عاد الحوثيون الذين يسيطرون على أجزاء واسعة في شمال اليمن بقوة السلاح، إلى تصعيد عملياتهم العسكرية ضد المملكة العربية السعودية، ومحافظة مأرب شمال شرق اليمن، بعد هدنة مؤقتة كانت تهدف إفساح المجال للوسطاء الدوليين لتحقيق اختراق في جدار المفاوضات المعقدة، التي تحاول أن تقنع الحوثيين أن يجنحوا للسلام.
عقب يوم واحد من إعلان فوز الفقيه الجعفري المتشدد، إبراهيم رئيس الساداتي المعروف باسم إبراهيم رئيسي، بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، أعلن التحالف العربي أنه تصدى لـ 17 طائرة مسيّرة أرسلها الحوثيون نحو الأراضي السعودية، كأكبر عملية هجومية منذ أشهر، وسط اشتداد المعارك في مأرب بين القوات الحكومية والحوثيين.
وقبل ذلك بيوم، أي الجمعة 18 يونيو/ حزيران 2021، أعلن المتحدث الرسمي لجماعة الحوثي، ورئيس وفدهم التفاوضي محمد عبد السلام، أن وقف الحرب في اليمن يعني الاستسلام، رافضًا فكرة وقف الحرب دون أن ترفع السعودية ما أسماه الحصار ووقف الاعتداء عليهم، وهو تصريح شديد اللهجة، يكشف تعقيد المفاوضات ورفض الحوثيين أي إغراءات قدِّمت لهم طيلة الفترة الماضية، من قبل التحالف العربي والمجتمع الدولي.
موقفنا من العدوان على بلدنا هو دفاعي ومن بيده وقف العدوان وانهاء الحصار هو الذي اعتدى على اليمن عدوانا عسكريا وحصاراً اقتصادياً ومطالبة المُدافع عن نفسه بالتوقف عن الدفاع والصمت عن الحصار إستسلام مرفوض تأباه الفطرة السليمة،والتضحيات التي قُدمت، والصمود الإسطوري للشعب اليمني .
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) June 18, 2021
تصريح محمد عبد السلام كان واضحًا أن لا وقف للحرب، ما لم يستسلم التحالف العربي، من خلال إعلانه وقف الحرب ورفع القيود على موانئ الحديدة، مقابل أن يوقف الحوثيين هجومهم البالستي وبالطيران المسيّر على السعودية، كما التوقف عن دعم الحكومة اليمنية واليمنيين في نضالهم ضد الحوثيين الذين يريدون أن يجرفوا الهوية اليمنية العربية والإسلامية.
يريد الحوثي أن يقول من خلال مراوغاته في معركة الحوار المعقد، إن ما يجري في اليمن شأن داخلي، وعلى السعودية أن توقف الحرب عليهم، فإذا استطاع أن ينال مراده وينتزع ذلك الشرط، سيبتلع اليمن بمساعدة إيران (سرًّا أو علنًا)، وسيجعلها معسكرًا إيرانيًّا لغزو المملكة، بحجة تحريرها من “آل سعود”، والانتقام لرجل الدين الشيعي نمر النمر الذي أعدمته السعودية في يناير/ كانون الثاني 2016، وبعد ذلك الانتقام لعلي بن أبي طالب، واستعادة مكة المكرمة لآل البيت كما يتحدثون في أبجدياتهم، ودروسهم للأطفال في المراكز الصيفية هذه الأيام.
تتسرب أنباء أن هناك تقدمًا كبيرًا في المفاوضات التي تجريها المملكة العربية السعودية والحوثيين في هذا الشأن، ووصل الأمر إلى أن المسؤولين السعوديين يطلبون ضمانات من إيران وعمان، بعدم مهاجمتهم مستقبلًا من قبل الحوثيين، وهي مذلة للسعودية، إن كانت تلك التسريبات صحيحة.
فبعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية في 26 مارس/ آذار 2015 تحالفًا عربيًّا بدعم غربي، لإعادة الشرعية في اليمن، وصدور قرار دولي رقم 2216 يدعم هذا التوجه، يأتي الوقت الذي تتخلى عن ذلك مقابل أن توقف مؤقتًا أذى الحوثي عنها.
