كارثة إنسانية تلوح بالأفق، في ظل سعي روسيا ومن خلفها نظام الأسد إلى إغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا بريف إدلب الشمالي، أمام دخول المساعدات الإنسانية لأكثر من 4 ملايين سوري يعيشون معظمهم في الخيام، وسط ظروف معيشية واقتصادية متردية، شمال غرب سوريا، تسببت بها العديد من العوامل.
وجددت روسيا مؤخرًا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، في رسالة وجّهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نقلتها وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية؛ إصرارها على إمكانية تسليم المساعدات عبر خطوط النزاع السوري، بمعنى وصولها إلى دمشق، ولاحقًا إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، عن طريق الهلال الأحمر السوري.
مؤكدًا “أن روسيا ستمنع تجديد الأمم المتحدة للمعبر الحدودي المتبقي الذي تنتهي ولايته في 10 يوليو/ تموز”. وتحاول روسيا استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد تمديد تفويض دخول المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى الحدودي في شمال غرب سوريا.
وتنتهي آلية التفويض الخاصة بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى مناطق الشمال السوري، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2533/ 2020، في تاريخ 11 يوليو/ تموز 2021.
منظمات إنسانية تحذِّر
طالبت 80 منظمة إنسانية وطبية عاملة في الشمال الغربي من سوريا، الأربعاء 23 يونيو/ حزيران الجاري، مجلسَ الأمن تجديد القرار بخصوص العمليات الإنسانية، وإيصال المساعدات عبر الحدود إلى شمال سوريا، خلال مؤتمر صحفي في مخيم العامرية بريف إدلب الشمالي، حمل عنوان “شريان الحياة”.
واعتبرت أن إغلاق معبر باب الهوى الحدودي سيشكل كارثة بحق المدنيين، لأنه المعبر الوحيد الذي يغذّي المنطقة بالمساعدات الإنسانية، وطالبت بمنع تحويل ملف المساعدات الإنسانية والطبية المنقذة للحياة، إلى ملف ابتزاز تتحكم به روسيا ونظام الأسد، بحسب أهوائهما.
وذكر نص بيان المنظمات الإنسانية: “يسجل السوريون هذا العام انقضاء عقد على المأساة السورية، والتي تظهر آثارها المدمرة في أنحاء البلاد. إذ قتل ما يزيد عن نصف مليون شخص، بينما لا يزال أكثر من مئة ألف شخص في عداد المفقودين بعد اعتقالهم تعسفيًّا، وتم تشريد أكثر من نصف السكان داخليًّا أو خارجيًّا”.
وأضاف البيان: “يحتاج 4.13 ملايين شخص في سوريا إلى المساعدة الإنسانية، وذلك بزيادة قدرها 21% مقارنة مع العام 2020، حيث تتفاقم الاحتياجات بشكل متزايد بسبب التدهور الاقتصادي، إذ يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر حاليًّا”.
وتابع البيان: “لا تزال المستشفيات والمدارس ومراكز الدفاع المدني تتعرض للقصف، بينما أصبح أكثر من نصف البنية التحتية الأساسية في سوريا مدمرة أو خارج الخدمة”.
كما حذر البيان من تفاقم المعاناة الإنسانية، وارتفاع معدلات الأمراض بشكل سيئ، في منطقة يعاني فيها واحد من كل 3 أطفال من سوء التغذية.
تداعيات إغلاق معبر باب الهوى
يشكل إغلاق معبر باب الهوى الحدودي كارثة إنسانية على الشمال السوري، حيث سيحرم الكثير من المحتاجين المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية، في ظل حاجتهم الماسة إليها، وسط غياب مصادر الدخل والمؤسسات الخدمية وانهيار البنية التحتية الأساسية.
القطاع الغذائي
قال الناطق باسم منسّقي الاستجابة، محمد الحلاج، خلال حديثه لموقع “نون بوست” عن أثر إغلاق معبر باب الهوى الحدودي: “لدينا عدة نقاط تدور حول أثر إغلاق المعبر، أبرزها: حرمان أكثر من 1.8 مليون نسمة من المساعدات الغذائية، ومليون نسمة سيتم حرمانها أيضًا من الخبز المجاني”.
