انطلقت فعاليات النسخة الأولى من منتدى قطر الاقتصادي، الذي يعقد عبر تقنية الاتصال المرئي، تحت شعار “آفاق جديدة للغد”، في العاصمة الدوحة، والمقرر له أن يستمر 3 أيام في الفترة بين 21-23 يونيو/ حزيران الجاري، وسط مشاركة دولية واسعة النطاق من الخبراء والمتخصصين والقادة.
ويشارك في المنتدى الذي يضم نخبة عالمية، تضم أكثر من ألفَي شخص من رؤساء تنفيذيين، وشخصيات ملهمة، وصنّاع قرار في مجالات التمويل والاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا والطاقة والتعليم والرياضة والمناخ، والعديد من قادة الدول ورؤساء الحكومات، من بينهم رئيس غانا نانا أكوفو، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الرواندي بول كاجامي، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس السنغالي ماكي سال، والرئيس الأرميني أرمين سركيسيان.
ويحاول المنتدى من خلال جلسات النقاش المكثفة، واجتماعات العصف الذهني لكبار خبراء الاقتصاد في العالم، أن يقدم حلولًا من شأنها الانتقال إلى مرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، في محاولة لعبور تلك المرحلة الحرجة التي أثّرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، والتي يصعب معها التعافي إن لم تكن هناك استراتيجية للتعاون المشترك بين كافة الأطراف الفاعلة.
اقتصاد ما بعد الجائحة
ويهدف المنتدى الذي يعقد بالتعاون مع “بلومبيرغ”، إلى تقديم حزمة من الخطط والاستراتيجيات المدروسة بشكل عملي لنمو الاقتصاد العالمي خلال مرحلة ما بعد كوفيد-19، مع تسليط الضوء كذلك على التجربة القطرية في هذا الإطار، وكيف نجحت الدوحة في التعامل مع تلك الأزمة من خلال 3 محاور رئيسية.
أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته عبر الفيديو خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى، قال: “إن العالم لم ينتقل حتى الآن إلى مرحلة ما بعد جائحة كورونا”، مضيفًا أن دور الدولة لا غنى عنه في التغلب على التحديات المرتبطة بتلك الأزمة وتداعياتها، داعيًا قادة دول العالم إلى مزيد من التعاون من أجل التوزيع العادل والشامل للقاح كورونا.
ويتضمن جدول أعمال المنتدى 6 محاور رئيسية، هي أولًا: “التكنولوجيا المتقدمة” ويسلط الضوء على التغييرات الدائمة في العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، ثانيًا: “عالم مستدام” وفيه محاولة لاستكشاف تقاطع الرأسمالية مع المناخ، ثالثًا: “الأسواق والاستثمار” ومن المقرر أن يناقش قدرة المستثمرين، في سعيهم الحثيث إلى فرص النمو، على تشكيل اقتصاد عالمي أكثر مرونة.
أما المحور الرابع فيأتي تحت عنوان “تدفقات الطاقة والتجارة”، ويسعى لمشاركة وسطاء الطاقة العالميين رؤيتهم المستقبلية لهذا السوق، فيما يتناول المحور الخامس، “المستهلك المتغير”، مستقبلَ التجارة العالمية، وأخيرًا “عالم أكثر شمولًا” يتطرق إلى كيفية تعافي المجتمعات ما بعد الجائحة وسبل النهوض وعبور الأزمة.
لاقى المنتدى ترحيبًا كبيرًا من الخبراء والمتخصصين، حيث كشف أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر الدكتور رجب الإسماعيل أهمية تلك الفاعلية من عدة جوانب، أهمها التوقيت، إذ يأتي متزامنًا مع أكبر أزمة صحية واقتصادية حلت بالعالم منذ عقود بتفشي فيروس كورونا، وتأثيره على القطاع الاقتصادي في العالم.
وأضاف في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن المشاركة الدولية بهذا الحجم والكم الكبير من القادة والخبراء والمتخصصين وكبريات الشركات العالمية، يمكن أن تكون نقطة بداية حقيقية للقضاء على تأثير الجائحة على الاقتصاد العالمي، هذا بجانب التغطية الشاملة للمنتدى لمختلف أضلاع الاقتصاد (التجارة والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا والمستهلك).
وعن دلالة استضافة قطر لهذا الاجتماع العالمي، أشار المحلل المالي أحمد عقل أن ذلك يعكس “ثقة العالم في الاقتصاد القطري الذي أثبت قدرته على الصمود في وجه التحديات وقدرة البلاد الاستثمارية”، متوقعًا أن يحقق هذا المنتدى فرصًا استثمارية كبيرة ليس في قطر فقط بل المنطقة بأكملها، لافتًا إلى أن “الكثير من المستثمرين يبحثون عن فرص جديدة فيما بعد الجائحة لتعويض الخسائر في الفترة الأخيرة”.
التعاون سبيل النهوض
اتفق المشاركون في المنتدى، وفق ما أفضت الجلسة الافتتاحية، إلى أن التعاون والتكاتف بين دول العالم الغنية والفقيرة هما السبيل الوحيد للنهوض بالاقتصاد، وعبوره لتلك الأزمة التي تتصاعد منذ بداية الوباء، مع التأكيد على عدالة توزيع اللقاحات بين الجميع، بما يسهم في التشافي في أقصر وقت ممكن، دون أي امتيازات عنصرية من شأنها أن تُحدث آثارًا عكسية على المستوى البعيد.
