تمثل مسألة امتلاك عقار هدفًا رئيسيًّا في حياة الغالبية، وإن صح القول فهو أول هدف يبدأ الشباب السعي وراء تحقيقه عند التحاقهم بسوق العمل، والسبب في ذلك أن ثقافتنا المحلية تشجعنا على الملكية العقارية، على اعتبار أنها مفتاح السعادة وجزء من استقرار الأسرة العربية.
ولا شك أيضًا أنها جزء من الأنشطة التجارية الكبرى التي يستفيد منها عدة أطراف وصناعات، بدءًا من مقرضي الرهن العقاري، إلى وكلاء العقارات، وحتى متاجر تأثيث المنازل وفرشها، الذين يضخون ملايين الدولارات على الإعلانات لتسويق منتجاتهم، ما يعني أن تملُّك عقار هو جزء من عقليتنا الثقافية وأنشطتنا التجارية.
ومع ذلك، لا يأخذ الجميع بالحسبان الجوانب المالية والاستثمارية لهذه الخطوة، والتي قد تكون معطياتها تشجع على استئجار منزل وليس امتلاكه، وهي النتيجة أو الفكرة التي تناقض الكثير من الناس الذين يظنون أن قرار شراء منزل هو الأكثر صوابًا. ولا سيما بالنسبة إلى الذين يعتبرون أن ملكية منزل تعني الشعور بالاستقرار والانتماء وربما الفخر بإنجازاتهم المالية.
على المدى القصير تميل التكلفة الإجمالية لامتلاك المنازل إلى أن تكون أعلى من التكلفة الإجمالية للإيجار.
ومع ذلك إنه ليس أفضل خيار للجميع، حيث يُفضّل الأشخاص في المدن الكبرى المزدحمة تغيير أماكن سكنهم كلما تغير مكان عملهم، حتى لا تحوّل المسافات البعيدة وساعات السياقة الطويلة، أو رحلات المواصلات العامة، حياتهم اليومية إلى جحيم.
ولتكن حساباتك دقيقة، وفي صالحك على المستوى المالي والاستثماري، عند اتخاذ الخطوة التي قد تمثل أكبر وأطول التزام مالي في حياتك، سأحاول مساعدتك في تقييم إيجابيات وسلبيات شراء عقار، وما عليك فعله قبل القيام بذلك.
ما يجب أن تعرفه قبل امتلاك العقار
أولًا، العقار هو أصل غير سائل، قد لا تتمكن من بيعه عندما تريد إذا كان سوق الإسكان كاسدًا، وحتى لو تمكنت من بيعه، فهناك تكاليف متعددة مرتبطة بمعاملات البيع، مثل عمولة السمسار أو الضرائب ورسوم نقل الملكية.
ثانيًا، على المدى القصير تميل التكلفة الإجمالية لامتلاك المنازل إلى أن تكون أعلى من التكلفة الإجمالية للإيجار، وهذا قائم حتى لو كانت دفعة القرض العقاري الشهرية مماثلة أو أقل من الإيجار الشهري.
على سبيل المثال، لنفترض أنك اشتريت منزلًا بقيمة 100 ألف دولار، وقمت بتسديد 20% من المبلغ كدفعة أولى، وقمت بتقسيط الباقي على دفعات متساوية لمدة 30 عامًا بمعدل فائدة 4%، ستكون الدفعة الشهرية 381 دولارًا، وعلى فرض أن استئجار منزل مماثل في المنطقة نفسها كان بـ 400 دولار شهريًّا، وكنت تنوي الاحتفاظ بالمنزل لمدة 3 سنوات وبعد ذلك تقوم ببيعه، في الغالب ستكون الكلفة الإجمالية للشراء مقابل الاستئجار كالتالي:
المصروف | الشراء | الاستئجار |
دفعة القرض الشهرية | 381 | 0 |
الإيجار الشهري | 0 | 400 |
ضريبة عقار | 66 | 0 |
تأمين عقاري (إجباري) | 66 | 0 |
علاوة سنوية 2% | 0 | 8 دولارات بالمتوسط |
عمولة سمسار | 3000 | 400 |
إجمالي التكلفة بعد 3 سنوات | 21.468 | 14.992 |
ثالثًا، تنص القاعدة التقليدية على أن الرهن العقاري هو وسيلة رائعة لإجبار نفسك على الادخار، لأنك تبني رأسمال في أصل مرتفع القيمة، من خلال تسديد دفعة القرض العقاري كل شهر، وهذا صحيح نظريًّا.
لكن السؤال المهم هنا: هل هذا الأصل أفضل ما يمكنك شراءه بأموالك؟ وللإجابة على ذلك، تحتاج إلى مقارنة إجمالي تكلفة تملُّك المنزل بتكلفة الإيجار خلال مدة إقامتك فيه، إضافة إلى ضرورة حساب تكلفة الفرصة البديلة لاستثمار أموالك في مكان آخر.
