مع أكبر دولة إسلامية في غرب إفريقيا، وهي النيجر، تزعم “إسرائيل” أنها تجري اتصالات سرية بشأن تطبيع العلاقات الثنائية مع هذا البلد المنكوب بالإرهاب، وفي نفس الوقت يُعتبر من أكبر مصدري اليورانيوم في العالم.
ليست المرة الأولى التي تسرّب “إسرائيل” مزاعم عن هذه المحادثات السرية عبر وسائل إعلامها، فقد قامت بذلك منتصف مارس/آذار من العالم الحاليّ، إذ نقل موقع “إسرائيل هايوم” عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، أن النيجر تدرس تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، موضحًا أن نيامي ستستأنف علاقاتها مع تل أبيب إذا ساهمت الولايات المتحدة في دفع هذه العملية.
الشرط الأول.. حل الدولتين
خلال نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، نفت وزارة الخارجية والتعاون لدولة النيجر أي مزاعم تقول إنها بصدد إجراء محادثات سرية لتجديد العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وأضافت “لا يمكن أن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية في سياق احتلال فلسطين”.
وجدد هذا البلد الإفريقي تأكيد موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو حل الدولتين، إذ تجعل نيامي هذا الشرط لا غنى عنه لاستئناف جميع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب.
النيجر دولة عضو في مجموعة الاتصال الخاصة بالقدس الشريف التي استخدمت دائمًا كل طاقتها لدعم الشعب الفلسطيني في كفاحه
كرد على المزاعم المعلنة أخيرًا، لم يصدر أي بلاغ من خارجية النيجر يؤكد رفض استئناف العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” أو ينفي حقيقة الاتصالات السرية، لكنها كواحدة من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، عبر عميد دبلوماسيتها يوسف محمد المختار عن دعم بلاده الكامل للشعب الفلسطيني، ضحية القصف الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية.
النيجر دولة عضو في مجموعة الاتصال الخاصة بالقدس الشريف التي استخدمت دائمًا كل طاقتها لدعم الشعب الفلسطيني في كفاحه لكسب حقوقه ضد الإسرائيليين، حسب وزير خارجية هذا البلد، مؤكدًا استمرار حكومة بلاده في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين وفقًا لحدود عام 1967.
خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 قطعت النيجر علاقتها بـ”إسرائيل” لأول مرة، ثم أعادت الكرّة في عز انتفاضة الأقصى عام 2002، لكن حتى الآن يُبذل مجهود حقيقي معلن يرمي إلى تطبيع العلاقات الثنائية.
فقراء على أرض الكنوز
فضلًا عن عزمها الانعتاق من العزلة التقليدية في العالم الإسلامي، تسعى “إسرائيل” لإعادة علاقتها بالنيجر، باعتبارها من أكبر مصدري اليورانيوم في العالم، لأن العلاقات المستقرة بين البلدين قد تؤثر في صادرات اليورانيوم النيجري إلى دول معادية للكيان الصهيوني.
عدّنت النيجر ما يناهز 3 آلاف طن يورانيوم، حتى نهاية عام 2019، فقد بلغ الإنتاج التراكمي للبلاد نحو 150 ألف طن، ويتم استخراج اليورانيوم بالقرب من بلدتي التعدين التوأم أرليت وأكوكان على بعد 900 كيلومتر شمال شرق العاصمة نيامي، وأكثر من 1200 كيلومتر برًا على الحدود الجنوبية للصحراء الكبرى وعلى المدى الغربي لجبال آير.
يشكل اليورانيوم السلعة الرئيسية في صادراتها، فتستثمر المجموعة النووية الفرنسية “أورانو” (أريفا السابقة) باستغلال اليورانيوم لمدة 50 عاما في شمال البلاد.