وأضاف: “بالنسبة إلى المياه، منذ تاريخ 25 مايو/ أيار يوجد 340 مخيمًا من أصل 1304 مخيمات حرمت من الحصول على المياه النظيفة، لعدة أسباب منها انتهاء مشاريع أو عدم تجديدها، وبعضها غير مدرجة بالخطة، وهذا يعني حرمان أكثر من 2.3 مليون نسمة من الخدمات، بمختلف أنواعها”.
وتصل المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا من تركيا نحو معبر باب الهوى، وبحسب منسّقي الاستجابة فإنه منذ عام 2020 حتى 1 يونيو/ حزيران الجاري، دخلت مساعدات إنسانية وزنها حوالي 587141 طنًّا، وتشكل المساعدات الغذائية والمستلزمات الطبية 70.85% منها، وذلك يقدر بـ 415 ألف طن، ولوحظ انخفاض المساعدات خلال الفترة الأخيرة.
القطاع الطبي
قال مدير صحة حلب الحرة، خلال حديثه لموقع “نون بوست”: “سيتأثر القطاع الطبي لكون معظم المواد والتجهيزات الطبية تأتي للداخل السوري عبر الحدود التركية، ما يؤدي في حال إغلاقها إلى كارثة في مجال الخدمات الصحية المقدمة التي تعاني أساسًا من ضعف في الإمدادات والمعدات”.
إيقاف إيصال المساعدات سيؤثر بشكل كبير على القطاع الطبي باعتباره أكثر القطاعات تضررًا، بسبب الاستهداف المتكرر والعمليات العسكرية.
وأضاف: “وهذا الأمر أيضًا سيجعل النقاط الطبية تعاني من نقص الأدوية والمعدات الضرورية، خاصة في ظل تراجع عدد المنظمات الدولية الداعمة ونقص التمويل الطبي من منظمة الصحة العالمية والدول الداعمة، وهذا كله سيزيد من معاناة السوريين”.
كما يؤثّر توقف إيصال المساعدات الطبية على تلقي جرعات فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، كون اللقاح يدخل إلى المنطقة عبر منظمة الصحة العالمية، مع ارتفاع أعداد الإصابات مع بداية حزيران/ يونيو إلى أكثر من 3 آلاف إصابة في المخيمات وحدها.
كما أكّد الحلاج من جهته: “سيؤثر إيقاف إيصال المساعدات بشكل كبير على القطاع الطبي باعتباره أكثر القطاعات تضررًا، بسبب الاستهداف المتكرر والعمليات العسكرية، كما سيساهم بإغلاق حوالي 50% من النقاط والمراكز الطبية خلال المرحلة الأولى، التي تصل إلى 3 أشهر بعد إغلاق المعبر؛ وأما المرحلة الثانية ربما تمتد لـ 8 أشهر، وذلك بسبب توقف دعم المشاريع الطبية”.
الواقع الاقتصادي
تبدو الأوضاع الاقتصادية للسكان في الشمال الغربي من سوريا متردية، بعد تقلص المساحة الجغرافية وعدم قدرة السكان الاعتماد على الزراعة التي تشكل أهم الموارد المعيشية لهم، وسيطرة الفقر واتساع رقعة البطالة على أكثر من 90% من السكان.
وحول الموضوع، أشار الحلاج خلال حديثه لموقع “نون بوست”: “سيزيد إيقاف وصول المساعدات الإنسانية من مآسي السكان، حيث ستشهد الأسواق ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من 200%، وقد ترتفع أسعار مادة الخبز المدعوم في غالب الأحيان إلى أكثر من 4 أضعاف”.
وهنا سيضطر السكان الذين لا يملكون فرص عمل، ولا حتى مصادر دخل التي تبدو ضعيفة المردود في حال وجدت، إلى الامتناع عن شراء حاجيات بيتهم لأنهم لا يملكون المال، ما سيشكل مجاعة مع انتشار الأمراض وغيرها من الكوارث.
وعن الحلول البديلة، قال الحلاج: “لا يوجد حلول بديلة في الوقت الحالي، ويجب اتخاذها ووضع خطط لها قبل وقت، من أجل الخروج خارج نطاق مجلس الأمن، وإيجاد وسائل أخرى تساعد على تخطي الوضع في حال أغلق المعبر”.