إن تم ذلك سيكون خسارة مهينة للرياض، ما قد يشجع مستقبلًا إيران أو الحوثيين على التواصل مع الشيعة داخل السعودية، ودعمهم على قلب نظام الحكم هناك، إن لم تغزوها إيران من اليمن.
ربما قد ينظر الجميع إلى أن وقف دعم المملكة العربية السعودية للحكومة اليمنية، سيسهّل من عملية التفاوض التي تهيئ لتشكيل حكومة انتقالية في اليمن، ومن ثم انتخابات ديمقراطية، لكن ذلك ليس صحيحًا، حيث سيعتبر الحوثيون أنهم انتصروا في هذه الحرب، لأن التحالف فشل في تحقيق أهدافه.
وذلك يعني أن إيران ستشكل الديمقراطية وفقًا لمقاس الثورة الإسلامية الإيرانية، وعلى الشاكلة الإيرانية واللبنانية والعراقية، أي القضاء على المعارضة، تصفية الخصوم، وإنهاء الإسلام السنّي السلفي والمعتدل، ليبقى عبد الملك الحوثي مرجعًا سياسيًّا وشيعيًّا واقتصاديًّا ودستوريًّا لا شريك له.
ومن أجل تحقيق ذلك، سيستمر الحوثي برفض أي مقترحات وتنازلات سياسية وعسكرية يقدمها التحالف العربي أو الحكومة اليمنية، حتى إن أعلنت المملكة العربية السعودية من طرف واحد وقف العمليات العسكرية وفتح مطار صنعاء وتخفيف القيود على موانئ الحديدة، حيث كل ما يحصل على تنازل سيطمع بالأكثر.
هناك أسباب كثيرة شجعت الحوثي أن يصل إلى هذه المرحلة، يرفض وقف الحرب في اليمن، ويضع شروط المنتصر على المجتمع الدولي، ويهدد باقتحام مأرب أو زيادة الهجوم على السعودية في حال تم رفض شروطه، وسنقرأ ذلك في التالي.
الموقف الأميركي
كان إعلان الولايات المتحدة الأميركية، في 16 فبراير/ شباط 2021، إلغاء تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية، مبقيًا على التحذيرات من إمكانية فرض مزيد من العقوبات على أعضاء بالجماعة؛ هو التحول الكبير في إنعاش الحركة الحوثية، والتحول من الجماعة الذليلة التي بدأت تختنق، واقتربت من الموافقة على عملية سياسية تنقذها وتنقذ أعضاءها من تبيعة التصنيف الأميركي لها، وإن كانت فقط للمراوغة في إيقاف الحرب.
فهمَ الحوثيون القرار الأميركي بأنه موقف إيجابي لهم، وضوء أخضر في توسيع عملياتهم الحربية، وبدؤوا بهجوم عنيف على محافظة مأرب النفطية والغازية، حينما بدأ يتحدث بايدن عن إمكانية رفع الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية، وتمكنوا من السيطرة على الكثير من المديريات في المحافظة التي لم يتبقَّ فيها سوى 3 مديريات من أصل 14 مديرية، تتكون منها محافظة مأرب المعقل الأخير للحكومة الشرعية في شمال اليمن.
استمرار الولايات المتحدة الأميركية بفرض ضغوط كبيرة وكثيرة على المملكة العربية السعودية، دون أن تمارس ذلك بشكل حقيقي على الحوثيين، أوصل السعودية إلى أن تقدم مبادرات، بل تجاوزت تلك المبادرات في تقديم تنازلات قاسية لم يكن الحوثي يحلم بها لولا الضغط الأميركي، وهذه الخطوة جعلت الحوثيين في موقف القوي، وفارض الشروط.
من خلال الضغوط الأميركية، وموقف إدارة بايدن من الحرب في اليمن، التي ترى أن ما يجري في جنوب الجزيرة العربية شأن داخلي، وتسبّبَ بأزمة إنسانية كبيرة ولا بد أن يتوقف، دون أن تدرك مخاطر تبعات ذلك؛ خُيل للحوثي أنه انتصر في هذه الحرب، ويرى أنه لم يتبقَّ إلا القليل لمواصلة ضغوطه مستثمرًا الأزمة الإنسانية في اليمن، واستجداء العالم منه السلام لفرض شروطه، وهذه أخطر مراحل الحرب.
