قبل ساعات من انعقاد مؤتمر برلين2 المرتقب، بدأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر في نشر المزيد من الغيوم الداكنة في أجواء المشهد الليبي، إذ عطلت قواته والمرتزقة التابعون له فتح الطريق الساحلي بالتوازي مع إعلانه غلق الحدود مع الجزائر، فما دلالات ذلك؟
عرقلة فتح الطريق الساحلي
يوم الأحد، أعلن رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة إعادة فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب، وقال – في تغريدة على تويتر – إن بلاده “ستطوي اليوم صفحة من معاناة الشعب الليبي، وستخطو خطوة جديدة في البناء والاستقرار والوحدة”.
وأضاف “تحية تقدير لكل الجهود المخلصة التي نعيش نتائجها اليوم بفتح الطريق الساحلي، معًا للبناء والعمل من أجل نماء الوطن وازدهاره”، وأزال دبيبة ثلاثة سواتر ترابية على الجانب الغربي من الطريق في قرية بويرات الحسون التي تبعد ما يقارب 370 كيلومترًا شرق العاصمة طرابلس.
لم يضع مؤتمر برلين2 حفتر في الحسبان، فلم يتم استدعاؤه ولا التنسيق معه في أي شأن يهم المؤتمر
لم تمر ساعات قليلة، حتى تبين أن الطريق لم يُفتح بعد، إذ ادعى أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المؤيدون لحفتر، أن فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرقي وغربي البلاد، ما زال يحتاج كثيرًا من الوقت، مشددين على رفضهم القرار الذي اتخذه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، قبل يومين، بإعادة فتح هذا الطريق.
يذكر أنه بموجب بنود اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، فإنه يتعين إعادة فتح الطريق الساحلي وسحب أي قوات عسكرية إلى خارجه والانتهاء من عملية إزالة مخلفات الحرب والألغام، إلا أن قوات حفتر المتمركزة هناك تحول دون فتحه.
اللواء #إبراهيم_بيت_المال: نيات مندوبي #حفتر في لجنة 5+5 “غير حسنة” والحكم ليس بأيديهم
1/4 pic.twitter.com/DIPt0TmKgJ
— قناة التناصح (@TanasuhTV) June 21, 2021
يتمركز في هذا الطريق الحيوي مرتزقة روس تابعين لشركة “فاغنر” الداعمين لقوات حفتر، ودائمًا ما تظهر وسائل إعلام محلية ومواقع اجتماعية صورًا وفيديوهات لعناصر “فاغنر” وهي تحفر خنادق وتهيئ سواتر ترابية بالقرب من الطريق الساحلي المغلق منذ أكثر من سنتين نتيجة الهجوم العسكري الذي شنه خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس.
تعقيبًا على تعطيل قوات حفتر فتح الطريق الساحلي، قال آمر غرفة عمليات تحرير سرت والجفرة اللواء إبراهيم بيت المال إنه سيرفع قضية ضد المعرقلين الحقيقيين لفتح الطريق الساحلي وضد المدعو أحمد المسماري الذي يفتري الأكاذيب، وأضاف بيت المال في تصريح إعلامي أن نيات مندوبي حفتر في لجنة 5+5 غير حسنة.
يؤكد هذا الأمر، تواصل مساعي اللواء المتقاعد خليفة حفتر – الذي تتهم قواته بارتكاب مجازر حرب – الحثيثة لعرقلة أي تقدم يمكن إحرازه في ليبيا في سبيل الوصول لحل ينهي سنوات الصراع والفوضى التي أنهكت الليبيين وأرجعت البلاد سنوات إلى الوراء.
غلق الحدود الليبية الجزائرية
لم يتوقف حفتر عند هذا الحد، فغيومه الداكنة وصلت الحدود الجزائرية، إذ أعلنت قواته غلق الحدود مع الجزائر وجعلها منطقةً عسكريةً يُمنع التحرك فيها، وتمتد الحدود بين الجزائر وليبيا لمسافة ألف كيلومتر تقريبًا عبر صحراء غير مأهولة في أغلبها وبها 3 نقاط عبور برية، تتمثل في معبر الدبداب/غدامس في أقصى الشمال ومعبر تين الكوم/إيسين في أقصى الجنوب، بالإضافة إلى معبر طارات.
يأتي تحرك حفتر، بعد أيام قليلة من تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن بلاده كانت ستتدخل لمنع سقوط العاصمة الليبية طرابلس في يد المرتزقة، خلال الحملة العسكرية التي شنها خليفة حفتر بالاستعانة بمرتزقة روس وأفارقة للسيطرة على طرابلس في أبريل/نيسان 2019.
#Libya – (#ليبيا) أعلنت القوات الموالية للقائد العسكري خليفة حفتر المتمركز في شرق ليبيا يوم الأحد أنها أغلقت الحدود مع الجزائر وذلك بعد أن أكد نشر قواته على نطاق واسع في الجنوب استمرار دوره رغم المساعي الرامية لتوحيد البلاد. pic.twitter.com/84FMrsQA17
— أخبار العالم العاجلة (@BWorldN) June 20, 2021
كما جاء التحرك أيضًا في الوقت الذي يستعد فيه البلدان لفتح معبر الدبداب/غدامس، الأقرب إلى طرابلس، والقريب من حقول عين أناس الغازية في الجزائر وحقل الوفاء الغازي بليبيا، وأيضًا غداة زيارة ناجحة أداها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة إلى الجزائر.
