ترجمة وتحرير: نون بوست
مع تواصل حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في ليبيا، غادر العديد من الفنانين التشكيليين البلاد بحثًا عن حياة أفضل. وبغض النظر عن مكان إقامتهم، فإن مساهمتهم في المشهد الفني الليبي مستمرة، حيث يواصل الفنانون الليبيون الناشئون – سواء في الداخل أو المغتربين منهم – تقديم وجهات نظر مختلفة حول تاريخ البلاد المعقّد.
خلال العقود السابقة، عانى الفنانون الملتزمون من الرقابة المشددة للنظام الاستبدادي للزعيم الليبي معمر القذافي، بينما أصبح الشباب الليبي اليوم أكثر جرأة في مواقفهم. يعبّر فنانون مثل يوسف فتيس ومعتوق أبوراوي ومحمد بن لامين وهادية غانا وتيوا بارنوسا عن انشغالاتهم الاجتماعية والسياسية بأشكال مختلفة، وتعكس أعمالهم الصراع الأخير والحرب الأهلية التي تعيش على وقعها ليبيا.
يُجسّد العمل الفني الذي أطلقت عليه تيوا بارنوسا اسم “احتجاجات صامتة” هذه الروح القتالية المكتشفة حديثًا. يتكون هذا المجسم من 50 طوبة، كُتب على كل واحدة منها بيان مختلف للمتظاهرين. بعضها يتحدث عن فظائع الحرب الأهلية، والبعض الآخر عبارة عن شعارات مكتوبة بأسلوب فكاهي نقدي تصف الأحداث الاجتماعية والسياسية والتاريخية والدينية المؤلمة التي مرت بها البلاد.
حسب الفنانة المقيمة في بنغازي شفاء سالم، فإن حرية التعبير لا تزال مهددة: “أنت لا تعرف أبدًا من سيرى عملك ويهاجمك، فهناك الكثير من الفصائل والجماعات المختلفة […] مثل الإسلاميين المحافظين أو الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الحرب أو حتى الحكومة. ينبغي أخذ العديد من الاعتبارات في الحسبان عند تنفيذ أي عمل فني”.
زاد الصراع من صعوبة لقاء الفنانين في أجزاء مختلفة من ليبيا مع استمرار ارتفاع خطر مواجهة الفصائل المتحاربة. إنهم يواجهون مشكلة في نقل أعمالهم الفنية. وأشارت شفاء سالم: “لا تتوفر لدينا إمكانيات شحن مناسبة وهو ما يشكل خطرا على القطع الفنية ويجعلها تتضرر بسهولة. وأحيانًا تحتاج إلى حمل اللوحات بنفسك، والطريقة الوحيدة للسفر من طرابلس إلى بنغازي هي برًا، نظرا لأن السفر الجوي غير متاح في الوقت الحالي”. وتؤكد سالم أن “الطريق الساحلي مغلق بسبب الحرب، لذا عليك أن تسلك منعطفًا طويلاً. إنه تحدٍ، لكنه أمر لا يزال ممكنًا”.
يستفيد الفنانون الليبيون المغتربون، الذين سافر العديد منهم في البداية إلى الخارج للدراسة ولم يعودوا أبدًا، من القدرة على الوصول إلى الفعاليات الفنية والموارد لمساعدتهم على إنتاج أعمالهم الفنية وتطويرها. تقول نجلاء العجيلي: “هم أيضًا أكثر وعيًا بما يحدث في عالم الفن الدولي، ولديهم إمكانية الوصول إلى طرق بديلة للرؤية والتفكير”.
رغم بعد المسافات، يواصل الفنانون المغتربون دعم المشهد الفني في بلدهم الأم، حيث أطلقوا عددًا من المبادرات التي تهدف إلى زيادة الوعي الدولي بالأعمال الفنية الليبية. ومن بين الأمثلة البارزة مؤسسة ورق للفنون والثقافة لتيوا بارنوسا، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى إحياء المشهد الفني الليبي من خلال دعم الحوار النقدي، والتي أسستها الفنانة الشابة في سنة 2015 في طرابلس وهي تعمل الآن في في ليبيا وقاعدتها في برلين.
على المستوى العالمي، حددت مؤسسة نون الفنون – التي تتخذ من لندن مقرا لها وتشرف العجيلي على إدارتها – مسار المحادثات الدولية من خلال تنظيم معارض ناجحة في لندن ومالطا وتريفيزو وكاليفورنيا. وأشارت سالم: “لن أقول إنك بحاجة إلى البقاء في ليبيا لتحسين الوضع فيها، سأفر بجلدي إذا أتيحت لي الفرصة. يمكنك أن تفعل الكثير لليبيا من الخارج، إذا كان لديك شعور بالانتماء”.
