ترجمة: حفصة جودة
ما زالت العديد من الفصول الدراسية مغلقة في لبنان هذه الأيام، والأمر لا يتعلق بفيروس كورونا، تقول تغريد تقي، معلمة في مدرسة عامة بقرية راشيا التي تبعد ساعتين عن العاصمة بيروت: “أصبح الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لنا كمعلمين كي نصل إلى أماكن عملنا بسبب نقص الوقود”.
“تحتاج الكثير من الوقت للحصول على وقود، فيجب أن تحجز مكانًا لك في طابور محطة الوقود، وفي النهاية لا تحصل إلا على بضعة لترات منه، يتسبب ذلك في تأخرنا على المدرسة لأن الطابور طويل للغاية”.
عندما تصل تغريد إلى المدرسة تكتشف أن التلاميذ أنفسهم ليسوا هناك، تقول تغريد – 40 عامًا -: “من الصعب أن أدخل الصف فأجد أن العديد من طلابي غير موجودين، ولا يرجع ذلك لمرضهم على سبيل المثال إنما لأن والديهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكلفة الحافلة، خاصة عندما يكون لدى الأسرة أكثر من طفل في المدرسة”.
لا حافلات ولا وقود
من الصعب أن تجد مواصلات عامة بعيدًا هكذا عن بيروت، ومن لا يملكون سيارات يضطرون لمشاركة سيارات الأجرة، لكن الوضع ليس أفضل حالًا في بيروت التي تعاني من نقص المواصلات العامة أيضًا، وهناك مسألة الوقود بالنسبة للحافلات القليلة التي تعمل.
الشيء الوحيد الذي لا يعاني لبنان نقصًا منه هو الأزمات، فأزمة نقص الوقود هي العرض الأكثر وضوحًا لاقتصاد على حافة الإفلاس، إذ فقدت الليرة اللبنانية – التي كانت قريبة من الدولار الأمريكي لأكثر من 30 عامًا – 90% من قيمتها، في الوقت نفسه قال البنك الدولي في أحدث تقرير له عن الاقتصاد اللبناني إن الموقف الاقتصادي الحاليّ للبلاد من أسوأ المواقف عالميًا.
إضافة إلى ذلك ما زالت البلاد تعاني من فيروس كورونا وعواقب انفجار مرفأ بيروت المدمر في أغسطس/آب الماضي الذي قتل أكثر من 200 شخص، في لبنان الآن 4 من كل 10 أشخاص أصبحوا بلا عمل، بينما أغلقت العديد من الشركات ولم يعد بعض الناس قادرين على الوصول إلى حساباتهم البنكية.
في الوقت نفسه لم يحصل لبنان على حكومة منظمة منذ أغسطس/آب 2020، فرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري غير قادر حتى الآن على تشكيل حكومة منذ تعيينه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لا كهرباء ولا تعليم عن بعد
اضطر لبنان لاستيراد الوقود، لكن الاحتياطي الأجنبي للدفع مقابل هذا الوقود قد نفد، ومن غير الوقود لا تتمكن ألواح الطاقة الشمسية من العمل، أدت المحسوبية وسوء الإدارة إلى هذا النقص في إمدادات الكهرباء، ومع انقطاع شبكة الإنترنت بشكل مستمر أصبح التعليم الإلكتروني تحديًا كبيرًا، تقول تقيّ: “الأمور كلها متصلة ببعضها البعض، إنها دائرة مفرغة”.
تؤكد ديانا منعم، المدير التنفيذي لمنظمة الإصلاح السياسي “كلنا إرادة” التي يمولها مواطنون لبنانيون داخل البلاد وخارجها، أن لنقص الوقود وأزمة الاقتصاد تأثيرًا كبيرًا على قطاع التعليم في لبنان.
فتقول: “اضطر الكثير من الآباء إلى نقل أبنائهم من المدارس الخاصة إلى مدارس عامة سيئة التجهيز لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل رسومها”، تعمل تقيّ في مدرسة عامة رائدة مجهزة بغرف للحاسب الآلي ومعامل وإنترنت لاسلكي، لكنها مجرد استثناء للقاعدة.
مدارس سيئة التجهيز
بالنسبة للمدارس الابتدائية فهي ليست فقط سيئة التجهيز، لكنها مزدحمة للغاية كذلك، كان من المفترض أن يستثمر القطاع العام في التعليم العام بشكل مكثف منذ وقت طويل، لكن البلاد مفلسة.