ومع غياب الأراضي الزراعية، ومصادر دخل السكان من المعامل والصناعة، وإغلاق المعبر، سيتم الاعتماد على التجارة التي لا يمكن أن تنشط في المنطقة بسبب غياب التنافس والسوق المفتوحة، ما قد يجعل السكان يتغاضون عن المساعدات الإنسانية نوعًا ما.
انسحاب المنظمات الدولية
قال هشام ديراني، المدير التنفيذي لمنظمة بنفسج العاملة في شمال غرب سوريا، خلال مقطع صوتي استمع إليه “نون بوست”: “سيؤدي إيقاف قرار تمديد دخول المساعدات إلى انسحاب كامل لوكالات الأمم المتحدة، وذهاب التمويل إلى الوكالات العاملة في مناطق النظام، وبالتالي حصول النظام على كامل المساعدات الإنسانية ومحاصرته للمناطق الخارجة عن سيطرته، هذا ما حدث في مناطق شمال شرق سوريا، حيث يعيق النظام دخول المساعدات الإنسانية بعد إغلاق معبر اليعربية، وحصر دخولها عبر دمشق”.
وأوضح أنه يمكن أن تستمر المنظمات الدولية بالعمل في الشمال السوري، لكن بشكل أقل بكثير وبصعوبات كبيرة جدًّا دون تمويل الأمم المتحدة، التي يشكل تمويلها قرابة 65% من مجمل تمويل الاستجابة الإنسانية.
مؤكدًا “أن إيقاف وصول المساعدات سيؤدي إلى انسحاب منظمة اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، وبالتالي سيحدث فجوات كبيرة في مجال الصحة والخدمات والغذاء والتعليم”.
الكثير من التجارب السابقة في إدخال المساعدات الإنسانية عبر نظام الأسد كانت فاشلة، وأبرزها ما حصل في الغوطة الشرقية وداريا وحلب الشرقية أثناء حصارها من نظام الأسد.
وأقرت الأمم المتحدة إدخال المساعدات الإنسانية خلال أبريل/ نيسان 2014، وفقًا للقرار 2165 حتى عام 2020، عندما تدخلت روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) وتقليص أعداد المعابر أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، وذلك بقرار مجلس الأمن رقم 2533.
لماذا تسعى روسيا لإيقاف المساعدات الإنسانية؟
تسعى كل من روسيا والصين إلى إيقاف إيصال المساعدات عبر الحدود، وإدخالها من خطوط التماس، وافتتاح معابر مع نظام الأسد لتزويد المناطق المحررة بالمساعدات، وهنا تنتقل المرحلة إلى شبه تطبيع مع النظام، ولاحقًا إلى معبر تجاري يعزز اقتصاد نظام الأسد.
وقال الناشط الإنساني عبيدة دندوش لموقع “نون بوست”: “نخشى أن تحدث مجاعة في الشمال السوري، والمستفيد الأكبر من إيقاف دخول المساعدات الإنسانية هما روسيا ونظام الأسد، وهما يرغبان في تحويل دخول المساعدات إلى مناطق الأخير، ما سيجعلها عرضة للابتزاز والسرقة والنهب المباشر من مؤسسات النظام المشهورة في الفساد”.
مؤكدًا: “إن الكثير من التجارب السابقة في إدخال المساعدات الإنسانية عبر نظام الأسد كانت فاشلة، وأبرزها ما حصل في الغوطة الشرقية وداريا وحلب الشرقية أثناء حصارها من نظام الأسد، ودوره في ابتزاز المعارضة أمام دخول المساعدات ونهبها”.
إلى ذلك، تحاول المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، من خلال الحملات المناصرة، منع روسيا من استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، في ظل سعيها الدؤوب إلى إيقاف وصول المساعدات الإنسانية، وتحويل عبورها عبر مناطق نظام الأسد، ما سيساهم في عرقلة تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع في مختلف القطاعات، منها الصحية والغذائية والتعليمية والسكنية، التي يعتمد عليها ملايين السوريين شمال غرب سوريا.