إثبات الذات ولفت نظر
مثلت هذا التحركات المتزامنة تحديًا للسلطة التنفيذية الجديدة في البلاد، فرغم اعترافه ظاهريًا بالمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، فإن حفتر ما فتئ يظهر عكس ذلك، فهو لم يقدم تنازلات إلى الآن لها أن تخدم مسار السلام في البلاد.
لا تعتبر هذه المرة الأولى التي يتجاوز فيها حفتر قرار السلطة الموحدة، إذ دائمًا ما يتصرف بمعزل عن الاتفاقيات المدعومة من جميع الأطراف الإقليمية والدولية، فقد سبق له أن عرقل في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي اجتماعًا وزاريًا كان مبرمجًا أن يعقد في بنغازي بقيادة عبد الحميد دبيبة، كما حاول مرتزقة تابعين له منع وفد حكومي يقوده دبيبة من الهبوط في مطار مدينة سرت.
هذه الممارسات يسعى حفتر من خلالها إلى إثبات الذات ولفت نظر المجتمع الدولي له قبيل انعقاد مؤتمر برلين الثاني، خاصة في ظل تزايد الخناق حوله في الفترة الأخيرة داخليًا وخارجيًا، بعد أن كان يمني نفسه بالسيطرة على ليبيا وتقديمها على طبق من ذهب لحلفائه الأجانب.
يسعى حفتر أن يصدر نفسه أمام القوى الدولية على أنه لاعب سياسي بارز في الساحة الليبية والمنطقة ككل في ظل تجاهله داخليًا وخارجيًا
من المنتظر أن تستضيف ألمانيا غدًا الأربعاء جولة جديدة من محادثات السلام الليبية، بهدف مناقشة خطوات تحقيق الاستقرار المستدام في ليبيا، وسيكون أمام المشاركين في مؤتمر برلين2 مهمة أولى تتمثل في مساعدة الليبيين على تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر بتاريخ 24 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وملف ثانٍ هو إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد.
هذا المؤتمر لم يُلقِ لحفتر بالًا، إذ لم يتم استدعاؤه ولا التنسيق معه في أي شأن يهم المؤتمر، لذلك يسارع حفتر الزمن لإثبات نفسه، فهو يعمل جاهدًا على فرض نفسه بالقوة، بعد أن علم يقينًا صعوبة استمراره في المشهد الليبي الحاليّ، في ظل التوجه الدولي للوصول إلى الاستحقاقات الانتخابية نهاية العام الحاليّ بسلطة موحدة، الأمر الذي يرفضه حفتر.
الخشية من الاستبعاد
يخشى حفتر أن يتم استبعاده ويفقد مكانته في ظل التفاهمات الجديدة، فحتى الانتخابات الرئاسية المنتظر عقدها نهاية السنة الحاليّة لا يحق له الترشح فيها، فهو عسكري وحامل للجنسية الأمريكية، وهو ما يتعارض مع مشروع القاعدة الدستورية الذي أعدته اللجنة القانونية لملتقي الحوار.
عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر يغرد في تويتر معلقًا على مماطلة حفتر ومليشياته في فتح الطريق الساحلي #سرت#ليبيا pic.twitter.com/cmL08Dq3mX
— قناة فبراير (@FebruaryChannel) June 21, 2021
لذلك يسعى حفتر أن يصدر نفسه أمام القوى الدولية على أنه لاعب سياسي بارز في الساحة الليبية وفي المنطقة ككل في ظل تجاهله داخليًا وخارجيًا، وقد بدأ فعليًا حملته الانتخابية مبكرًا، إذ وقع قبل أشهر على مخطط لبناء 3 مدن غرب وشرق وجنوب بنغازي تتسع لـ12 مليون نسمة، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد سكان ليبيا 7 ملايين نسمة.
كما وعد عائلات قتلى مليشياته بـ20 ألف وحدة سكنية، بمعدل مسكن لكل قتيل أو أسرة قتيل، على حد قوله، كما وعدهم بتوفير فرص عمل لأبنائهم بعد تأهيلهم، إضافة إلى تكفل قواته بمصاريف تعليم أبناء القتلى حتى المرحلة الجامعية، فيما تكون الأولوية في طلبات الحج والعمرة لهذه الأسر.
هذه الوعود والتحركات الغرض منها الترويج لشخصه بعد الضربات العسكرية والدبلوماسية الكبيرة التي تلقاها في الأشهر الأخيرة وأدت لتهميشه، ما يعني أن حفتر لن ينسحب من المعادلة الليبية بسهولة رغم الضغط الكبير الممارس ضده، فهو يأمل أن يقود البلاد مهما كلفه الأمر.