رجل الأعمال الهندي ورئيس شركة “ريلاينس للصناعات المحدودة” موكيش إمباني، أكد “أن المرحلة الحالية التي يعيشها الاقتصاد العالمي تتطلب التكاتف والتعاون حتى يمكن تجاوز هذه الأزمة”، موضحًا أن الجائحة خلقت أزمة غير مسبوقة عالميًّا، خاصة في المجال الاقتصادي، مضيفًا أنه رغم ذلك “رأينا تضامنًا غير مسبوق من الشعوب فيما بينها من أجل تقديم المساعدة”، لافتًا إلى أن دولة قطر كانت خير مثال على ذلك، عندما بادرت بتقديم المساعدات الطبية والإغاثية لبلاده.
أفريقيًّا شدد رئيس جنوب أفريقيا خلال مشاركته في المنتدى، على حاجة القارة للمساعدة العاجلة (قدّرها بنحو 400 مليار دولار كحد أدنى)، خاصة تلك الدول التي تعيش ظروفًا صعبة، لافتًا إلى أن حالة التعافي التي شهدها عدد من دول القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية، تتراجع حاليًّا جراء الجائحة.
وقدم رامافوزا بعض الحلول العاجلة لإنقاذ القارة من مأزقها الحالي، واستعادة قدرتها على النهوض مرة أخرى، على رأسها “قيام الدول الكبرى والهيئات الدولية بإلغاء أجزاء من ديونها المستحقة على أفريقيا، بالإضافة إلى توفير المنح والقروض ودعم مشاريع البنى التحتية”.
أما الرئيس الأرميني فدعا إلى ضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية في أسرع وقت، من أجل المساهمة في النهوض باقتصاد بلاده، مشددًا على ضرورة استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
كما أضاف خلال كلمته: “نسخّر كل الكفاءات والإمكانات الأرمينية من أجل تنمية وتطوير ونهضة بلادنا، خاصة في ظل ما يشهده العالم من أوضاع اقتصادية صعبة جراء جائحة كورونا”، مؤكدًا أنه يجب الاستعانة بالكفاءات الأرمينية في الخارج من أجل دعم اقتصاد بلادهم والنهوض بها على مختلف المستويات.
وتطرق سركيسيان إلى عدد من الملفات التي كانت سببًا في إعاقة التنمية ببلاده، منها النزاع مع أذربيجان، مؤكدًا على ضرورة طي صفحة الماضي وتنحية أي خلافات من شأنها أن تقود لحرب جديدة في القوقاز، منوهًا على أهمية الحوار والتفاوض باعتبارهما الحل الأبرز والأكثر تأثيرًا لحلحلة تلك الأزمة، التي تعكس حالة من الفشل الأرميني الأذري المزدوج.
كورونا والاقتصاد العالمي
“بحلول أوائل أبريل/ نيسان 2020، كان نحو 150 بلدًا قد أغلق جميع المدارس، وفرض إلغاء التجمعات والفعاليات، وأغلق أكثر من 80 بلدًا كل أماكن العمل لاحتواء تفشي الفيروس”، هذا ما نشره البنك الدولي عبر مدونته الرسمية على الإنترنت، متطرقًا إلى تداعيات الجائحة على الاقتصاد العالمي.
كشف البنك عن حجم الآثار الكارثية لكورونا على منظومة الاقتصاد، على المديَين القصير والطويل، بالنسبة إلى الأول أشار إلى أن اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، هي الأكثر تضررًا اقتصاديًّا، وذلك لسببَين: معاناتها من ضعف أنظمتها الصحية، أو اعتمادها بشكل كبير على التجارة أو السياحة أو تحويلات المغتربين من الخارج، وهي القطاعات التي تأثرت أشد تأثر.
أما على المدى طويل الأجل، فمن المتوقع أن يكون لحالات الركود الحالية “تداعيات مستديمة على الناتج المحتمل من خلال تقليص معدلات الاستثمار والابتكار، وتآكل رأس المال البشري للعاطلين، والانسحاب من دائرة التجارة العالمية، وانقطاع الصلة بسلاسل التوريد”.
وتوقّع البنك أنه خلال السنوات الخمس المقبلة، من شأن الآثار التي خلفتها الأزمة الراهنة أن تؤدي إلى انخفاض الناتج المحتمل نحو 8%، في فئة اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، أما في البلدان المصدرة للطاقة من بين هذه الفئة، ففي المتوسط قد يؤدي كساد يصاحبه انهيار أسعار النفط إلى انخفاض الناتج المحتمل بنسبة 11%.
وفي سياق التداعيات الكارثية للأزمة، فقد تسبب انتشار الوباء في إلغاء 225 مليون وظيفة دائمة، وتقليص عدد ساعات العمل عالميًّا بواقع 8.8%، وهي النسبة التي فاقت التراجع في عدد ساعات العمل إبان أزمة الاقتصاد العالمي في أواخر عام 2008، بحسب التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة عام 2020.
وتتناغم أهداف منتدى قطر المنعقد حاليًّا مع توصيات البنك الدولي، فيما يتعلق بضرورة وضع سياسات شاملة لتحسين المؤسسات والنهوض بالاقتصاد، من خلال التكاتف والتعاون بين مختلف القوى والأفكار والفئات، واعتماد البرامج والخطط ذات البعد الزمني المحدد، وتنحية أي ممارسات عنصرية من شأنها أن تفاقم الأزمة مستقبلًا.