ترجمة وتحرير: نون بوست
أسفرت حملة الشرطة السعودية التي استهدفت أحياء يسكنها المهاجرون عن اعتقال آلاف الإثيوبيين في جميع أنحاء المملكة. وأُلقي القبض خلال موجة الاعتقالات التي بدأت ليلة 11 حزيران/يونيو، على المهاجرين الإثيوبيين دون تمييز بين من يملكون وثائق إقامة قانونيّة وأولئك الذين لا يملكون أي وثائق.
وتحدث الإثيوبيون الذين تواصلت معهم “ميدل إيست آي” عن وقوع اعتقالات عشوائية وأكدوا اختطاف أصدقائهم من الشوارع من قبل ضباط يرتدون الزي الرسمي، وإيقاظهم في منتصف الليل جراء الحملات التي تشنّها الشرطة على منازلهم.
يقول أحد المهاجرين المقيمين بجدة لموقع “ميدل إيست آي”، مستخدما مصطلحا يطلقه البعض للإشارة إلى الإثيوبيين: “تقول الشرطة إن لديها أوامر بإلقاء القبض على جميع الأحباش. إنهم لا يقدمون أي أسباب، ويوقفون أي شخص قد يبدو لهم أنه إثيوبي”.
تكثُر حملات الشرطة ضد المهاجرين في المملكة العربية السعودية، وتستهدف عادة المهاجرين المقيمين بشكل غير شرعي، ويمثّل الإثيوبيون النسبة الأكبر منهم.
أدت حملة مماثلة في عام 2013 إلى اعتقال وترحيل حوالي 100 ألف إثيوبي، لكن خلال الأيام العشرة الماضية، تم اعتقال عدد كبير من الإثيوبيين الذين يحملون وثائق إقامة قانونية. يقول جيلان، وهو من أصل إثيوبي، لكنه وُلد في الرياض، إنه قضى عطلة نهاية الأسبوع من 12 إلى 13 حزيران/ يونيو خلف القضبان بعد اعتقاله في مقهى بالعاصمة السعودية.
يقول جيلان لموقع ميدل إيست آي: “حاصرت الشرطة طاولاتنا بينما حاول آخرون الهرب. حاولت أن أوضح لهم أنني مقيم بشكل قانوني ولديّ كل الوثائق التي تثبت ذلك، لكنهم لم يستمعوا لي. في لحظة كنت أشرب الشاي وأقرأ الجريدة، وبعد وقت وجيز وجدت نفسي مقيّد اليدين”. وذكر جيلان أن رب عمله السعودي رتّب الأمور لإطلاق سراحه من السجن.
بعد يومين من شنّ الحملة، أعلن دبلوماسيون إثيوبيون أنهم تمكّنوا من الحصول على قرار إفراج لـ600 إثيوبي يملكون وثائق إقامة سارية المفعول بعد اعتقالهم في المدينة المنورة، و94 إثيوبيا آخرين تم احتجازهم في مدينة جازان الساحلية بالقرب من الحدود اليمنيّة، لكن أعداد المعتقلين ارتفعت بشكل كبير منذ ذلك الحين.
وصرّح نيبيو تيدلا، نائب القنصل العام الإثيوبي في جدة، لموقع ميدل إيست آي: “كانت هناك اعتقالات في المدن الكبرى وكذلك في المناطق الريفية، ومن الصعب الحصول على تقدير دقيق للإحصاءات. مع ذلك، سنواصل العمل لتأمين عملية الإفراج عنهم”.
“لا أعتقد أنني سأراه مرة أخرى”
تحدث ديسو، وهو إثيوبي محتجز في سجن جازان، إلى موقع ميدل إيست آي باستخدام هاتف تم تهريبه إلى داخل مركز الاحتجاز، قائلا إنه “في جازان، كان هناك حوالي 80 أو 90 سجينا في كل زنزانة. لكن بداية من الأسبوع الماضي، ربما تضاعف عدد السجناء في كل زنزانة”.
