تتعامل “إسرائيل” مع الفلسطينيين كحقل تجارب عند استخدامها الأسلحة المتطورة من حين لآخر خلال المواجهات المحاذية للجدار الفاصل أو في قرى الضفة المحتلة الثائرة وقطاع غزة، فتقتل وتصيب المدنيين لتسبب الإعاقات الدائمة التي توثقها بالصوت والصورة للترويج لسلاح جديد أو تطوير القديم في السوق العالمية.
ودون رادع قانوني تتمادى “إسرائيل” في استخدام أسلحتها المحرمة دوليًا لا سيما في المواجهات السلمية التي يحظر فيها استعمال أسلحة فتاكة كرصاص “التوتو” الذي استعملته في مسيرات العودة بقطاع غزة 2018-2019، وقبلها في المواجهات ضد الاستيطان، واليوم مرة أخرى في بلدة “بيتا” شرق مدينة نابلس، التي تدور فيها الأحداث منذ أكثر من شهر رفضًا لإقامة البؤرة الاستيطانية “أفيتار” على أراضي المواطنين في جبل صبيح بالضفة المحتلة.
ووفق ما رصده الهلال الأحمر الفلسطيني ففي الجمعة الماضية تم تسجيل 290 إصابة برصاص “التوتو” الذي يطلق من بندقية روجر، وكذلك الشهداء الأربع الذين استهدفهم جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة المواجهات تم قنصهم بالرصاص ذاته الذي يتفتت ويتوزع بالجسم ويصيب عدة أماكن، ما يجعل الإصابة قاتلة خاصة إذا أصابت مناطق حساسة لا سيما الرأس.
قنص الاحتلال الإسرائيلي للشباب الفلسطيني لا يكون عبثًا، بل هناك وحدة خاصة يطلق عليها “قناصو التوتو”، وهم ملثمون يكونون في مكان بعيد عن الجنود غالبًا، يقرأون الوجوه المشاركة إلكترونيًا والمستهدف يتم قنصه دون أن يدري كون السلاح كاتمًا للصوت ولا يشعر المصاب بإصابته إلا حين يسقط أرضًا.
قراءة الوجوه إلكترونيًا
رغم أن الإصابات تكون مؤلمةً، فإن المصابين يعاندون جيش الاحتلال حين يعودون لساحة المواجهة مرة أخرى، كما حدث مع الشاب صالح من بيتا، الذي أصيب الجمعة الماضية برصاص التوتو في ركبته، ما جعله طريح الفراش لا يقوى على الحركة عدة أيام، لكن بعدها خرج بعكازه إلى ساحة البلدة حيث الجنود الذين يختبئون بين الشجر فقنصوه مرة أخرى، في يده اليمنى.
بكلمات مقتضبة قال لـ”نون بوست” إنه يريد إيصال رسالته “لن تنصب البؤر الاستيطانية على أراض بيتا، هذه بلدتنا سنحميها حتى الرمق الأخير”، مشيرًا إلى أنه يدرك جيدًا خطورة إصابته برصاص التوتو الذي فتت ذراعه وقدمه التي قد تبتر حسب قول الأطباء له حال لم يسترح، لكنه يصر على الحضور لمساندة مقاومين البلدة.
ويكمل الحديث الناشط جاد قدومي، الذي بدوره أكد أن طيلة المواجهات الأخيرة في بيتا يتعمد جنود الاحتلال استخدام رصاص “التوتو” في قنص الشباب والأطفال، مبينًا أن الهدف من استخدامه ترهيب السكان للابتعاد عن المشاركة بسبب السلاح المستخدم الذي يودي بحياتهم أو يصيبهم بإعاقات دائمة.
ويوضح قدومي أن بندقية روجر التي يطلق منها رصاص “التوتو” محرمة دوليًا في فض المظاهرات، فالرصاصة لا تتجاوز الـ2.5 سنتيمتر، ورأسها الذي يخترق الجسم ويفتته حجمه لا يتعدى الـ6 مليمترات، وقطرها 0.22 إنش.
