“انشروا رايته خفاقة، وارفعوها فوق هام السحب، واهتفوا يحيا اتحاد المغرب العربي”، هذه مقتطفات من نشيد اتحاد المغرب العربي للشاعر الجزائري محمد لخضر السايحي التي نظمها احتفاءً بميلاد التكتل عام 1989، قبل أن تُجهضه الخلافات السياسية بين دول المنطقة وتفشل الأنظمة في تحقيق الأهداف التي نصت عليها المعاهدة كتحقيق التنمية الصناعية والتجارية.
⚡️من نشيد #اتحاد_المغرب_العربي لمحمد الأخضر السائحي:
حلم جدي حلم أمي وأبي * حلم من ماتوا وحلم الحقب
فانشروا رايته خفاقــة * وارفعوها فوق هام السحب
واهتفوا يحيى اتحاد المغرب
عقبة الفهري وحسان العظيم * أسسا الوحدة من عهد قديم
وحدا الأنساب في تاريخـنا * بلسان العرب والدين القويم pic.twitter.com/yTSHbP8i0B
— وطننا (@watanouna) February 17, 2021
فتاريخيًا، كان للتوترات السياسية دور كبير في عرقلة التكامل الاقتصادي لمنطقة المغرب العربي، من بينها غلق الحدود بين المغرب والجزائر سنة 1994 لأسباب سياسية، بالإضافة إلى أزمات نشبت بين تونس وليبيا.
بعد أكثر من 30 عامًا على قيام الدول المغاربية، أطل مشروع إحياء “القطار المغاربي” ليحرك أحلام شعوب المنطقة التي تنتظر فتح الحدود والتنقل بالدول المجاورة بجواز سفر وعملة موحدة، ناهيك بتشجيع السياحة بين بلدان المنطقة وتقليص مدة السفر بين البلدان المغاربية وتعزيز التعاون التجاري والصناعي بين دول الاتحاد.
مشروع قديم
كان مسافرو البلدان الثلاث المغاربية يتنقلون بالقطار الذي ترتبط محطاته بخط سكك حديدية يصل بين حدود هذه الدول، فتونس والجزائر تربطهما محطة غار الدماء وسوق أهراس، أما الجزائر والمغرب فيربطهما خط مغنية وجدة، لكن الأخير توقف سنة 1994، عقب إغلاق الجزائر حدودها البرية مع المغرب بسبب فرض الرباط تأشيرة الدخول إثر اتهامات للجزائر بالتورط في تفجيرات فندق أطلس أسني بمراكش، وهو ما نفته الجزائر.
كما توقف الخط بين تونس والجزائر عام 2006 لأسباب أمنية وتقنية، ليتم لاحقًا الاتفاق على إحيائه في لقاء جمع رئيس الحكومة التونسية السابق يوسف الشاهد ونظيره الجزائري حينذاك عبد المالك سلال.
قبل 1994، كانت محطة وجدة المغربية تُمثل نقطة التقاء حضاري وثقافي تجمع المسافرين من الدول الثلاثة، فحتى اختلاف اللهجات لم يكن عائقًا أمام تواصل الوافدين من مختلف المناطق الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية الساعين للتجارة والسياحة أو لزيارة الأهل والأقارب.
المدينة المغربية الحدودية كانت بفنادقها الصغيرة ومقاهيها العتيقة وأسواقها الشهيرة كسوق مليلية حاضنة لجلسات الغرباء الإخوة وأحاديثهم عن التاريخ والجغرافيا التي تجمعهم وجديد شرائط أغاني الراي الصاخبة التي كسرت الحدود.
في حديثه لـ”نون بوست” استحضر التونسي عمر لشهب رحلاته إلى المغرب عبر القطار الذي ينطلق من تونس مرورًا بالجزائر، من أجل تجارة الملابس الجاهزة قائلًا: “نذهب للرباط صيفًا لجلب الملابس والأحذية الرياضية وشتاءً لشراء السترات الجلدية، كنت أقتات على هذه التجارة التي تدر أموالًا كافية لتلبية حاجيات أسرتي”.
“كانت رحلات آمنة أقمنا عبرها علاقات قوية مع إخوتنا الجزائريين والمغاربة سواء على مستوى المادي أم الإنساني”، يُضيف محدثنا متحسرًا على تلك الأيام الخوالي التي وصفها بأنها عصر ذهبي لشعوب المغرب العربي، مستبعدًا أن يُعيد القطار الجديد بعضًا من ذكرياته الجميلة.