فيما يلي قائمة ببعض الفنانين الليبيين الناشئين الواعدين، سواء في ليبيا أو خارجها.
شفاء سالم
تعتبر شفاء سالم، البالغة من 25 سنة والمقيمة في بنغازي، من إحدى الفنانات التشكيليات العصاميات وتركز لوحاتها على القضايا الاجتماعية والسياسية والنسوية والبحث في تاريخ ليبيا. تصور لوحتها “كاسكا’، رقصة الحرب” لسنة 2020، التي تعد جزءًا من مشروع الهوية الخاص بها في التاريخ الليبي، رقصة كاسكا الليبية التي يعرف بها تقليديًا شعب تيميهو – الأمازيغ من منطقة الصحراء الذين يعيشون على طول الحدود الليبية.
أول تصوير لهذه الرقصة كان على جدران المعابد المصرية بالدير البحري منذ آلاف السنين، وهي تظهر جنودًا يرقصون الكاسكا بينما يقاتلون بالعصي من أجل الحصول على الماء. في لوحة سالم، تعد الرقصة جزءًا من عرض موضوعه ثنائية الحرب، يُرمز لها بخط أحمر أفقي يقسم لوحتين. يمثل الجزء العلوي من الصورة الذي يعرض رجالا يقاتلون القسوة والإرهاب، في حين أن الجزء السفلي يصور النساء المعرّضات للألم وأهوال الحرب.
تقول سالم، التي تدرس الهندسة المعمارية حاليًا في جامعة بنغازي: “لطالما كنت شغوفةً بالفن. في البداية كنت أنسخ الصور، وأعلّم نفسي كيفية التعامل مع الأعمال الواقعية، حتى سنة 2018 بدأت في رسم أعمالي الفنية الخاصة. أعمالي تسرد قصصا وتسلط الضوء على قضايا معينة، وأنا أحاول من خلالها التركيز على بعض القضايا المتعلقة بليبيا. والقضية الأساسية بالطبع الحرب التي لا نهاية لها، وحالة عدم اليقين التي تصاحبها. ولكن ينبغي أن يكون لديك إحساس كافٍ بالانتماء”.
تشعر سالم أن “الحكومة لا تهتم بتطوير الفنون في بنغازي. وفي مدينة طرابلس القديمة، تفتح صالات العرض والمساحات التي يديرها الفنانون وتغلق، ولكن هذا ليس الحال هنا. لدينا قسم فني في الجامعة، لكنه غير مجهز بشكل جيد”.
تعمل سالم الآن في استوديو مؤقت على سطح منزل والديها، الذي تسميه “مهربها من الواقع” لأن “الواقع في الخارج قبيح جدًا، لذا فإن الاستوديو الخاص بي هو ملاذي الآمن. أحتاج إلى مساحة لأنني أحب رسم لوحات فنية كبيرة. أنا أشعر بأن لوحاتي ذات المواضيع التاريخية التصويرية يجب أن تكون كبيرة. لا يصح أن تكون صغيرة، لأنها حينها لن تعطي القدر ذاته من التأثير”.
تيوا بارنوسا
غادرت تيوا بارنوسا، البالغة من العمر 23 سنة والمقيمة حاليا في برلين، ليبيا لكنها تواصل المساهمة في تطوير المشهد الفني للبلاد من الخارج. في سنة 2015، بعد سنة من اندلاع الحرب الأهلية في وطنها، أسست بارنوسا مؤسسة ورق للفنون. في سن السابعة عشرة في ذلك الوقت، أنشأت الفنانة هذه المؤسسة المستقلة غير الربحية المكرسة لدعم المشهد الفني الليبي المعاصر محليًا وفي الغربة وتشجيع الحوار بين الفنانين والجماهير.
تركز بارنوسا في أعمالها الفنية على اللغات غير المعترف بها والمنسية والنصوص القديمة وعلم أصول الكلمات والبحث فيها بناءً على القرارات الاجتماعية والسياسية التي تم اتخاذها على مر السنين في البلاد. تتسم أعمالها بالتنوع والحس التجريبي، وتضم أعمالا ورقية ومجسمات فنية ووسائط رقمية وصور متحركة، لتشمل مؤخرًا خاصية صوتية أيضا. وتتخصص بارنوسا في تناول الموضوعات المتعلقة بالسرديات القائمة مسبقًا وتحرّيها.
