المجاورة قد اكتظت بالقناصة، فيما شكلت الطائرات الحربية حلقات تهديد ورعب خيمت على أجواء الميدان، وبدأ تدفق جحافل الجيش والشرطة معًا، في مشهد لا يُرى إلا في أفلام الأكشن الهوليوودية أو في وثائقيات الحروب التاريخية الكبيرة.
وبعد دقائق معدودة كانت سحب الغاز المسيل للدموع تحجب الشمس عن الرؤوس، ليبدأ القنص وتتناثر الأشلاء على وقع القذائف من كل جانب، فهبت رائحة الموت، وزلزلت الأرض، وماجت الشوارع، لتسقط الجثث واحدة تلو الأخرى، أصوات الاستغاثات غابت عن المشهد تمامًا أمام قنابل الصوت التي أخرست أنين الجرحى.
في رواية أحد المشاركين في الاعتصام قال: “دخلنا الميدان حيث صوت الجرافات والرائحة الكريهة المنبعثة من الميدان، نتيجة الحرائق والدماء والجثث المحترقة والجثث التي بدأت تتعفن، بجانب بدء حرق كل الخيام المتبقية”، وأضاف “في المستشفى الميداني جثث ملقاة على الأرض ملفوفة بقماش أبيض، كلها مجهولة وأصحابها غير معروفين، وعلى أغلبهم مصاحف صغيرة، رائحة بشعة تفوح في كل أرجاء المكان، جثث متفحمة، غاز مسيل للدموع، دخان الخيام المحترقة، وأغراض المعتصمين المتفحمة، جرافات وكاسحات ضخمة في كل مكان” بحسب شهادته لـ”الجزيرة“.
حتى الممرات الآمنة التي ادعت السلطات إنشاءها لضمان خروج المعتصمين، استهدفت بالرصاص الحي في أماكن قاتلة بالجسد، ليسقط من يسقط، ومن يفكر في الهرب لا تسعفه أقدامه أمام سرعة القاذفات التي تأتي من كل اتجاه، ليسدل الستار على الفصل الأخير من أكبر مسرحية إبادة إنسانية في العصر الحديث.
صدمة ومأساة
أصابت المجزرة الشارع العربي والدولي بالصدمة، فجاءت ردود الفعل منددة لما حدث، حيث قال الرئيس الأمريكي – آنذاك – باراك أوباما بعد يوم من المذبحة: “الولايات المتحدة تدين بقوة الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين”، فيما أعرب الأمين العام للأم المتحدة، وقتها، بان كي مون، عن إدانته لما حدث، بينما اكتفى الاتحاد الأوروبي بالتعبير عن قلقه.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أدان بشدة قتل المتظاهرين، واعتبر ما حصل انقلابًا على الشرعية الدستورية والديمقراطية، قائلًا في بيان له: “تاريخ مصر بل وتاريخ الإنسانية لن يغفر لأولئك الوالغين في الدماء والأعراض”، أما رئيس الوزراء التركي يومها رجب طيب أردوغان فقد دعا في بيان صدر عن مكتبه، مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية لإيقاف المجزرة.
شعبيًا خرجت العديد من التظاهرات في بعض الدول العربية والغربية تندد بالمجزرة، داعية إلى القصاص، لتتحول شارة “رابعة” إلى رمز عالمي يذكر العالم بوحشية ما جرى في هذا اليوم، كما تقدم يومها محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت حينذاك باستقالته احتجاجًا على ما حصل.
اليوم.. تُسدل دولة السيسي الستار على هذه المسرحية التراجيدية، بأحكام إعدام جُزافية، أقل ما قيل عنها إنها استهداف ممنهج للمعارضين
وبينما الدماء لم تجف بعد، والأشلاء مجهولة الهوية لا تزال متناثرة بين جنبات الميدان، تبحث عن صاحبها أو على الأقل ذويها، فيما صرخات الثكالى واليتامى تزلزل السماء، وأنهار الدموع لم تتوقف على وجنات الأمهات، إذ بالسلطات المصرية تشن حملة اعتقالات غير مسبوقة ضد القيادات الإخوانية والمشاركين في الاعتصام.
وفي الوقت الذي كان يؤمل فيه أهالي الضحايا بالقصاص من القتلة، ولو قصاص رمزي يشفي غليلهم مؤقتًا، ويخفف منسوب الحسرة والألم في النفوس، إذ بالصدمة تتضاعف، فالضحايا تحولوا إلى مجرمين، والقتلة أصبحوا شهود عيان على ما حدث.
القانون الذي يستند إليه الضعفاء للحصول على حقوقهم المسلوبة تحول إلى سوط كبير يجلد كل من يفكر أن يختصم النظام الذي أعلنها صراحة أكثر من مرة أن لا أحد من الضباط سيحاسب بسبب جريمة ارتكبها ضد متظاهرين أو معارضين، وهو التصريح الصادر عن السيسي في 2013/2014، وفق تسريب سابق له، واعتبره البعض ضوءًا أخضر لسلسلة الجرائم اللاحقة.
واليوم.. تُسدل دولة السيسي الستار على هذه المسرحية التراجيدية، بأحكام إعدام جُزافية، أقل ما قيل عنها إنها استهداف ممنهج للمعارضين، كما علقت الناشطة الحقوقية، سارة واستون، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (مستقلة)، بقولها: “المحاكمات تمت بدافع سياسي للانتقام من قيادات الإخوان وغير مرتبطة بأي جرائم”، مضيفة “لو هناك مجرم حقيقي فهم من ذبحوا المتظاهرين”.
أيام قليلة تفصل أحكام الإعدام تلك عن التنفيذ، وسواء نُفذت أم استخدم السيسي صلاحياته في وقفها (وإن كان مستبعدًا)، ستبقى مجزرة “فض رابعة” نقطة سوداء في ثياب العدالة المصرية، سبة في جبين الدولة، ووصمة عار في تاريخها، وبحسب ما يخبرنا التاريخ فإن الجرائم لا تسقط بالتقادم وإن استمر الظلم وتجبر الظالمون.