القطار الجديد
مشروع إحياء القطار المغاربي يتضمن إنشاء سكة حديدية جديدة عبر الحدود بين تونس والجزائر (عنابة جندوبة) وتحديث خط السكة الحديد بين جندوبة والجديدة إلى جانب تحديث خط السكة بالمغرب (فاس وجدة) وإعادة تأهيل الجزء المغربي الجزائري العابر للحدود، بالإضافة إلى إدخال التكنولوجيا الحديثة في الأنظمة الفرعية للطاقة والتحكم في القيادة والإشارات، وذلك وفق بلاغ أصدره اتحاد المغرب العربي في وقت سابق.
المشروع العابر للبلدان المغاربية سيُمكن، بحسب دراسة الجدوى، من تقليص المدة الزمنية للسفر بين الدار البيضاء وتونس من 48 ساعة إلى 25، فيما ستصل مدة ربط الدار البيضاء بالجزائر العاصمة 15 ساعة، وسيبلغ عدد المسافرين في القطار سنة 2025، حسب التوقعات، 4689 مسافرًا في اليوم، كما سيحمل 4236 طنًا من أدوات ومعدات التبادل التجاري في السنة ذاتها، على أساس أن ينتقل رقم المسافرين إلى 6738 سنة 2040، وسيحمل 8388 طنًا من البضاعة، وفي سنة 2065 سيتمكن من الوصول إلى 12431 مسافرًا في اليوم، وسيحمل 22 ألفًا و436 طنًا من البضائع.
أما بالنسبة لجزء المغرب-الجزائر، تتوقع الدراسة أن يتنقل عام 2025 عبر هذه المسافة 36 ألفًا و237 مسافرًا يوميًا، ونقل 22 ألفًا و654 طنًا من البضائع، فيما سينقل في 2040، 529 ألفًا و941 مسافرًا، وستنقل 42 ألفًا و945 طنًا من البضائع، في حين تتحدث توقعات عام 2065 عن تنقل 93 ألفًا ومئة مسافر يوميًا ونقل 109 آلاف و97 طنًا من البضائع.
المشروع الذي تبلغ قيمته 4 مليارات دولار سيموله البنك الإفريقي للتنمية ولجنة الأمم المتحدة للاقتصادات، وسيُمثل فرصة للشركات المحلية والوطنية لتشغيل عجلتها الاقتصادية وتوفير آلاف الوظائف الجديدة والاقتصادات المرتبطة بها.
أهداف المشروع
العنوان الأبرز لهذا المشروع هو إقامة اتحاد اقتصادي مغاربي لتسيير حركة البضاعة والأشخاص بين البلدان الثلاثة، كما يهدف إلى تعزيز التكامل التجاري والاجتماعي وتركيز دعائم تنموية في المناطق الحدودية وخلق فرص العمل.
ويأتي المشروع لإنقاذ الاقتصادات المغاربية التي تُعاني من ضعف التجارة البينية وضعف التبادلات التجارية بين هذه الدول مقارنةً بحجم التبادل بينها وبين الدول الأخرى، وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن حجم التجارة بين بلدان المغرب العربي يقل عن 5% من مجموع التجارة في المنطقة، مقارنة بحجم التجارة الإقليمية الذي يبلغ 16% في إفريقيا و19% في أمريكا اللاتينية و51% في آسيا و54% في أمريكا الشمالية و70% في أوروبا.
وبحسب ذات التقرير، فإن البلدان المغاربية الـ5 لا تتخذ أيًا من بلدان منطقتها شريكًا تجاريًا أساسيًا لها، مشيرًا إلى أن معظم الأنشطة التجارية لبلدان المغرب العربي تجري مع أوروبا، وهو ما يعكس جزئيًا الأوضاع التاريخية (الارتهان للمستعمر الفرنسي) وطبيعة السلع الأولية والتجارية والجهود المبذولة أخيرًا من جانب هذه البلدان بهدف تحرير التجارة مع أوروبا.
فوائد الاندماج
اقتصادات الدول المغاربية تُصنف على أنها الأقل اندماجًا مقارنة بالتكتلات الأخرى، إذ لا يتجاوز حجم التبادل التجاري فيما بينها 4% إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من حجم التجارة الخارجية لكل دولة عضو، ومن المتوقع أن يُمكن الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة المغاربية، في حال تطبيقه، من تحقيق ناتج اقتصادي ضخم، يعود بالفائدة على هذه الدول.
وبحسب تقرير النقد الدولي، فإن مثل هذا الاندماج قد يؤدي إلى إقامة سوق متكاملة تضم نحو 100 ألف مليون مستهلك، وتحقيق ناتج إجمالي خام يتجاوز 360 مليار دولار أمريكي، بينما سيكون نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الإقليمي ما يقارب 4 آلاف دولار بالقيمة الاسمية.