توضح بارنوسا: “غالبًا ما يدور بحثي حول بناء المعرفة وتفكيكها، والوسائل والأدوات المستخدمة لعزل الناس وتجريدهم من إنسانيتهم والأراضي التي يعيشون فيها”. وفي أحد أعمالها المذهلة المؤلف من وسائط متعددة، تنتقد خريطة “من هم الطرابلسيون الحقيقيون؟” مفهوم ما يسمى بـ “الطرابلسي الحقيقي” وتحلل الامتيازات الاجتماعية داخل المجتمع الليبي.
في حديثها عن ذلك، تقول بارنوسا: “خلال طفولتي في طرابلس، لطالما لاحظت وسمعت موضوعًا شائعًا في التجمعات الاجتماعية يشكك في هوية وأصالة الأشخاص الذين يعيشون في المدينة، يميّز المواطنين الآخرين حسب جذورهم وأسماء عائلاتهم وقبائلهم والمنطقة التي يعيشون فيها ومن أين أتوا”.
تُظهر الخرائط التي أعادت صياغتها أجزاءً من المناظر الطبيعية في طرابلس، حيث تحل النصوص محل الحدود لتعيد سرد الروايات الاجتماعية للمناطق. على هذا النحو، توضح بارنوسا أن “أسماء الشوارع تتغير وتعطى المعالم قيمًا مختلفة بمجرد كتابتها بمزيج من اللغات. كانت الأمازيغية والعبرية واليونانية والعثمانية والإيطالية لغات مستخدمة على نطاق واسع في المدينة تاريخيًا، وبذلك فهي تعكس تاريخ المنطقة وماضيها ومستقبلها”.
في سنة 2019 أنهت بارنوسا عملًا فنيًا مؤثرًا آخر، وهو تنصيبية مرئية ومسموعة بعنوان “مطار معيتيقة”، الذي بدأ العمل في سنة 2014 بعد حرق مطار طرابلس الدولي خلال الحرب الأهلية.
في الأصل، بُني مطار معيتيقة في سنة 1923 كقاعدة جوية إيطالية، واستُهدف من قبل الميليشيات الليبية خلال حملة غرب ليبيا في سنتي 2019 و2020 بسبب موقعه في المدينة. تشير بارنوسا إلى أن “المطار لم يتوقف عن العمل على الرغم من تعرضه بشكل منتظم للقصف والهجمات الصاروخية. لقد كانت حجوزات الطائرات ممتلئة بالكامل على مدى أشهر، وعمل الناس يوميا لإصلاح الأضرار التي لحقت بالطائرات والمدرج”.
من وجهة نظر بارنوسا، فإن قصة المطار تعكس الحياة اليومية في طرابلس، وتثير التساؤلات عما إذا كان المدنيون يظهرون قدرة على التحمل أم ينكرون ظروفهم المعيشية فحسب. وتصاحب التنصيبية مقطوعة صوتية هي عبارة عن تسجيل لقصف عنيف وأصوات صواريخ.
محمد أبوميس
يقيم محمد أبوميس (مواليد 1970) في ملبورن بأستراليا، ويستكشف عمله بعمق ذاكرة المكان والفضاء من خلال الرسم. هويته الليبية موضوع محوري في فنه القماشي، إلى جانب مفاهيم التهجين، والانسيابية، والحدود الوطنية، والمعنى المتغير “للوطن”، والتشرد والانتماء.
ولد أبوميس في طرابلس وتخرج من كلية الفنون الجميلة في طرابلس سنة 1994 وتحصل على شهادة في الرسم والتصوير. وتعود ذكرياته الأولى المرتبطة بالفن إلى مرحلة الطفولة عندما كان في السادسة من عمره، حيث كان يرسم لزملائه ومعلميه في المدرسة.
عندما كبر، أدرك أبوميس أن المشهد الفني في ليبيا متخلف وعلى حد تعبيره “كان المشهد ينمو ببطء بسبب تأثير القوة المطلقة التي تسيطر على كل شيء في البلاد. لم يكن هناك أي مجتمع فني أو فنانين كبار يمكن الاقتداء بهم، أو حتى نقل قيمة الارتقاء والنهوض بالمشهد الفني الليبي. اليوم أرى المزيد من الليبيين يتطلعون إلى إنشاء حركات سياسية واجتماعية وثقافية جديدة من أجل مستقبل أفضل”.
بدأ أبوميس عرض أعماله في سنة 1992 سواء في ليبيا أو على الصعيد الدولي، وشارك في معارض جماعية في مصر وأوروبا والمملكة المتحدة وأستراليا. غادر ليبيا بفضل منحة دراسية من جامعة الفتح في طرابلس، التي مكنته من السفر إلى المملكة المتحدة قبل أن يستقر أخيرا في أستراليا بعد سنوات.