بمعنى آخر، في المثال السابق ستكون دفعتك الشهرية 381 دولارًا، وبهذا سيكون معظمها موجه لتسديد الفوائد خلال السنوات الأولى، ما يعني أنك بعد 3 سنوات ستكون دفعت تقريبًا 13.716 دولارًا، 9.350 منها فوائد، وفقط 4.366 دولارًا من ثمن المنزل.
في المجموع، وإذا قررت الاحتفاظ بالمنزل حتى تسديد كامل ثمنه بعد 30 عامًا، ستنفق 57.806 دولارات على الفائدة، وطبعًا ما زلنا لم نأخذ في الحسبان أية مصاريف أخرى، كالصيانة الدورية والضرائب العقارية، التي يتجاهل الكثيرون احتسابها.
ويضاف إلى كل ما سبق أيضًا، تكلفة الفرصة البديلة، فإذا استثمرت مبلغ الدفعة الأولى بمعدل فائدة 3% مثلًا، فإن ذلك يعني أنك قللت من كلفة الإيجار في المثال السابق بمبلغ 50 دولارًا شهريًّا.
أخطاء متكررة
من المهم أن تدرك أنه مع العقارات، لا يقتصر الأمر على دفعك على الرهن العقاري فقط، لأنك مسؤول أيضًا عن ضرائب الممتلكات والنظافة والتأمين ضد الزلازل والفيضانات والصيانة الدورية، وغيرها من التكاليف الإضافية الأخرى المرتبطة بملكية المنزل.
كما يقع على عاتقك مسؤولية الحذر من تقييم سعر العقار بشكل خاطئ، وعدم إجراء بحث كافٍ للتأكد من أن السعر الذي ستدفعه هو في الواقع أكثر الأسعار تنافسية، دون أن تقع ضحية حيل سماسرة العقار المدربين على استخدام كل الأدوات النفسية، لإقناعك على أنك تفوّت أكبر فرصة في حياتك، إن خرجت من الباب ولم تدفع عربون وتوقع على عقد مبدئي.
ولذلك، لا بد أن تدرك أنه في سوق شديدة التنافسية مثل السوق العقاري، تحتاج إلى التأكد من أن ما ستدفعه يمثل أفضل صفقة وقيمة ممكنة، ولن تعرف ذلك دون أن تقوم ببحث وافٍ للمنطقة وأسعار العقارات فيها، بل الخطط المستقبلية للبلدية التي قد تؤثر عليها، مثل إنشاء خط مترو أنفاق أو مدرسة أو مستشفى أو أي مشروع يضمن تدفق الناس إلى المنطقة.
إلى جانب ذلك، تفرض الميزانية المحدودة معاييرها أيضًا على عملية الشراء، فإذا لم يكن لديك ميزانية غير محدودة ستكون هناك بعض التنازلات عند اختيارك للمنزل، ولكن يجب أن تكون واعيًا تمامًا لما ستقوم بالتنازل عنه ومقابل ماذا، ببساطة قد تكون الشقة لا ترى ضوء الشمس بشكل كافٍ أو تطل على شارع يعج بالسيارات والضجيج.
قبل أن تضع نفسك في التزام طويل الأمد في أصل غير سائل، قم بالتحضير المالي اللازم.
الأهم من ذلك هو تحديد الهدف من شراء العقار، فهناك فرق بين من يشتري منزل الأحلام بهدف الاستقرار الدائم، ومن يستثمر في العقار ليستفيد من إيجاره كمصدر دخل إضافي ويبيعه عند صعود الأسعار، وفرق آخر بين من يسعى لتحقيق الهدفين.
وهو القرار الذي يساعد من البداية في اتخاذ قرار شراء عقار من عدمه، واستثمار الأموال بطرق تتناسب أكثر مع أهدافك قصيرة وطويلة الأمد، وحينها لا بد أن تكون بحوزتك مجموعة من الإجابات على التساؤلات التالية:
ما سبب شراء منزل في المقام الأول؟، وما هي المشاكل التي ستحل بتملُّك عقار بدلًا من استئجاره؟ مثل هل هي وسيلة لتوفير واستثمار المال؟ هل ستحتاج إلى مساحة أكبر؟ هل تنوي الاستقرار إلى الأبد؟ أم أنك تبحث عن عقار فقط كاستثمار جيد؟
إذا لم تدرَج أهدافك ضمن إحدى هذه الفئات، فمن الأفضل أن تبحث في مكان آخر، أو ربما تمتنع عن شراء شيء ما حتى تكون أهدافك أوضح.
عمومًا، قبل أن تضع نفسك في التزام طويل الأمد في أصل غير سائل، يجب أن تدخر مبلغ يكفي مصاريفك، بما فيها القسط العقاري لمدة 6 أشهر على الأقل، لأنه وعلى سبيل المثال في حالة فقدان الوظيفة، أو انخفاض الدخل، يجب أن تملك ما يكفي للوفاء بالتزاماتك، دون أن تضطر بيع العقار بشروط غير محببة.