وعن سبب استخدام “إسرائيل” لهذا الرصاص المحرم دوليًا، يقول لـ”نون بوست”: “98% من الرصاص يصيب الهدف دون انحراف، كما أن الجنود ينتقون العمر واسم المستهدف ضمن عملية مخابرتية لإرهاب المتظاهرين”، موضحًا أن الأطباء يواجهون صعوبة في إزالة الشظايا لانتشارها في أنحاء كثيرة من المكان المصاب.
في حين يقول مجدي حمايل أحد سكان بلدة بيتا، إن الجنود يختبئون خلف الأشجار لمراقبة المشاركين في المواجهات وبعد قراءة وجوههم إلكترونيًا يتم تحديد الهدف لقنصه، خاصة لو كان مطلوبًا تكون هذه فرصتهم للنيل منه أو من يكون في عائلته شهداء أو أسرى فيتعمد الاحتلال إيلام الأسرة أكثر.
ويؤكد حمايل لـ”نون بوست” أنه يوجد أكثر من 70 جريحًا الآن في بلدة بيتا يتكئون على العكاز، ومع ذلك يتقدمون بعكاكيزهم إلى الصفوف الأولى من المواجهة.
ويصف حال الإصابات بالصعبة جدًا، فهي مركزة إما في الرأس وتؤدي إلى الموت، والغالبية هذه الأيام إصابتهم في الركبة، ما يتسبب في تشوه كبير لأرجل الشباب وتفتتها نتيجة انتشار شظايا الرصاصة في الطرف كله.
رصاص التوتو
كل الأسلحة التي تستخدمها “إسرائيل” خلال المواجهات مع الفلسطينيين في القدس وغزة والضفة المحتلة محرمة دوليًا، فلا مبرر لتصويبها ضد المدنيين، لكن تسليط الضوء على رصاص “التوتو” يأتي لتصنيفه أنه وسيلة مؤذية في تفريق المظاهرات السلمية، وفي ذلك مخالفة للقانون الدولي، رغم محاولات السلطات الإسرائيلية الادعاء أن استخدامه يأتي حين يقع خطر على حياة الجنود، لكن ذلك يناقض الحالات التي وثقوها حيث استهداف الضحايا بطريقة مباشرة وقاتلة.
يقول الخبير العسكري واصف عريقات: “أي رصاص يستخدم لتفريق المتظاهرين لا بد من ضوابط تحكم استخدامه، و”إسرائيل” لا تأبه لأي قانون، فتستخدم “التوتو” من مسافة صفر دون وسائل إنذار تحذيرية كما يجري في المظاهرات عادة”، مضيفًا: “تحديد مكان الإصابة يضاعف جريمة جنود الاحتلال”.
ويوضح عريقات أن استخدام رصاص “التوتو” يأتي لترهيب وكسر إرادة الفلسطينيين، بالإضافة إلى إيذائهم بإعاقات جسدية، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” تعتقد أن الإصابات الجسيمة ستكسر إرادة المتظاهرين، لكن يحدث العكس على أرض الواقع.
وفي سؤال لـ”نون بوست” عن حداثة رصاص التوتو، أجاب الخبير العسكري: “إسرائيل دومًا تطور للأسلحة، فتحدث وتختبر إنتاجها على الفلسطينيين باعتبارهم حقل تجارب لهم لمعرفة مدى فعالية السلاح والذخائر”، مؤكدًا أنها تستخدمه منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، لكن مر بمراحل متطورة حتى وصل لنتائج أكثر فتكًا.
وبحسب اطلاع عريقات فإن رصاص “التوتو” نوعان: الأول خارق ومتفجر، والثاني متفجر فقط، مبينًا أن هذا الرصاص يحتوي على أكبر كمية من الشظايا، وعند اصطدامه بالجلد، يخترقه ويخرج الشظايا داخل الجسم، ما يؤدي لتهتك عدد كبير من الأعضاء.
ورغم خطورة رصاص “التوتو” في كل مراحل تطويره، فإن عدم محاسبة الجهات الدولية لجنود الاحتلال الإسرائيلي يشجعهم على الإمعان في استخدامه واستمرار الانتهاكات ضد الشباب والأطفال الفلسطينيين وقتلهم.