يقول أبوميس: “لقد كنت متفاجئا، لأنني لم ألتق بالعديد من الفنانين الليبيين المعروفين الذين هاجروا إلى الخارج في عهد القذافي أو بعده. إن قصة المنفى تثير الحنين إلى الماضي، وتستحضر الخسائر الفعلية للعائلة والأصدقاء والمجتمع مما يؤثر على كل من الحياة الداخلية والبيئة الخارجية. إن الأمر يتعلّق بفقدان الماضي الشاعري”.
طوّر أبوميس أسلوبه وكان لنظرية الفنان الألماني بول كلي المولود في سويسرا تأثير عليه والذي يرى أن “اللون هو الفضاء الذي يجتمع فيه العقل والكون معًا”. مع أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، أصبحت الألوان محور عالم أبوميس، حيث قال “أشعر أنني جزء من اللون، وعلينا أن نكون واحدًا”.
تعتبر لوحة “الحرية تقود المجتمعات” من أحب الأعمال الفنية إلى قلب أبوميس بشكل خاص، التي رسمها سنة 2011، وقد عرّفها بأنها “أيقونة ثورية”. تعكس هذه اللوحة الفنية توترا بين تجربته في الهجرة والتنقل وبين ارتباطه بوطنه: “تجسّد اللوحة ما يسمى بالربيع العربي الذي عُرف في ليبيا بـ ‘ثورة فبراير’. كانت الفكرة تكمن في استخدام الرموز والأيقونات واللافتات لتمثيل الروايات الليبية التي تتكشف باستمرار”.
وأضاف هذا الفنان التشكيلي: “أردت أن أتحدث عن الثورة الليبية من خلال عرض ألوان العلم الوطني مع الزهور. من حيث التقنية، استخدمت الألوان ذات القوام الذي يمتزج مع التلوين العضوي الأصلي. فهذا الأسلوب هو استعارة للبحث عن الحرية والتغيير، من وجهة نظري”.
لا يزال أبوميس على اتصال بالفنانين والمنظمات الفنية في ليبيا، ويقوم أيضًا بأدوار استشارية عبر الإنترنت، ويدعم ويوجه الطلاب والفنانين في ليبيا: “إنني أعمل على تطوير فني فيما يتعلق بهويتي متعددة الطبقات بصفتي فنانا ليبيا مقيما في أستراليا”.
ملاك الغويل
بعض الفنانين الليبيين الشبان، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في الغربة، لم يتعاملوا مع المشهد الفني المحلي. تقول ملاك الغويل، المولودة في طرابلس والبالغة من العمر 25 سنة، “لم أكن أعلم بوجود مجتمع فني ناشئ ولم أكن جزءا منه. لم أكن أعرف الفنانين الكبار. لم يكن هناك فنان نموذجي أسير على خطاه. لقد بدأت مؤخرًا فقط في تعلم المزيد والمزيد عن الفنانين الليبيين والفن الليبي بشكل عام”. حاليا، تقيم الغويل في دبي، حيث درست في كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة، وهي تؤمن بأن الفن بمثابة وسيلة لاختبار قدراتها.
تقول الغويل إن “كل مواضيع أعمالي تدور حول ليبيا، لأنها ستظل إلى الأبد جزءا كبيرا من هويتي، أينما ذهبت” من نواحي كثيرة، كوني ليبية ومررت بكل هذه التحولات الدراماتيكية في السنتين الماضيتين هو ما أعطاني هذا الدافع لإيجاد منفذ للتعبير عن نفسي. ساعدني الفن في التعامل مع الاضطراب الداخلي الذي يصاحب كل ليبي”.
يندرج أحد أحدث أعمالها “إن كان بإمكاني تتبعك… إن كان بإمكاني سماعك…” ضمن أسلوب الفن الصوتي، وهو يستند إلى سبع محادثات مع ليبيين نازحين ترافقها قصيدة نظَمتها بنفسها مع مقطع فيديو يوضح بالتفصيل عملية الاشتغال على أعمالها.
تؤكد الغويل أن “تسجيل الأحداث التي قد تضيع بمرور الوقت أمر مهم بالنسبة لي، خاصة في بلد يواصل محو تاريخه. من الصعب جدا العثور على أي أرشيفات أو مصدر غير متحيز للتوثيق في ليبيا”. بالنسبة لها، يمثل هذا العمل نوعا من الحركة النبيلة: “منحني التحدث إلى أشخاص مختلفين أثناء المقابلات إحساسًا بوجود هدف لحياتي. أرادوا جميعًا مشاركة قصصهم. بطريقة ما، شعروا بوجودهم مرة أخرى”.