يقوم الناس الآن بحركة عكسية، فالعديد منهم ما بين أطباء ومعلمين يغادرون البلاد بحثًا عن مكان أفضل في الخارج
حتى الجامعات تأثرت بذلك، وليس فقط بسبب نفاد الأوراق اللازمة للاختبارات التي لم تعد البلاد قادرة على تحمل تكلفة استيرادها، لكن العديد من الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الخارج اضطروا للعودة إلى البلاد لأن آبائهم لم يعودوا قادرين على تحمل تلك التكاليف وفقًا لما يقوله الأستاذ الجامعي داوود إبراهيم.
يقول إبراهيم: “حتى من يستطيعون الدفع لديهم مشكلة أخرى، فالبنوك لم تعد تسمح بتحويل دولارات خارج البلاد وليس واضحًا حتى الآن إذا كانت ستسمح بذلك في المستقبل القريب”.
يقوم الناس الآن بحركة عكسية، فالعديد منهم ما بين أطباء ومعلمين يغادرون البلاد بحثًا عن مكان أفضل في الخارج، تقول منعم: “لقد تأثر رأس المال البشري للبلاد، إنها مأساة خاصة”.
في مؤتمر للمانحين عقدته فرنسا، وافقت العديد من الدول على توفير مساعدات مالية للجيش اللبناني، فمع بقاء الأوضاع كما هي لن تستطيع الدولة دفع رواتب الجيش خلال 5 أشهر، ترى الدول المانحة أن الجيش ضروري لموازنة الجماعات المسلحة المتعددة في البلاد وخارجها، وتقول منعم: “يريدون التأكد من أن الجيش قادر على أداء دوره بكفاءة قدر الإمكان”.
تهريب البضائع إلى سوريا
يعد لبنان بلدًا مستوردًا، والكثير من البضائع المستوردة مثل الدقيق والوقود والدواء مدعومة من الدولة بنحو 6 مليارات دولار سنويًا، نصف هذا المبلغ يذهب لدعم الوقود المستورد الذي كان الطريقة الوحيدة منذ عقود ليكون متاحًا للأشخاص العاديين.
هذه السلعة النادرة يتم تهريبها خارج البلاد، إذ يتهم العديد من الناس مشغلي محطات الوقود بالاحتفاظ بالوقود عمدًا حتى ينخفض الدعم، ثم يبيعونه بسعر أعلى لسوريا المجاورة.
يدافع أصحاب محطات الوقود عن ممارساتهم تلك قائلين إنهم لا يكسبون شيئًا من بيع الوقود، يقول أحد مشغلي محطات الوقود في راشيا – رغم أنه نفى قيامه بذلك -: “هناك أيضًا أصحاب محطات الوقود الذي يبيعون الوقود بسعر أعلى ويمنحون القادرين على الدفع معاملة تفضيلية”.
نتج عن ذلك طوابير طويلة وصراع للبحث عن محطات وقود تبيع الوقود بالفعل، وحتى من ينجحون في الوصول إليها لا يحصلون إلا على بضعة لترات من الوقود.
حذر ريمون غجر وزير الطاقة اللبناني بالإنابة من أن دعم الوقود قد يكون في طريقه للتوقف، ويجب على السكان البدء في البحث عن وسائل نقل بديلة، لكنه لم يوضح ما هذه الوسائل، وأضاف: “يجب أن نعتاد ذلك وأن نكون مقتنعين بأنه هذا الدعم الذي نستفيد منه منذ أكثر من عام ونصف سوف ينتهي”.
للحفاظ على الوقود، يقود العديد من اللبنانيين سياراتهم فقط عندما يكون الأمر ضروريًا، إذا توقف الدعم تمامًا فإن القليل من الناس سيكونون قادرين على ملء سياراتهم بالوقود، وهذا يعني ذهاب عدد أقل من التلاميذ إلى المدارس.
يقول مدير مدرسة راشيا رابح خضر إنه يخشى من أن الناس لن ترى فائدة من تخرج أبنائهم في المستقبل، فمن الأفضل أن يحصلوا على وظيفة الآن لمساعدة والديهم ماديًا، والأسوأ من ذلك أن يستطيعوا مساعدة أنفسهم فقط.
المصدر: دويتشه فيله