لن تنتهي الأزمة السياسية في اليمن كما تتوقعها الولايات المتحدة الأميركية، ولن يكف الحوثيون عن أذى السعودية أو الهوية العربية اليمنية في حال أوقفت الحرب، ولن تنتهي معاناة الإنسان اليمني، بل ستزداد ألمًا وقسوة، وستقع مجازر عنصرية يرتكبها المنتصر على اليمنيين.
موقف التحالف العربي
من ثاني أسباب وصول الحوثي إلى هذه المرحلة هو التحالف العربي، الذي ضغط على الحكومة اليمنية للقبول باتفاق ستوكهولم، وكذلك قبولها تفاوض ثانٍ أو محاولة الدخول في مفاوضات ثانية أشمل من اتفاق ستوكهولم، دون أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي وقّع في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018 في السويد برعاية الأمم المتحدة.
كان ينبغي على التحالف العربي اختيار شخصيات يمنية وطنية، ليس لها انتماءات حزبية، لمهمة الحقائب الوزارية، وخصوصًا وزارة الدفاع، والعمل على دعم هذه القيادة بمهمة واحدة هي تحرير الأراضي اليمنية في فترة وجيزة، وفي حالة عدم تحقيق أي تقدم على الأرض، يبحث أسباب ذلك، ويعمل على حلها.
الأحزاب السياسية في اليمن، وخصوصًا التي سيطرت على القرار السياسي والعسكري، لم تكن تعتبر أن الحرب التي يقودها اليمنيون مصيرية، ولا بد أن تنتهي بسرعة، فإطالتها ستساعد الحوثي على البقاء، ومن ثم سيسأم العالم من بقائها، وسيتحول من داعم إلى ضاغط عليها من أجل إنهاء الحرب لدواعٍ إنسانية. كما أنها انشغلت بالاستثمار والتجارة على حساب التحالف العربي ومعاناة الشعب اليمني.
أخطأ التحالف العربي أيضًا حينما اغتيل علي عبد الله صالح، في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2017، على أيدي الحوثيين، ولم يقم بالوجه الصائب في استقطاب كافة اليمنيين وتوحيدهم، وإلزام الأطراف السياسية اليمنية بعدم المماحكة السياسية، وتوجيه التهم لبعضهم، حتى لا يتفرق الجمع اليمني لصالح الحوثيين.
كان يستطيع أن يجمع حزب التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، وبقية الأحزاب اليمنية، في خندق واحد، واعتبار الرافض في دخول هذا الخندق عدوًّا لليمن، لكن ذلك لم يكن، ما عزز الانقسام في الصف اليمني المناهض للتمدد الإيراني في اليمن.
تراجُع أداء إعلام التحالف
تراجع إعلام التحالف العربي إلى أدنى مستوياته منذ بدء عاصفة الحزم في أواخر مارس/ آذار 2015، وأصبحت “الشللية” هي من تدير تلك القنوات خلال الفترة الأخيرة، وتحديدًا من بداية العام 2020، حينما تغيرت السياسة الإعلامية، وأصبح الخبراء الذين تستضيفهم تلك القنوات، يرددون كلامًا مكررًا بنغمة واحدة، في ظل انعدام الفكرة ونقاشها، فالاقتصادي يتحدث عن السياسة، والسياسي يتحدث عن العسكري، والعسكري يتحدث في كل ما سبق، دون الخروج بنتيجة واضحة للفكرة التي يحاول الإعلام مناقشتها.
فالصحف الإلكترونية التي يدعمها التحالف العربي، جميعها بالسياق نفسه، والأخبار التي تنشر في وسيلة واحدة يعاد نشرها في كل الوسائل، دون أسلوب احترافي لمناقشة الفكرة، ومحاولة التأثير الذي يعرف به الإعلام، حيث تأثيره أقسى من الرصاصة، وأن نتيجة تأثيره آنية كما بعيدة المدى.
وصل الأمر في تلك الوسائل إلى أن القائمين عليها يديرونها لمجرد “الارتزاق”، وليس كمهمة عمل وطني، لإنقاذ شعبهم والعمل على التأثير في الرأي المحلي والعربي والعالمي، ليُصنع فارق في هذه الحرب المعقدة.