فايزة رمضان، تغير نظرة العالم عن ليبيا
نشأت فايزة رمضان البالغة من العمر 32 عاما في منزل عائلة فنية في ريف طرابلس مع والديها الرسامين، وتأثرت أيضًا بشدة بعمها علي مصطفى بن رمضان، فنان المعارض الفنية الذي يدير دار الفن في طرابلس. بدأت فايزة في صياغة كتب هزلية مع أختها مستوحاة من قصة حياتهم عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
حتى مع دراستها ومسيرتها المهنية في مجال الأعمال والتكنولوجيا، واصلت فايزة زيارة المعارض الفنية التي كانت أكثر انتشارًا قبل سنة 2011. وتقول فايزة: “قبل الثورة كانت ليبيا أكثر انفتاحًا على الأجانب، وكانت المعارض نقطة اهتمام قوية للمغتربين. وحقق العديد من الفنانين المشهورين نجاحًا خلال تلك الفترة”.
فيما يتعلق بعملها الشخصي، فإنها تهتم بشكل رئيسي بلوحات الصور الشخصية والتقاط المشاعر الإنسانية: “بعض أعمالي تندرج ضمن الفن التجريدي، لكنني أجد نفسي دائمًا أعود إلى فن رسم الأشخاص”. إن عملها هو مزيج من خبرتها وثقافتها وتراثها: “أبي ليبي وأمي غانية، وقد أثر ذلك على أعمالي الفنية ثقافيًا. يمكنك اكتشاف تأثير الثقافة الأفريقية في العديد من أعمالي”.
تعتبر لوحة “الاجتماع” من أقوى الأعمال التي ترمز إلى الأحداث الجارية، وهي تعكس الانقسام الاقتصادي في ليبيا. توضح فايزة: “هذه اللوحة مستوحاة من مشهد رأيته وأنا أقود السيارة في طريقي إلى العمل. كان هناك مجموعة من كبار السن جالسين على الرصيف في البرد ينتظرون بالتناوب لسحب نقودهم من البنك. لقد وظّفت تلك الصورة وقمت بدمجها مع مشهد آخر نعرفه جيدا، ألا وهو الاجتماعات السياسية والاقتصادية العديدة التي لا تعد ولا تحصى. كنت أرغب في خلق تأثير بائس من خلال هذا التباين”.
إن هذه اللوحة مستوحاة من المدرسة التكعيبية، رُسمت على قماش بطباعة ألوان مختلطة، في إشارة إلى الوضع الاقتصادي والمالي الليبي الحالي. أصبح هذا الأمر مروعا للغاية منذ الانتفاضة الليبية في 2011.
حاليًا، تعاني البلاد من نقص السيولة النقدية مما أدى إلى عدم قدرة الشركات والمؤسسات على دفع رواتب الموظفين. ويمكن ملاحظة ذلك عند النظر إلى الطوابير التي لا تنتهي أمام البنوك، حيث لا يستطيع المواطنون سحب الأموال بسبب أزمة السيولة المستمرة.
لم تبدأ فايزة في تخصيص المزيد من الوقت للرسم إلا أثناء الثورة: “بين عشية وضحاها، أصبح لدي الكثير من أوقات الفراغ، وكنت بحاجة إلى طريقة لمواجهة الشعور بالقلق وعدم اليقين. بعد الثورة، ابتكرت المزيد من الأعمال الفنية وأيقنت أن هذا ما أرغب في فعله طوال حياتي”.
في الوقت الراهن، تقوم فايزة بالترويج لأعمالها وبيعها من خلال منصة “De-Orientalizing Art”، فضلا عن المشاركة في المعارض في ليبيا وخارجها. وفي سنة 2018، أطلقت أيضًا مجموعة “الفن الراقي ليبيا” على فيسبوك لربط عشاق الفن بالفنانين، ورعاية قاعدة من جامعي الفنون المحتملين في المستقبل لدعم الفنانين الناشئين في ليبيا.
تقول فايزة إنها تريد أن يرى الناس ليبيا على أنها أكثر من دولة فاشلة مزقتها الحرب الأهلية: “أعتقد أنني، في أعمالي الفنية، أمثل روايتي الخاصة للتاريخ الليبي. نأمل، من خلال التعبير عن أنفسنا، أن نتمكن من تغيير تصورات المجتمع الدولي عنا”.
المصدر: ميدل إيست آي