على جانب آخر، تؤكد التقارير الاقتصادية والأمنية أن الخسائر التي يتحملها الاقتصاد المغاربي بسبب تعطل العمل المشترك قدرت بأكثر من 10 مليارات دولار أي بنسبة تصل إلى 5% من الناتج الداخلي الخام.
بعيدًا عن الفوائد الاقتصادية، فإن مشروع القطار المغاربي سيُحيي التكامل الثقافي والحضاري، إذ ستُحقق حرية التنقل والتواصل وستُعمق العلاقات الاجتماعية خاصة في المناطق الحدودية التي تربطها علاقات قرابة ومصاهرة.
سياسيًا، سيساهم المشروع الرائد في تخفيف حدة التوتر الذي بات مهيمنًا على العلاقات المغاربية خصوصًا بين الدولتين الجارتين المغرب والجزائر على خلفية ملف الصحراء الغربية، وسيخفض من وتيرة سباق التسلح بينهما واستبداله بمشاريع تنموية عملاقة تساعد في امتصاص الصدمات الاقتصادية والاجتماعية.
حدود وعوائق
مقارنة بالتكتلات الدولية والإقليمية التي نجحت في إنجاز وحدة اقتصادية وسياسية، فإن الاتحاد المغاربي الذي كان سباقًا في محاولة الاندماج التي بدأت منذ مؤتمر طنجة 1958 وتكللت باتفاق مراكش 1989، عجز عن كسب رهان التكامل رغم ما يجمع بلدانه من قواسم وقيم مشتركة (دين ولغة وعادات)، وذلك لأسباب سياسية تعود لطبيعة الأنظمة الحاكمة خاصة في المغرب والجزائر.
لذلك، فإن دخول بلدان المغرب العربي مرحلة جديدة في علاقاتها الاقتصادية عبر استعدادها لإطلاق مشروع القطار المغاربي بعد محاولات متعثرة دامت ثلاثة عقود، سيتطلب أولًا إذابة جليد العلاقات السياسية بين الجزائر والمغرب بتسوية الخلافات العالقة كملف الصحراء الغربية التي يُمكنها أن تكون حجر عثر أمام إعادة فتح الحدود المغلقة لسنوات.
فمن المعلوم أن الإرادة السياسية لبعض الدول المغاربية تعمل على تعطيل بناء الاتحاد وتفعيل العمل المشترك لتحقيق غاياته الاقتصادية والاجتماعية المثلى، فالعقيدة السياسية لبعض الأقطار المكونة للاتحاد المغاربي لا تؤمن بقيمة التعاون والتضامن الإقليمي وهي في أقصى حالاتها محكومة إما بنزعة الهيمنة الإقليمية وإما التبعية الاستعمارية.
على صعيد متصل، فإن إحياء التكامل المغاربي عبر إعادة خط السكة الحديد وتوسيع شرايين التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات وآفاق النمو الاقتصادي، يتطلب أيضًا إرسال إشارات سياسية واقتصادية مشجعة للمستثمرين قصد إقناعهم لتمويل مشروع القطار، خاصة أن الممولين يتجنبون الاستثمار في مشاريع مرتهنة لقرارات سياسية وأهواء الحكام.
أما فيما يخص الجانب التقني، فرغم أن السكك متوافرة وعملية إنجاز أجزاء أخرى لا يتطلب الكثير، فإن مشروع القطار سيواجه إشكالات فنية متمثلة أساسًا في غياب البنى التحتية المرافقة للمحطات وحواجز الجمارك ونقاط المراقبة وورش الصيانة.
العامل الأمني بدوره يشكل معضلة أمام إطلاق المشروع، فالمناطق الحدودية بين البلدان المغاربية (تونس والجزائر) تُعد مسرحًا لعمليات التهريب والإرهاب وتُشكل هاجسًا يؤرق الأنظمة وسط غياب تام للاتفاقيات الدفاعية الحدودية المشتركة بين دول المنطقة، لذلك فإن غياب التنسيق الأمني في هذه المناطق الحدودية وسيؤدي بنهاية المطاف إلى غلق هذا الخط لدواعي أمنية.
عجز الأنظمة المغاربية عن إحياء القطار الذي يُعد من أبسط المشاريع الاقتصادية من حيث تكلفته وفترة إنجازه، دليل آخر على أن مشروع الاندماج المغاربي باعتباره خيارًا إستراتيجيًا يهدف إلى تحقيق أعلى درجات التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لن يخرج من أدراج السياسيين ومسودات تفاهماتهم المعلقة.