آخر ذلك كان التحول الكبير في الوسائل الإعلامية وخصوصًا المرئية، من العمل العشوائي إلى المهادنة العشوائية، ومحاولة صناعة السلام، وهو ما فهمه الحوثي أن ذلك تغزلًا به، ومحاولة لاسترضائه، فتكبّر، ورفع من شروطه، وتجبّر في حربه، وقاد حربًا إضافية وشرسة على مأرب.
ضعف الحكومة الشرعية
ضعف الحكومة الشرعية، وإصرار أعضائها على أنهم يؤدون عملًا مؤقتًا من أجل الراتب، دون أن يدركون أنهم بمهمة وطنية في تحرير اليمن، ساهم أيضًا في ضعف الشرعية، وضعفها صوّر للعالم أن الحوثي يستحيل هزيمته.
لا يخفى على أحد أن حزب الإصلاح يتحمل الجزء الأكبر في ضعف الشرعية اليمنية، كونه المتحكم بتفاصيلها سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا، نتيجة لإقصائه كافة الكوادر اليمنية، وفضّل المنتسبين إليه عليهم، ولم يقم بواجبه الوطني في احتضان كافة الأطراف والعمل معًا لإنقاذ الوطن، سفينة الجميع.
ساهم ذلك في تفاقم الخلافات داخل الحكومة اليمنية، التي أصبحت تشكل عبئًا ثقيلًا على التحالف العربي، ولا بد من النظر إلى هذا العبء ومحاولة إصلاحه من جذوره، وإعادة ترتيب التحالفات، وتوجيه البوصلة نحو هدف واحد هو تحرير اليمن.
خلاصة
تشجع الحوثيون كثيرًا بحديث العالم الموحد عن السلام، إضافة إلى المبادرات التي قدمتها المملكة العربية السعودية، وتغيير اللهجة الإعلامية ضدهم، وكذلك الخلافات الموجودة داخل الحكومة الشرعية، وهي عوامل جميعها شجعت الحوثي على استمرار الحرب، ضانًّا أنها فرصة أمامه لن تتكرر، ولن يستطيع تحقيق السيطرة على المنطقة بشكل كامل ابتداء من اليمن، دون أن يستغل ما يعتبرها فرصة.
وحديث المبعوث الأممي إلى اليمن، وإشاراته أنه فشل في إقناع الحوثيين بأهمية السلام، دون أن يتحرك المجتمع الدولي لضغط حقيقي عليهم، شجع الحوثيين أكثر، واعتقدوا أنهم أصبحوا قوة، وأصحاب حق، وهم من يفرضون نقاط الشروط التفاوضية.
يستمد الحوثيون هذا الإصرار من عقيدة إنشائهم التي وجدت من أجل الحرب والسيطرة على المنطقة وتغيير هويتها، على اعتبار أنهم مأمورون من الله، ولذلك حينما يقبلون بالمفاوضات، يقبلون من أجل عملية تكتيكية، بهدف تخفيف الضغط عليهم، ثم ينقلبون عليها بطريقة أو بأخرى.
للشرعية اليمنية أوراق كثيرة، ومن أهم الأوراق أعتقد ما تقدمه الآن من تناغم مع المجتمع الدولي، لتكشف حقيقة الحوثيين، وبإمكانها استغلال ذلك الآن لقلب المعادلة عسكريًّا، إذا كانت تريد بالفعل أن تنهي الأزمة الإنسانية في اليمن.
عليها أن تقوم بتوحيد كل القوى المناهضة للحوثيين، اليوم وليس غدًا، وبمجرد توحيد هذه الجهود، سنجد تغيرًا طرأ على فكر الحوثيين، على اعتبار أنهم يتغذون من صراع القوى المناهضة للحوثي.
بإمكان الحكومة اليمنية أن تنسحب من اتفاق ستوكهولم، بعد أن قدمت كل التسهيلات والتنازلات من أجل وقف الحرب وبدء السلام، إلا أن ذلك قوبل بتعنت حوثي، ولا يجب أن تعلن بطريقة ارتجالية في يوم وليلة، بل عليها أن تمنح المجتمع الدولي شهرًا واحدًا لإقناع الحوثي بوقف الحرب، التي تثقل كاهل المواطن اليمني، وتزيد من معاناته اليومية، فإذا رفض الحوثي ذلك خلال المدة التي تحددها الحكومة اليمنية، تقوم بإعلان بدء التحرير الفعلي لليمن عسكريًّا.