النيجر بلد عبارة عن صحراء تشكل ثلثي أراضيها، إلا أنها تحولت إلى جنة تلمع ذهبًا، بعد اكتشاف المعدن الثمين وبدء استغلاله الصناعي مطلع القرن الحاليّ شمال البلاد، لترفع نيامي تطلعاتها إلى استخراج 80 إلى 100 كيلوغرام من الذهب شهريًا خلال عام 2016، بعدما حصلت خلال الفترة الفاصلة بين 2001 و2010 على 14 طنًا من الذهب.
وبدءًا من عام 2011 التحق هذا البلد الإفريقي بنادي الدول المنتجة للنفط، إذ تشير معلومات رسمية صادرة عن إدارة الطاقة، أن النيجر بها نحو 200 مليون برميل من الاحتياطات النفطية المؤكدة.
تعاني النيجر منذ عام 2011 من هجمات إرهابية عنيفة تكثفت منذ 2015، لا سيما في الغرب
ومن المفارقات المثيرة للدهشة أن تزخر النيجر بكل هذه الثروات، وتكون الدولة الأفقر والأكثر هشاشة على المستوى العالمي، فهي تتذيل مؤشر التنمية البشرية وتعاني من أزمات غذائية وهجمات إرهابية متكررة تقودها جماعات موالية لتنظيمي “داعش” و”القاعدة”.
مشاكل النيجر ثغرات للصهاينة
شهدت البلاد أيضًا حركتي تمرد للطوارق تم قمعهما في تسعينيات القرن الماضي ثم بين 2007 و2009، كما تعاني النيجر منذ عام 2011 من هجمات إرهابية عنيفة تكثفت منذ 2015، لا سيما في الغرب (القريب من مالي)، حيث يوجد تنظيم “داعش” الإرهابي، وفي الجنوب الشرقي المتاخم لبحيرة تشاد ونيجيريا، المنطقة التي أصبحت معقلًا لجماعة “بوكو حرام” أو كما تسمى أيضًا بـ”طالبان نيجيريا”.
قد تجد “إسرائيل” في المشاكل المتفاقمة لهذا البلد الإفريقي ثغرات لاختراقه والتوغل فيه، ذلك أن دولة الاحتلال تعتمد معادلة تقضي بإبرام عقود التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي والتعاون والأمني، من أجل تأليب الصوت الإفريقي لخدمة مصالحها الاستيطانية وضد القضية الفلسطينية.
تدرك تل أبيب جيدًا أهمية إفريقيا في المحافل الدولية، لذا تسعى إلى التأثير في كثير من البلدان ذات الاقتصادات الهشة والسيادات الضعيفة.
تسرب الدفء شيئًا فشيئًا
دولة الاحتلال تطمح إلى “صناعة التاريخ” أو على أصح تعبير “تفبرك” لنفسها تاريخًا مزيفًا، من خلال تغلغلها في أغنى وأفقر قارة بالعالم، واختراقها للدول ذات الأغلبية المسلمة بإفريقيا من أجل فك العزلة عنها واستمالة تأييد شعوبها.
يبيع الكيان الصيهوني السلاح للبلدان الإفريقية التي تنخرها الحروب الأهلية، ليس من أجل استقرار الأمن بها، لكن لكي يقتل الأفارقة بعضهم البعض، مقابل أن تأخذ ألماسهم وذهبهم لتحقق أرباحًا خيالية، وتساعدهم في الطاقة والزراعة لتكسب أصواتهم ضد فلسطين، ومن ثم تسيطر على سواحل القارة ومضايقها البحرية.
“إسرائيل” التي أوجدت نفسها على نقطة وصل بين أوروبا وآسيا، كانت في البدء معزولة من بلدان إفريقيا التي اتخذت موقفًا معاديًا لها لصالح القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين قررت الدولة العبرية أن تخوض غزوًا دبلوماسيًا في القارة الممزقة والغنية في الآن ذاته، من خلال التغلغل في البلدان المستقلة حديثًا، لأن قدراتها التصويتية في الأمم المتحدة قوية وثرواتها أكبر، وعلى الرغم من أن سعادة “إسرائيل” لم تدم طويلًا بعد حرب أكتوبر، لم تفقد أملها، ليتسرب الدفء للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية شيئًا فشيئًا.