وفي جدة، قال ثلاثة مهاجرين إثيوبيين على الأقل، لموقع ميدل إيست آي، إنهم شاهدوا بأعينهم اقتحام الشرطة السعودية للمنازل واعتقال من عُثر عليهم بداخلها، قبل احتجاز الأموال والهواتف والمجوهرات وغيرها من المتعلقات. وبحسب من تمت مقابلتهم، كانت منطقة كيلو 8 في جدة، والمعروفة بأنها تضم جالية إثيوبية كبيرة، أكثر المناطق تضررا.
يقول محمد، الذي طلب أيضا عدم الكشف عن اسمه بالكامل، إنه كان يسير في مكان قريب من المنطقة عندما شاهد الشرطة تقتحم شقة يعيش فيها مع ثلاثة مهاجرين آخرين. وأضاف: “لقد جاؤوا وهم يصرخون: أحباش! أحباش! رأيتهم يعتقلون جاري أمام زوجته وأطفاله الذين كانوا يبكون. تم أيضا احتجاز أحد زملائي في السكن. إنه لا يحمل الوثائق اللازمة، لذلك لا أعتقد أنني سأراه مرة أخرى للأسف”.
يتحدث جعفر، وهو مهاجر يحمل وثائق إقامة رسمية، عن حملة ليلية في منطقة كيلو 8 يوم 15 حزيران/ يونيو، تحولت إلى أعمال عنف. يقول في هذا السياق: “لقد كان الأمر أشبه بعملية عسكرية. حاصرت سيارات الشرطة المبنى بالكامل وهرعت لإغلاق المكان. ضربوا واعتقلوا النساء وطلبوا من المارة عدم التصوير. لقد كان الأمر فظيعا”.
أرسل جعفر مقطع فيديو إلى ميدل إيست آي، يقول إنه يظهر منزله المنهوب. هناك أدراج مقلوبة ومرتبة ممزقة على الأرض وباب يبدو أنه قد فُتح بالقوة. وقال جعفر إن الشرطة سرقت منه هاتفا و1600 ريال سعودي نقدا (حوالي 424 دولارا)، بالإضافة إلى جواز سفر زميله في السكن و500 ريال. يمكن سماع جعفر وهو يقول في مقطع فيديو مدته خمس دقائق: “أيها الإثيوبيون، احتفظوا بممتلكاتكم معكم، خاصة النقود والمجوهرات، سوف يسرقونها إذا احتفظتم بها في المنزل”.
تحذير إثيوبي
لم تعلن الحكومة السعودية علنا عن أسباب حملة القمع الجديدة، ولم يتم الرد على استفسار عبر البريد الإلكتروني أرسله موقع ميدل إيست آي إلى وزارة خارجية المملكة.
تقول نادية هاردمان، الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: “التقارير عن اعتقال المهاجرين الحاملين للوثائق وغير الحاملين للوثائق، دون تنفيذ إلى أي نوع من الإجراءات القانونية اللازمة، مقلق للغاية”. وتضيف: “بالنظر إلى أنواع الانتهاكات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش وغيرها في مراكز احتجاز المهاجرين، لا يسعنا إلا أن نتخيل ما يحدث أيضا لهؤلاء الأشخاص”.
وفقا لتقارير وسائل الإعلام الإثيوبية، سافر وفد حكومي إلى الرياض خلال عطلة نهاية الأسبوع لمناقشة حلول للأزمة الأخيرة. وفي ظل العلاقات الودية بشكل عام بين الدولتين، يبدو أن الاعتقالات قد فاجأت الحكومة الإثيوبية، حيث أصدرت سفارة إثيوبيا وقنصلياتها تنبيهات على صفحاتها على فيسبوك الأسبوع الماضي، لتحذير المواطنين من الاعتقالات الجماعية.
في السنة الماضية، كشف تحقيق أجرته صحيفة التلغراف أن المملكة العربية السعودية تحتجز الآلاف من المهاجرين الإثيوبيين غير الشرعيين في ظروف مروعة، مع ممارسة التعذيب وتفشي الأمراض. بحلول كانون الثاني/ يناير، بدأت عملية ترحيل المحتجزين، لكن عددا كبيرا منهم مازال يقبع في السجون السعودية.